نعم نحن تخلصنا من اعتصامى الإخوان فى رابعة والنهضة بعد مقاومة داخلية وخارجية لذلك.. ولكن للأسف لم نتخلص بعد من الإخوان أنفسهم، وتحديدًا من تنظيمهم السرى الذى تحولت بعض خلاياه إلى مجموعات مسلحة تمارس العنف والإرهاب وتقتل وتدمر وتخرب وتحرق، وتخصصت خلايا أخرى له فى شن حرب إعلامية ودعائية علينا، وأخشى القول أن هذا التنظيم بمصطلحات أهل كرة القدم «ركب» بما يطلقه من شائعات وأكاذيب ومقولات مغلوطة الرأى العام، فى ظل غياب أو ضعف أو فجاجة من يتصدون لهذا التنظيم الإخوانى من قبل الدولة.
لذلك فإن الأمر جد خطير ويستدعى وقفة مع النفس ومراجعة للطريقة التى نواجه بها خطر التنظيم، حتى نستطيع أن نتخلص من شروره ونمضى فى طريقنا لتحقيق ما نصبو إليه فعلا وهو دولة عصرية حديثة.. دولة المواطنة والمساواة.. دولة العيش المشترك.. دولة العدالة الاجتماعية.. دولة الديمقراطية.. لابد من استئصال هذا التنظيم والتخلص منه كما تخلصنا من اعتصامى رابعة والنهضة، لأنه مادام موجودًا لن نتمكن من تحقيق ما ننشده، وسنظل نعانى من شروره.. فهو تنظيم تكفيرى، بل هو التنظيم الأم لكل التنظيمات الإرهابية التى نكبنا بها وقتلت ومازالت تقتل أبناءنا ودمرت وخربت ومازالت تدمر وتخرب منشآتنا، وروعت ومازالت تروع أهلنا خاصة فى قطعة من سيناء العزيزة.
لقد كان تصفية اعتصامى رابعة والنهضة ضروريًا منذ أربع سنوات فى تأمين عملية استرداد الحكم من الإخوان واستعادة المجتمع الذى سعوا إلى فرض فاشيتهم عليه.. لكن حربنا من أجل حماية كيان دولتنا الوطنية تقتضى بجلاء ووضوح تصفية تنظيم الإخوان كاملا للتخلص من شروره.. تصفية أمنية وسياسية وفكرية.. بل وملاحقته خارج حدود مصر، لأنه جزء من تنظيم دولى هو التنظيم الدولى للإخوان الذى تنتشر فروعه حتى خارج نطاقنا الإقليمى، ولأنه مازال يلقى للأسف الشديد دعمًا من بعض دوائر ومؤسسات إقليمية ودولية وتغض البصر عن ذلك حكومات أوربية، وأيضًا الإدارة الأمريكية التى لم تنفذ حتى الآن وعدها باعتبار جماعة الإخوان جماعة إرهابية.
ولو عدنا للوراء أربع سنوات فسوف نتذكر كيف بذلت محاولات من الداخل والخارج لمنع فض اعتصامى رابعة والنهضة الذى أصر الإخوان على بقائهما واستمرارهما، حتى يستعيداو مجددًا حكم البلاد ويعود مرسى إلى القصر الرئاسى فى الاتحادية.. لم يكن هدف هذه المحاولات فى الحقيقة كما ادعى أصحابها هو حقن دماء المصريين ووقاية البلاد من إضراب أهلى كبير وواسع، وإنما كان الهدف هو الحفاظ على التنظيم الإخوانى قويًا وقادرًا وفاعلاً ومؤثرًا فى المجتمع مثلما كان قبل ٣٠ يونيه، والأكثر الحفاظ لهذا التنظيم الإخوانى على دوره ومشاركته فى الحياة السياسية.. فلعلنا نتذكر أن هذا الاعتصام الإخوانى فى رابعة والنهضة ارتبط أساسا بممارسة العنف ضد المواطنين المصريين المحيطين به والمجاورين له، وكان بؤرة انطلاق لممارسة العنف فى مناطق أخرى مثل محاولة اقتحام دار الحرس الجمهورى بدعوى تحرير مرسى وإعادته بالقوة إلى قصر الاتحادية، وأيضًا مثل الإغارات العنيفة المتكررة على مناطق شتى، سواء فى القاهرة أو الجيزة والتى كان أبرزها الإغارات التى استهدفت تعطيل المرور على كوبرى أكتوبر.. أى أن بقاء هذا الاعتصام فى رابعة والنهضة كان معناه القبول باستمرار هذا العنف الذى تعمد الإخوان توسع نطاقه يومًا بعد آخر وبشكل فج.
وقد فضح هذا الهدف الذى كان ينشده من قاوموا فض اعتصامى رابعة والنهضة بالقوة ذلك الاتفاق الذى توصل إليه د. البرادعى نائب رئيس الجمهورية وقتها مع الأمريكان والأوربيين، والذى كان يقضى.. بالإفراج عن الكتاتنى وأبوالعلا ماضى مقابل تخفيض عدد الإخوان المشاركين فى اعتصامى رابعة والنهضة، وهو أمر يصعب بالطبع وفاء الإخوان به أصلاً.. غير أن الإفراج عن أحد قادة الإخوان وهو الكتاتنى وأحد قادة الحلف الذى كونوه فى مواجهة ٣٠ يونيه وهو أبو العلا ماضى كان يفتح الباب أمام تحقيق الهدف الأكبر والأهم وهو الإفراج عن كل قادة الإخوان ومن بينهم بالطبع مرسي، ثم عودتهم لممارسة الحياة السياسية أو ممارسة جماعتهم دورها مجددا كما كانت تفعل علنا من قبل.. وكان القبول بذلك يعنى إجهاض ٣٠ يونيه وإلغاء قرارات ٣ يوليو ٢٠١٣ التى جاءت برئيس المحكمة الدستورية رئيسا مؤقتا للبلاد ريثما تجرى انتخابات رئاسية.
وهكذا لم يكن هدف منع فض اعتصامى رابعة والنهضة بالقوة هو حقن الدماء وحماية البلاد من احتراب إضراب أهلى، ولكن كان هدفه الحقيقى هو حماية التنظيم الإحوانى والحفاظ على كيانه، بل والحفاظ على دور الإخوان فى الحياة السياسية، والأكثر تمهيد الأرض مجددًا لعودتهم لحكم البلاد.. فهذا ما كانت تريده الإدارة الأمريكية وقتها، ومعها بعض الحكومات الأوربية التى رأت فى حكم الإخوان لمصر وعدد من البلاد العربية تحقيقا وتأمينا لمصالحها فى المنطقة وحماية لأمن إسرائيل وحفاظا على مصالحها أيضا.
إذن..
القضية ليست فى ممارسة حق الاعتصام أو التظاهر، كما روج البعض ومازال يروج، ولا فى حقن دماء المصريين وحماية مصر من الاحتراب الوطنى، كما ادعى البعض ومازال يدعى.. وإنما القضية هى الحفاظ على كيان التنظيم الإخوانى ودعمه من أجل العودة إلى الحكم مجددا.. وليست مصادفة أن يعود محمد مرسى بعد أكثر من أربعه سنوات على عزله ليطعن أمام المحكمة التى تعيد محاكمته فى قضية اقتحام السجون بأنها لا ولاية لها عليه وليست مختصة بمحاكمته لأنه رئيس للجمهورية، ومحاكمة الرئيس تتم من خلال محكمة خاصة تشكل لهذا الغرض.. ورغم أن مرسى يعلم أن المحكمة الأولى لم تقبل بهذا الطعن ويدرك أن ذلك مصير طعنه أمام المحكمة الثانية الحالية، إلا أنه يحاول أن يذكرنا بأن جماعته يجب أن تستعيد الحكم الذى فقدته أو بالأصح طردت منه شعبيا فى الثالث من يوليو عام ٢٠١٣.. وما كان لمرسى أن يقول ذلك، رغم أننا نتأهب بعد بضعة أشهر لانتخابات رئاسية ثانية بعد عزله لو لم يكن يعرف أن التنظيم الإخوانى لم يتم تصفيته، ومازال موجودا وقادرا على إيذائنا من خلال العنف الذى يمارسه والشائعات والأكاذيب التى يطلقها علينا، ومحاولات اختراق النخبة أولا كما فعلت الجماعة قبل ٢٠١١ ثم قطاعات جماهيرية كما فعلت فى الانتخابات البرلمانية ٢٠١١ والانتخابات الرئاسية .٢٠١٢
وذات الأمر يمكن استنتاجه من الكلام الذى قاله السيناتور الجمهورى الشهير ماكين حول ضرورة الإفراج عن قادة جماعة الإخوان والسماح بادمإج الإخوان فى العملية السياسية المصرية مجددا، ضاربًا عرض الحائط بإدراج الجماعة مصريًا وعربيًا «جزئيا» فى قوائم الجماعات والتنظيمات، بل وإعلان رئيس بلاده أكثر من مرة أنه يعتبر الإخوان جماعة إرهابية.. وللتذكرة فقط فإن السيناتور ماكين هو الذى جاء القاهرة خصيصا لكى يشكر قادة الإخوان على دورهم فى تسهيل سفر المتهمين الأمريكيين فى قضية التمويل الأجنبى.!
لذلك..
إذا أردنا أن تأمين وحماية أنفسنا من شرورهم، فلا سبيل أمامنا سوى تصفيتهم.. وأنا هنا لا أعنى تصفيتهم جسديًا أن نتخلص من كل إخوانى.. وإنما أعنى بوضوح لا لبس فيه تصفية تنظيمهم السرى الذى يشن حربًا علينا فى العديد من الجبهات داخل وخارج مصر.. والتصفية لهذا التنظيم يجب أن تكون شاملة.. أى الملاحقة الأمنية لكل كوادره وأعضائه فى كل مكان.. والملاحقة السياسية والإعلامية له لفضحه وكشف آثامه.. والملاحقة الفكرية والثقافية لأفكاره ورؤاه المتطرفة.. مع وقاية الرأى العام من أكاذيبه وشائعاته، ووقاية نخبتنا السياسية من محاولات اختراقه، حتى نتمكن من تصفيته بالكامل.
وليكن لنا عظة فيما كان يقوم به هذا التنظيم الإخوانى السرى من أعمال قبل يناير ٢٠١١ مكنته ليس فقط من تضليل قطاعات واسعة من النخبة بل والرأى العام أيضا.. حينما خدمت الجماعة نفسها لعموم المصريين بأنها جماعة من الخيرين والمصلحين «بتوع ربنا»، ولذلك سوف يراعون ربنا فى المصريين إذا ما قدر لهم أن أداروا شئون البلاد وحكموها.. وحينما قدمت الجماعة نفسها للنخبة السياسية بأنها فصيل وطنى لا يبغى سوى إصلاح أوضاع البلاد سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، بل إنها تشاركهم أيضًا الرغبة فى أن تصبح مصر دولة عصرية حديثة ومدنية ديمقراطية.
والتنظيم الإخوانى يكرر الآن ما سبق أن فعله وقام به من قبل، مع إضافة حديث مستمر وواسع حول المظلومية.. أى ما يتعرضون له كما يدعون من اضطهاد وملاحقة أمنية يصفونها بأنها ظالمة ولا يستحقونها.. فهم أشبه بالقاتل الذى يقتل القتيل ثم يمشى فى جنازته كما يتندر المصريون فى أمثلتهم الشعبية.
وللأسف الشديد الذى يدعو للعجب والتساؤل حول ذاكرتنا، فإن هذه المحاولات تجد صدى وتأثيرًا، بل وتجاوبًا لدى غير الإخوان الذين يرفضون الحكم القائم ولا يقبلون به ويجدون فى هجوم الإخوان عليه فرصة لإضعافه.. وهو ذات الخطأ الذى سبق أن وقع فيه هؤلاء من قبل، غير عابثين أن يلدغوا من ذات الجحر مجددا مرة أخرى، رغم أن مسايرتهم للإخوان أولا انتهت إلى سيرهم وراءهم فيما بعد فى عام ٢٠١١، ثم إلى تسليمهم ليس أنفسهم فقط للإخوان للبطش بهم فى عام ٢٠١٢، وإنما تسليمهم البلاد كلها للإخوان للسيطرة عليها وفرض فاشيتهم عليها والسعى لتغيير هويتها.
انظروا إلى اصطفاف بعض هؤلاء النخبويين مع الإخوان للمطالبة بالإفراج عن بعض عناصر وكوادر الإخوان، أو لمشاركة الإخوان إطلاق شائعات الاختفاء القسرى والتعذيب فى السجون.. بل إنهم يسايرون الإخوان أيضا فى النيل من المشروعات القومية الكبيرة والتقليل من شأنها وفائدتها والطعن فى جدواها، مثل مشروع ازدواج قناة السويس ومشروع شبكة الطرق ومشروع بناء مساكن لأصحاب الدخول المحدودة وغيرها.
وانظروا أيضا لتلك المحاولات التى لا تتوقف لمد الجسور بين الإخوان وبعض النخبويين من غير الإخوان، خاصة هؤلاء الذىن يتطلعون إلى حكم آخر مختلف عن الحكم الحالى للبلاد، وذلك من خلال أشكال جديدة، على غرار الأشكال التى تكونت قبل ٢٠١١ والمقدمة منها حركة استقلال القضاء التى لم يخترقها الإخوان فقط، بل وسيطروا عليها أيضا.. وربما تكون الانتخابات الرئاسية المقبلة فرصة مناسبة لزيادة هذه المحاولات وتحقيق ذلك، خاصة أن ثمة محاولة مبكرة بدأها مستشار سابق للرئيس عدلى منصور فى هذا الصدد.
كل ذلك وغيره من العديد من الأمثلة يؤكد أنه ما دام هذا التنظيم الإخوانى الشرير موجودًا وعلى قيد الحياة سوف يظل يبث سمومه بيننا وسيظل يسعى للنيل منا وإلحاق الأذى بنا.. هنا لا نجاة لنا من هذه الشرور إلا بالتخلص من هذا التنظيم وتصفيته مثلما فضينا بالقوة اعتصامى رابعة والنهضة.. وإذا كنا لم نعبأ بضغوط جاءتنا من الداخل والخارج معا وقمنا بفض هذا الاعتصام، فأرجو ألا نعبأ أيضا بأية ضغوط تأثينا من الداخل أو الخارج لتصفية التنظيم الإخوانى السرى.
استقرارنا لن يتحقق بالكامل إلا بتصفية كاملة للتنظيم الإخوانى السرى، ونصرنا على الإرهاب لن يتحقق إلا بالقضاء على هذا التنظيم فلنفعلها إذن.