سمعنا عن حروب كثيرة آخرها حرب إعادة تشكيل مجلس إدارة العالم الجارية على الأرض الأوكرانية والتي تنذر بتصعيد وشيك يبدو أنه سيكون بداية الحرب الحقيقية بعد أن استحكمت الحلقات بين الغرب بقيادة الولايات المتحدة من ناحية وروسيا وحكام العالم الجدد من ناحية أخرى وهو ما أشار إليه الرئيس السيسي في حديثه مؤخرا بأن عالما جديدا سيتشكل عقب نهاية الحرب الجارية يجب أن نستعد له لكن مؤخرا نسمع عن حروب البيانات وهي حرب لا يرصد اندلاعها المراقبون أو وسائل الإعلام على الرغم من انشغالهم بمتابعة تداعياتها المتجددة.
إنها حرب البيانات وتعدد الكيانات المصدرة لها حتى باتت قدرة المهرة في الإحصاء والمتابعة عاجزة عن رصدها أو التمعن في ما تحمله من رسائل يكون بعضها غامضا وأغلبها واضحا وضوح الشمس في رابعة النهار لكنها ترهق المصريين وهم يتابعونها وتتشتت معها قدرتهم على استيعاب ما جري وما سيجري إلى الحد الذي بلغ اللامبلاة أو الانخراط في دائرة مفرغة من التأويل والفهم وهي المحاولات التي تأخذ صاحبها في الغالب إلى طريق مسدود.
بات الجميع اليوم على اختلاف موقعه مصدرا للبيانات ينثرها كما تنثر الحبوب للطيور في كل مكان وفي أي زمان دون حساب أو قصد ومنها التعليمي ومنها الفاحش البذئ ومنها المغرض ومنها ومنها.. ما يصعب إحصاء ألوانها بذات صعوية إحصاء مصدرها وكأن الجميع اتفق على ألا يتفق وكأن الوطن بلا قضية تجبرنا وتدفعنا إلى توحيد الصوت والفعل إزائها.
ومن بين أنواع تلك البيانات التي سئم المصريون من تكرارها ما يصدر عن رئيس الوزراء الذي توقف لسانه عن إخبارنا بما سيتخذ من حلول لمواجهة الأزمة الحالية أو انعكاسها على معيشة الناس بينما ينطلق لسانه دون توقف عن إشعار المصريين أنهم المسئولون عن تلك الأزمة بسلوكياتهم وتصرفاتهم في حديث بات منفرا لأنه صادر عن قيادة تنفيذية وليس مؤرخا اجتماعيا يبثنا حكمته لننهل منها ونتعلم ولا أعلم ما الذي يفيد المواطن المأزوم أن يستمع إلى جهود الحكومة في الماضي وكأنها تخبره أنه ليس لديها ما تقدمه مستقبلا أفضل مما كان وأن الكرة ليست بملعبها.
نوع آخر من البيانات وهو بيانات الكيد والشماتة التي تصدرها فئة ممن يسمون أنفسهم المفكرون والأحرار وهم ليسوا إلا مجموعة شامتة في أحوال المصريين تحاول تقريعهم على ما وصلوا إليه من أحوال نتيجة اصطفافهم خلف الرئيس السيسي وكأنها دعوات لاستجلاب الفوضى التي لم ينجحوا في إطلاقها خلال السنوات الماضية.
بيانات أخرى يتلقاها المواطن لتسجل صراعا بين مكونات المجتمع فالنادي الأسطورة بالجزيرة يواجه منافسه في ميت عقبة ببيانات مضادة تصيب المواطن بالدهشة من تجاهل مسئولي تلك الكيانات الرياضية شواغل المصريين الحقيقية.
وفنانة ترد على أخرى ومركز يتهم آخر بحيث لم يعد أحد في مصر إلا ويصدر بيانا عما يجيش في صدره سوى المواطن الذي بات هدفا لكل هؤلاء كل يسعى إلى جذبه إلى خانة تأييده سواء بالحق أو الباطل وهو ما ينذر بأن يدير المواطن ظهره لكل هؤلاء مسقطا كل ما يصدر منهم سواء كان حقا أيضا أو باطلا وحينها يكون الجميع خاسرا.
من هنا كان الرئيس السيسي واضحا في رسالته للمواطن بألا يعطي أذنه أو يبني تحركه ومواقفه إلا لكل قادر على الفهم وكل مستطيع أن يدرك أبعاد القضايا المطروحة حتى لا تعود الضبابية التي سبقت التحرك الخاطئ قبل 25 يتاير 2011 والتي ترتب عليها مجموعة من التحديات على مختلف الأصعدة ما زلنا نواجه مشقة في إزالتها والتعامل معها.
بيانات أخرى يقف وراءها أرامل التنظيم الإرهابي ومن لف لفهم من دعاة وهم إسقاط مصر ثم إعادة ترتيبها وهؤلاء لم يقدموا لنا مثلا لدولة استطاع من هدمهوا أن يعيدوها مرة أخرى حنى نستمع إلى حديثهم ونسير في دربهم لكنها روح الكراهية والرغبة الملحة داخلهم للانتقام منا بعد أن أنهينا أحلامهم واسقطناها في 30 يونيو .
إن حرب البيانات اليوم ليس لها هدف واحد إلا الدولة المصرية ومؤسساتها وأن تترسخ داخل كل مصري حالة تؤكد له أننا بلغنا حد الفشل وأنه لا طائل منتظر مما هو قائم وكل تلك الدوائر التي تتبنى ذلك المسار تسعى بكامل طاقتها اليوم إلى ترسيخ تلك الحالة لكي تثمر شجرة اليأس والإحباط داخل المجتمع فيسهل معها تحريكه وبعثرة صفوفه ومن ثم إحياء محاولات إسقاط مصر التي فشلت عبر استخدام الإرهاب حيث لم تركع مصر إلا لخالقها رغم كل التحديات واليوم يلجأون إلى التضييق الاقتصادي على مصر لتقبل ما رفضته باستخدام السلاح.
وعلى الرغم من حالة النشاط المتزايد لبيانات الإحباط نسي الجميع أن للكون ربا يدبر شئونه ولا يكون فيه إلا ما أراد وأن الأرزاق بين يديه وأنه يجيب المضطر إذا دعاه ..نسي الجميع ترتيب القدر ونسى الجميع عظمة قدرته سبحانه وتعالى على تحويل الأمور بين غمضة عين وانتباهتها وأن القلوب بين يدي الرحمن يقلبها كيف شاء وأنه قريب مجيب الدعوات ولا يصلح عمل المفسدين وأن مصر وشعبها في رباط إلى يوم الدين.
فارحمونا من وجوهكم العابسة وضمائركم المتلونة وأصواتكم المربكة وبياناتكم المنمقة الكاذبة فترتيب السماء لن يخطر ببالكم لتتحسبوا له ولن تستطيعوا توقعه فتعدوا له العدة فعلى أرض مصر ملايين مملينة لا تراكم بعيونها وإن كنتم كثيرين ولا تعلبأ بتأثيركم وإن كنتم حشودا لأنها مطمئنة معلقة بالرحمن الرحيم.