الإثنين 29 ابريل 2024

القاهرة.. نظرة الزمان على المكان


اللواء إيهاب عطية

مقالات13-1-2023 | 14:05

اللواء إيهاب عطية

عاصمة الدولة هى علامتها المميزة، البوتقة التى ينصهر فيها عناصرها المعنوية والمادية، تاريخها، حضارتها، روحها، قيمها، غناها وفقرها، فبعيداً عن كونها مركزها الإستراتيجى والسياسى والاقتصادى حيث يتركز فيها مقرات السلطة وحكامها والبعثات الدبلوماسية، فنظرة عابرة لها تختصر صفحات كثيرة تتحدث عن مقوماتها سواء بالإيجاب أو بالسلب، ويكفى القول بأن سقوطها فى يد الغير يعنى سقوط الدولة بأكملها.

والعواصم لا تولد فى لحظة، ولا تنشأ بقرار فوقى أو قانون سيادى ولا لأسباب عابرة طارئة، وإنما تأتى استجابة لضرورات طبيعية ومعطيات تاريخية وأوزان حضارية ومتطلبات سكانية، فهى محصلة نهائية لتجارب متعددة شملها الصواب والخطأ، وتجسيد صافى لتاريخ وجغرافية الدولة، فالقصة ليست قصة شوارع وجدران صماء لكنها ذكريات وأفراح وأحزان وسيل من الأحداث الساخنة. 
والعواصم طبقاً للعلامة جمال حمدان نوعان .. طبيعية تقوم وتتطور وفقاً لأحكام التاريخ الطبيعى ومن ثم تعد مركز نواة الدولة البشرية العمرانية ومكمن هيبتها ومجدها وعراقتها على نحو يتيح لها القيام بوظائف متعددة .. وصناعية تنشأ بالأمر المباشر بلا جذور تاريخية أو سيادة اقتصادية ولذا فهى غالباً ضئيلة الحجم أحادية الوظيفة مختلة التوازن اقتصادياً فهى مدينة سياسية صرف حديثة النشأة والتعمير.
رحلة الزمن
والقاهرة رغم أنها ليست عاصمة مصرالأولى إلا أنه ليس لحضورها مثيل عبر تاريخها الطويل، فالبداية كانت بمنف (ميت رهينة – البدرشين حالياً) التى أسسها الملك مينا كعاصمة إقليمية لكنها ما لبثت أن صارت عاصمة  لمملكة مصر القديمة قبل أن ترتد العاصمة جنوباً لطينة ( أبيدوس ) ثم تعود مع الأسرة الثالثة لمنف مرة أخرى لتستقر فيها حتى الأسرة الثامنة (أكثر من 500 عام) .
ثم تذهب إلى أهناسيا (على نفس خط عرض بنى سويف) إبان حكم الأسرتين التاسعة والعاشرة (نحو 280 سنة) وابتدءاً من الأسرة الحادية عشر ذهبت جنوباً فكانت طيبة (الأقصر) التى بدأت عاصمة إقليمية ثم تحولت لعاصمة لمملكة مصر الوسطى لمدة 800 عام انتهت مع نهاية الأسرة العشرين.
وإن كان تخللها فترات تنازعت العاصمية فيها مؤقتاً مراكز أخرى كلها فى الشمال مثل شدت (الفيوم) بأيام الأسرة الثانية عشر وأفاريس (بشرق الدلتا) عاصمة الهكسوس وتل العمارنة (أخيت آتون) التى أسسها اخناتون على ضفة النيل الشرقية بملوى لكنها لم تدم سوى بضع سنين.
وبأيام الأسرة "21" أصبحت تانيس ( شمال شرق الدلتا ) هى العاصمة ثم انتقلت لبوبسطة (تل بسطة – الشرقية) فى عصر الأسرة "22" التى عمرت مائتى عام لكنها عادت مرة أخرى  لتانيس بأيام الأسرة  " 2٣"  قبل أن تتنازع العاصمية بزمان الأسرة "24"  كل من منف وسايس (صان الحجر) بشمال غرب الدلتا حتى استقرت فى العصر الصادى بعهد الأسرة "26"  بصان الحجر.
غير أنها عادت لمنف لمدة مائتى عام خلال الحكم الفارسى بآواخر عصر الأسرات وبعدها تحولت إلى الإسكندرية لمدة 972 سنة فى ظل الاستعمار الإغريقى ( اليونانى ) وإن كان هناك من يرى أن الإسكندرية وقتها كانت تعد مدينة أجنبية أو جزيرة من أرخبيل اليونان ألصقت بالساحل المصرى، فالإسكندرية كانت فى مراحل متعددة من التاريخ القديم شأناً مستقلاً عن مصر .
فى ظل الإسلام
وحينما أتى الفتح الإسلامى ( 20هـ / 640م ) وكعادة المسلمين الأوائل بذاك الأوان، فغالباً ما كانوا عقب قيامهم بفتح البلاد باتخاذ عاصمة جديدة لهم ليظهروا فيها شعائرهم الدينية وليتركوا الحرية لأهلها الأصليين ليمارسوا حياتهم فى إطار من الحرية المنضبطة بدرجة أو بأخرى.
فكانت الفسطاط (مجرد بيوت من الطوب الأخضر والأحجار الجيرية وسعف النخل) التى أنشأها الصحابى الجليل عمرو بن العاص بمساعدة القائد عبادة بن الصامت عام 21هـ الموافق 641 م بموضع خيمته بعد أن باض وأفرخ عليها اليمام أولى عواصم مصر فى ظل الإسلام وظلت هكذا لنهاية الدولة الأموية.
وعندما جاء العباسيون عام 133هـ أسس جنودهم عاصمة لهم سموها العسكر بالنقطة (غرب الفسطاط باتجاه حي السيدة زينب أى بين حى المدابغ عند سور العيون وحى زين العابدين) التى انتهى فيها قائدهم صالح بن عبدالله بن العباس من مطاردة آخر الولاة الأمويين مروان بن محمد  وصارت مقراً لولاتهم لمدة 118عاما بعد أن اتصل بنيانها بالفسطاط وزاد عمرانها.
ولما استقل أحمد بن طولون بمصر عام254هـ بأيام الخلافة العباسية شيد شمال العسكر مدينة القطائع (جمع قطيعة وهى الحارة) على مساحة 800 فدان من المقطم إلى الخليج  (من جبل شكر لجامع بن طولون طولاً ومن ميدان القلعة لمشهد زين العابدين عرضاً) والتى قال المقريزى إنه كان بها ما لا يقل عن 100 ألف دار سوى البساتين والحدائق.

هنا القاهرة
وأخيراً وبعد مرور قرن كامل من الزمان وبعدما غزا العبيديون (الفاطميون) مصر بدأ جوهرالصقلى (رومى الأصل من صقلية) ببناء القاهرة فى 6يوليو969 م التى تتعدد الروايات التاريخية حول سبب تسميتها، فرأى  ذهب لأن هذا يعود لكون بدء العمال فى بنائها تزامن مع سطوع كوكب القاهر بالطالع وقيل كوكب المريخ الذى هو قاهر الفلك، فالعبيديون كانوا مُغرمين بالتنجيم .
وآخر أرجع التسمية لمدينة فرعونية قديمة اسمها إبكا Ebakahi حرفت مع الأيام الى القاهرة، وثالث يعلل التسمية بأنه كان بقصورالعبيديين قبة تسمى القاهرة، ورابع يرى أن المعز لدين الله الفاطمى (أبو تميم معد بن المنصور اسماعيل بن القائم) هو من سماها بعد أن كان الصقلى أطلق عليها المنصورية نسبة لوالد المعز.
بل هناك من يرى أن المعز هو من سماها من قبل غزوها حينما قال لجوهر الصقلى وهو يودعه بالقيروان ( لتدخلن مصر بالأردية من غير حرب، ولتنزلن فى خرابات بن طولون وتبنى مدينة تسمى القاهرة تقهر الدنيا) .
ظلت القاهرة عاصمة للعبيديين طوال سنوات ملكهم لمصر التى امتدت لمائتى وتسعة أعوام، كانت بأغلبهم مدينة مغلقة على حكامهم وقوادهم وجنودهم ، فهى لم تفتح أمام العوام من المصريين إلا بعد المجاعة التى  ضربت مصر بأيام حكم المستنصر بالله (أبوتميم معد) لمدة سبع سنوات ( 458-468 هـ / 1066-1072 م ) .
واستمرت كذلك عاصمة لمصر بحكم الأيوبيين الذى امتد 81 عاما، وعلى مدار الثلاثة قرون التى حكمها  فيها المماليك البحرية   والشراكسة، وبسنوات الدولة العثمانية (اعتباراً من 923هـ / 1517م) بما جرى فيها من احتلال فرنسى وصعود لمحمد على وأسرته لسدة حكمها واحتلال  إنجليزى دام نحو 74عاما.
بالطبع القاهرة تلك، لم تكن المدينة التى بناها جوهر الصقلى على مساحة 340 فدانا وفقاً لمخطط يرى البعض أنه كان على طراز يشبه ماكان بالأندلس، وإنما مدينة التحمت بما تبقى من الفسطاط بعد أن أحرقها ودمرها آخر الوزراء العبيديين شاور بن مجير السعدى حين زحف الصليبيون على مصر بعد أن أمر أهلها بالخروج منها بأيام الخليفة العاضد.
 وما تبقى من العسكر التى كان بنيانها اتصل بالفسطاط والقطائع لدرجة أن الأهالى هجروا اسمها، وما تبقى من القطائع التى دُمر غالبها بأيام المجاعة المستنصرية بالإضافة لما لحق بها من امتدادات عمرانية بحكم الضرورة أحياناً وبناء على رغبة فى التحديث والتطوير أحياناً أخرى.
مفاصل فارقة
محطات ومحطات شهدتها القاهرة ما بين مد وجزر واهتمام وإهمال، فهناك من اهتم بتسويرها لأغراض الحماية والأمن كبدر الجمالى وزير الخليفة المستنصر العبيدى وصلاح الدين الأيوبى، ومن حرص على إعمارها كالناصر محمد بن قلاوون الذى عرف بحبه الشديد للبناء، ومن تركها  بلا صحة أو نظافة كما كان الحال بأواخر أيام المماليك، ومن لم يضف لها الكثير كالعثمانيين والفرنسيين فلم تنعم بأيامهم بتعمير أوتطوير ملفت، ومن أضرها بسوء تخطيطه وقلة تدبيره.
لكن هناك محطات ينبغى الوقوف أمامها، كمحطة محمد على فبأيامه أُجرى حصر لمبانيها الآيلة للسقوط وهُدمت حفاظاً على الأرواح وبدأت أعمال نظافتها وإنارتها بالقناديل وتعمير وتجميل شوارعها وترقيمها وتسميتها، فهو من أنشاء مجلس للإشراف على تجميلها وتعديل طرقها. 
كابوس إسماعيل 
ومحطة الخديوى إسماعيل، فالقاهرة المحروسة تدين له بتحديثها وتطويرها، فقد كان مبهوراً بالنموذج الأوربى الذى عاشه بفينا وباريس ولندن ويحلم بأن تصبح هى باريس الشرق، فبعد عودته لمصر من معرض باريس الدولى عام 1867م عهد للفرنسى هوسمان بتخطيطها على نحو ما خطط العاصمة الفرنسية.
وكلف على مبارك بإعداد قانون يضع إطاراً لمخطط هوسمان العمرانى الذى كان من أهم ملامحه تحويل مجرى النيل إلى الشرق من موقعه الأصلى وإقامة إحياء الجيزة والدقى السكنية وحدائق الأورمان وحديقة الحيوان مكان المجرى القديم وإنارة القاهرة بالغاز، وعهد بمتابعة كل هذا لأول مجلس بلدى لها تم إنشاؤه فى 14 محرم 27 أبريل 1869م .
فإسماعيل أحدث بالقاهرة عن حق ثورة عمرانية فخط الشوارع والميادين وأنشأ القصور والمبانى السياسية والإدارية والفنية الفخيمة لكنه اعتصر موارد الشعب لدرجة الابتزاز واستدان  دون تحوط فرهن استقلال مصر وفتح الباب واسعاً أمام التدخل الأجنبى فى حكمها على نحو أفقدها سيادتها ومكن الإنجليز فى النهاية من احتلالها.
فإسماعيل كان مولعاً بالرغبة فى تحقيق مجد شخصى ككل الحكام المستبدين، فذهب يبحث عنه على حساب شعبه فأقام القصور والاحتفالات المبهرة ليس من جيوبهم الخاوية فقط وإنما كذلك بالقروض والديون والبيع فأغرق البلاد والعباد الذين عاشوا وماتوا فى حاجة ماسة لصحة وتعليم وليس لجدران وأحجار صماء مهما كان جمالها أو بهاؤها، وقد نال الرجل ما نال من جراء سوء حكمه فعزل ومات منفياً مريضاً.
نعم نحن الآن نتباهى بقصوره ومبانيه ويسعدنا الافتخار بوجودها وربما نستفيد أو نستمتع ببعضها بشكل أو بآخر، لكن علينا أثناء هذا أن نتذكر أنه فعل ما فعل على حساب أجدادنا الذين عانوا منه الأمرين من أجل أن يصنع لنفسه مجدا واهما، فمجد الحاكم الحقيقى فى سعادة شعبه وتكثير أصوله وممتلكاته والحفاظ على استقلال وطنه وسيادة قراره.
قاهرة الجمهورية
أما محطة ما بعد يوليو 1952 فهناك من أضافوا بشكل بارز لعمرانها خاصة بالستينيات كوزير ناصر للشئون البلدية والقروية عبد اللطيف البغدادى الذى تولى ملف تطوير القاهرة فأعاد ترتيب أحيائها وجدد طرقها ومنافذها ومواقف سياراتها وقوى أنارتها ونقى أجوائها بإزالة التجمعات الصناعية من بين تكتلاتها السكنية أنشأ كورنيش النيل وأحياء بالدراسة والمقطم.
 والدكاترة المهندسين سيد كريم الذى أسس حى مدينة نصر وميدان التحرير، وميشيل باخوم منشئ استاد القاهرة وكوبرى رمسيس الذى صار أكتوبربعدما انتصف العمل به بزمن العبور، وأحمد محرم الذى صمم سيل من منشآتها وطرقها وكباريها كمترو الأنفاق ومحور 26 يوليو والطريق الدائرى وكبارى روض الفرج و15 مايو وغمرة وجراجات التحرير والأوبرا والعتبة، ولا نغفل أن خلف غالبية تلك المنجزات الإنشائية كانت شركة عثمان أحمد عثمان (المقاولين العرب).
مركزالدائرة
هكذا وبعد الإضافة والحذف صرنا أمام القاهرة التى نعرفها، خاصرة الوادى والصحراء، فهى كما يقول جمال حمدان من الناحية الهندسية البحتة مركز الثقل الطبيعى ومن الناحية الميكانيكية نقطة الإرتكاز التى تستقطب حولها ذراعا القوة والمقاومة من شمال وجنوب ومن الناحية الحيوية نقطة التبلور ومن الناحية الوظيفية ضابط الإيقاع بين كفتى مصر، إنها تبدو كما قال ويكلى كما لو كانت موقعاً من اختيار الآلهة أو زر ماسى يمسك مروحة الدلتا ويد الصعيد.
فكل الطرق تؤدى للقاهرة ، فإذا كان النيل يصب بمصر فإن مصر برمتها تصب بالقاهرة، فمصر من البلاد القليلة التى يطلق فيها اسم البلد على العاصمة، فالعوام يعرفون القاهرة باسم مصر، فالقاهرة خير تصغير لمصر من حيث الشكل والهيئة والتركيب وخير تكبير لها من حيث الموضوع والمضمون، فلا نكاد نتصور مصر بغير القاهرة تماماً كما لا تُتصور بغير النيل.
تردى وتبرير
من هنا فقد كانت القاهرة تستحق العناية، لكنها من سنين فقدت ما يجدر بها، فمع سياسة مضطربة وحروب ونكسات عسكرية وتأخر إدارى وتراجع اقتصادى واضطراب ببوصلة الأولويات تحولت لكائن أخطبوطى فهى لم تخطط أصلاً إلا لتكون مدينة متوسطة الحجم لكنها تركت تنمو نمواً عشوائياً أثقلها بمشاكل لاحصر لها، زحام، ضوضاء، تكدس مرورى، عشوائيات، انحراف سلوكى وأمنى و...,و...,و...,....
وكثيراً ما نعلق مشاكل القاهرة كلها على الكثافة السكانية، التى لم يكن لها أن تحدث لولا إهمالنا لغيرها من الأقاليم، فالناس ببساطة تبحث عن أماكن الوفرة والرخاء لكن على ما يبدو فإن زحام القاهرة ليس بجديد فالجبرتى اشتكى منه بقوله (إن الإنسان يعانى الشدة والهول إذا مر بالشارع من شدة الزحام، ومرور الخيالة ومرور الحمير الأومة والجمال التى تحمل الأتربة والأنقاض والأحجار لعمائر الدولة وما عداها من حمول البضائع والتراسين حتى الزحمة فى داخل العطف الضيقة).
لكن اتخاذ مشكلة السكان كبش فداء نبرر به ما لحق بالقاهرة أو بمصر من تراجع غير كاف مع الإقرار بوجودها فهى المشكلة الأم، لأن مشكلة السكان ببساطة ليست مشكلة القاهرة أو مصر الوحيدة فهناك مشاكل أخرى بنواحى متعددة ومتنوعة، كما أن محاولة مواجهتها بالوقوف عند حدود حتمية تقليل الإنجاب وفقط  يمثل نوعاً من ضرب الرأس فى الحيط وإن كان يرضى السياسة.
العلم .. العلم
الملفت أننا ذهبنا نبحث عن حل لمشاكل القاهرة بطريق يعاكس اتجاه العلم والمنطق، فبدلاً من العمل على إيقاف تمددها العمرانى ببناء مدن جديدة بعيدة عن محيطها أنشأنا مدنا حولها مثلوا مع الأيام امتداد لها فتضخمت وتمددت أكثر وأكثر فى حين كان متاحاً حلول أخرى بتحويلها لمدينة مغلقة لا تستقبل الهجرات الداخلية لكن بعد تقوية عواصم المدن والقرى بتنميتها وعمرانها وفتح أسواق العمل بها.
وبإيقاف تمددها العمرانى وبتوزيع وظائفها لتصبح مثلاً عاصمة سياسية بالأساس وليست عاصمة سكانية وصناعية وإدارية وتجارية و..و..و.., وبإنشاء بدائل وظيفية بمواقع غير صحراوية تستنزف مالا غير متوافر ولا يأتى إلا بالاقتراض، وبالاعتماد على التكنولوجيا الحديثة فى تقديم الخدمات دون ذهاب وإياب طالبيها ، فليس مطلوب نقل العاصمة وإنما ضبط القاهرة.
هل من مزيد ؟!
لكن من باب تجاوز الواقع بغض النظرعن حديث الأولويات ومصادر التمويل إفلات ما أحاط بالقاهرة بالسنوات القليلة الماضية من محاولات لتخليصها من العشوائيات بكل ما تحمله من آثار سلبية على الأخلاقيات والسلوكيات والأمن، وتجديد لبعض مناطقها الأثرية، وتفريغ لكثير من مواقعها الخدمية والإدارية ، واعتماد على تكنولوجيا المعلومات لتطوير منظومة العلاقات بين دوائر الحكومة المركزية والمحلية وبينها وبين القطاع الخاص وبينهم جميعاً والمواطنون بالإضافة لما جرى من زخم فى إنشاء الطرق والكبارى والمحاور المرورية.
لكن مطلوب المزيد، عموماً فالاهتمام بالعواصم والمدن الكبرى صار عالمياً، فقد وضعت اعتباراً من عام 2015 بصدور اتفاقيات ثلاث تحت مسميات التنمية المستدامة وتغيرات المناخ والأجندة الحضرية الجديدة، فالمدن هى محركات الاقتصاد العالمى وبجنباتها تكمن مراكز الابتكار والتطوير والإبداع وهى أيضاً المسببة لأكثر من 70% من الانبعاثات الضارة بالبيئة.
حرارة المكان
من الصعب تصورعاصمة لمصر غيرالقاهرة، فعمرها يتجاوز 14 قرناً، ولا يمكن تصور مصر بدونها كعاصمة، فهى جزء من شخصيتها ومدار الغالب من تاريخها، وعاصمتها الطبيعية فليس هناك موقع أصلح منها تحكم وتدار منه ومشاكلها وعلاتها ليس سوى نتيجة لإهمال متكرر وسوء فى التخطيط أو بالأحرى غيابه وخطأ فى صنع الحلول .
فالكل شارع بالقاهرة تاريخ، ولكل حارة قصة، فهنا كانت الثورة وهناك كانت مقاومة الاحتلال والاستبداد والهزيمة وهنا شهيد وهناك موكب وهكذا، فالسير فيها يحتاج للحركة السبعة التى تحدث عنها الكاتب الإنجليزى ه .ج .ويلز بروايته (آله الزمن) حركة بخلاف الحركات الأصلية الستة فوق وتحت ويمين ويسار وأمام وخلف، حركة الزمان فوق المكان، فبكل نقطة فيها ربما كان من ألف سنة معبداً أو مسكناً أو خليجاً.

Dr.Randa
Dr.Radwa