الخميس 25 ابريل 2024

حماية العقول

مقالات16-1-2023 | 21:35

«بناء الشخصية المصرية».. من أهم القضايا التى توليها القيادة السياسية اهتماماً كبيراً.. ولعل الاستثمار فى التعليم للمساهمة فى تحقيق هذا الهدف.. يجسد حرص الدولة على البناء المتكامل للشخصية المصرية علمياً وثقافياً ومعرفياً ووطنياً وتوعوياً.. وهو ما يشير إلى أهمية حماية الأجيال الجديدة من حملات الغزو الثقافى.. وحروب الأكاذيب والشائعات والتشكيك والتخوين والتشويه.. لذلك فإن ما نراه على «السوشيال ميديا» يكشف عن اجتياح شديد لبناء الوعى.. وعدم الانجرار والانجراف نحو الأهداف الخبيثة والشيطانية.. التى تروج لها الخلايا الإلكترونية المعادية.. وهو ما يستلزم دوراً مهماً للأسرة والمدرسة والجامعة والمؤسسات الدينية والثقافية.. بعيداً عن التقليدية والنمطية.. من خلال تفعيل فضيلة المشاركة لدى الشباب على أرض الواقع.. وعدم اقتصار مفهوم التعليم على النواحى العلمية.

حماية العقول

عرفت الشخصية المصرية على مدار التاريخ بأنها شخصية شديدة الارتباط بالأرض والوطن.. صابرة واعية.. ذات إرادة صلبة وصاحبة قيم وأخلاق رفيعة.. لذلك فإن هناك بعض الظواهر السيئة التى نراها الآن على «السوشيال ميديا» لا تعبر على الإطلاق عن جوهر الشخصية المصرية الحقيقي.
حالة الانسياق وراء شائعات وأكاذيب وعدم الوعى بما يدار على مواقع «السوشيال ميديا» من بعض الشباب الذى لا يحسب على الإخوان المجرمين.. ولكنه انساق بحكم عدم الوعي.. والبناء التربوى والفكرى الصحيح لذلك فإن حالة عدم الإدراك من البعض هى نتاج التربية أو الأسرة والمؤسسات التعليمية والدينية والثقافية وربما تعكس حالة من القصور أو عدم التركيز اللازم وفقدان لعملية الاطمئنان على نجاح أهدافنا فى بناء هذه الأجيال بالشكل المطلوب.
ترتيب الجهود والأهداف وإدراك الأسرة والمدرسة والجامعة والمسجد والكنيسة ووسائل وأدوات الثقافة المتاحة.. أمر مهم جداً.. فلابد أن تضع كل مؤسسة فى اعتبارها مجموعة من الأهداف التى ينبغى تحقيقها والاطمئنان على ذلك حتى تكون لدينا مخرجات ونتائج وليس مجرد إجراءات شكلية.
ما يحدث على «السوشيال ميديا» من الشباب غير المدفوع وغير الممنهج وليس الخلايا الإلكترونية الإخوانية وغيرها من الأدوات المعادية لمصر.. يشير إلى أننا أمام حتمية التعتيم.. فانسياق بعض هذه الفئات من الشباب وراء موجات وحملات الأكاذيب والتشويه والتشكيك أو التمادى فى الإساءات والسلوكيات الشاذة.. يشير إلى وجود خلل فى دور المؤسسات المنوطة ببناء الوعى والفكر والثقافة.
الرئيس عبدالفتاح السيسى خلال اجتماعه أمس الأول بالدكتور مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء والدكتور محمد معيط وزير المالية والدكتور رضا حجازى وزيرالتربية والتعليم أكد على نقطة بالغة الأهمية.. بالتوجه الإستراتيجى والثابت للدولة بدعم الاستثمار فى بناء الشخصية المصرية منذ المهد فى فترة ما قبل التعليم الجامعى بهدف صقل الأجيال الجديدة علمياً وثقافياً ومعرفياً.. والحقيقة ان الرئيس السيسى هو أكثر من يهتم بهذه الأبعاد فى بناء الشخصية المصرية واستعادة منظومة القيم والارتقاء وبناء الوعى الحقيقي.. ولم يسبقه أى رئيس من قبل فى الاهتمام ببناء الشخصية المصرية التى تعرضت لعمليات تجريف وإهمال خلال العقود السابقة.. وأصبحت قضية استعادة الشخصية المصرية قضية وطن وأمن قومى فى ظل ما يتعرض له العقل المصرى والوعى الجمعى لحروب ثقافية.. وأكاذيب وشائعات وتشكيك وسلوكيات وعادات وقيم مستوردة لا تتناسب مع هويتنا الوطنية.. وثقافتنا المصرية وأدياننا السماوية.
الحقيقة أن مسألة السيطرة على عقول الأجيال الجديدة وثقافتهم أصبحت غاية فى الصعوبة والتعقيد خاصة لما تتعرض له عقولهم من ثقافات متنوعة وغريبة وفى ظل تنامى التكنولجيا.. حتى باتت مصادر المعلومات والثقافات فى أيديهم عبارة عن قطعة (حديدية) تستطيع الدخول بهم إلى عالم وبشكل مفتوح ومباشر من خلال الإنترنت والفضاء الإلكترونى وما يجدونه من إغراءات ربما ترتبط بطبيعة أعمارهم.. وهو ما يستلزم إجراءات مضادة تعتمد على الرؤية والتركيز والمتابعة المستمرة لذلك فإن قضية استعادة العقل والشخصية المصرية إلى طبيعتها هى مهمة عاجلة وتحتاج لجهود مكثفة وخلاقة.. أبرزها لا يتجسد فى مجرد تلقين ومحاضرات.. ولكن ضرورة تفعيل مشاركة هذه الأجيال فى أعمال واقعية على الأرض.. وانشغالهم بمسئوليات تثبت ذواتهم وفى نفس الوقت تعلمهم روح المسئولية الوطنية والانسانية.. ولعل نموذج مشاركة الشباب فى العمل التطوعى والخيرى هى أبرز النقاط المضيئة على هذا الطريق.. يرون نماذج من المواطنين تحتاج إلى دعم ومساندة ويشاركون فى هذا العمل.. ليخرج بنتائج ودروس وانسانيات وقيم ومبادئ للعطاء والوفاء.. تحتاج سنوات حتى تترسخ فى عقولهم ووجدانهم عبر المحاضرات والتلقين المباشر.
الحقيقة اننا فى المدارس أو مرحلة التعليم ما قبل الجامعى نركز فقط على عملية البناء العلمى ولكن ربما لظروف معينة لا نركز على قضية بناء الإنسان ثقافياً ومعرفياً وسلوكياً وأخلاقياً ورياضياً وبدنياً وهو ما يتطلب إعادة النظر فى البرامج اليومية بالمدارس ناهيك عن سوء توظيف فترات الأجازة الصيفية فى المدارس والجامعات وعدم توظيفها للتركيز على هذه الأبعاد التى باتت على قدر كبير من الأهمية.
الحقيقة أيضاً لابد أن نواجه أنفسنا بأسباب التقصير فى ضعف الأبعاد الثقافية والمعرفية والتوعوية وكيفية معالجة ذلك.. كالآتي:-
أولاً: توعية الأسر المصرية بأهمية الحوار مع الأبناء وتعظيم غرس الأخلاق والفضائل والقيم والعطاء والوطنية.. وعدم الانشغال عنهم فى ظل مهام الحياة.. لأن التربية الصحيحة والسلوكيات الحميدة تبدأ من الأسرة بالإضافة إلى دفعهم للقراءة والتدين الصحيح.. وحب الاطلاع والمعرفة والثقافة.
ثانياً: إذا كنا نتحدث عن بناء تلاميذ المدارس علمياً وثقافياً ومعرفياً وقيمياً وأخلاقياً فمن باب أولى أن نبنى «المعلم» القدوة الذى يرتبط به التلاميذ.. ويعتبرونه النموذج لذلك فإن بناء المعلم يحتاج إلى رؤية عميقة وثقافة واسعة ليس فقط فى مجال تخصصه ولكن أيضاً فى الحس الوطني.. ونشر الوعى الحقيقى عن كافة القضايا الوطنية والتحديات والأخذ بيد التلاميذ بشكل سهل ومبسط إلى الوعى الحقيقى وضرورة أن تكون هناك قاعدة تتمثل فى القدرة على الفرز بين الحقائق والأكاذيب بين الصواب والخطأ.. وما يجوز وما لا يجوز وغرس الروح الإنسانية والأخلاقية فى ضمير هذه الأجيال.
ثالثاً: لابد من وجود برامج ثقافية ودينية وأخلاقية ووطنية داخل المدارس إلى جانب الدور التعليمي.. فالمدارس فى حاجة إلى إسناد أدوار مجتمعية للتلاميذ.. مثل المشاركة فى تنظيف الشارع أو تنظيم زيارات لقلاع ومزارات وطنية وتاريخية وتنموية وندوات عن قضايا مهمة والرد على أسئلة وتساؤلات هذه الأجيال وتنظيم زيارات للنماذج القدوة من العلماء والمشاهير والشخصيات العامة وشرح مبسط للتحديات والتهديدات التى تواجه الوطن.. لكننا فى الغالب نكتفى بالدور التعليمى من أجل النجاح وهذا أمر مهم لكن لابد ان يتبعه ويرافقه دور آخر وهو بناء الشخصية والوعى لدى هذه الأجيال حتى لا تكون مستباحة فكرياً وثقافياً.. وأهم لبنة فى هذه القضية هى بناء المعلم الشامل الفصيح الذى يتحدث بوطنية ووعى وأخلاق رفيعة.
رابعاً: الحقيقة أننا نهدر شهور الأجازة الصيفية فى المدارس ونفتقد لوجود رؤية حقيقية لاستغلال هذه الفترة التى تزيد على أربعة أشهر فى اكتشاف المواهب الرياضية وتنظيم مسابقات رياضية سواء فى المدارس أو مراكز الشباب، وأيضا مسابقات ثقافية وفكرية ودينية ووطنية، وندوات ومعسكرات لاستغلال طاقات هذه الفئات والتنفيس عنهم وعرض أفلام مصورة وتنظيم زيارات بل يمكن اعتبار هذه الأنشطة جزءاً من أعمال السنة، للعام الدراسى الجديد، حتى يكون الأمر جاداً وإلزاميا، ويمكن استغلاله أيضا فى تعليم مهن وحرف وكافة الأهداف التى نريد تحقيقها فى ظل وجود أبواق ومنابر الشر الخارجية التى تحاصر شبابنا وأبناءنا.
خامساً : تحويل مراكز الشباب إلى مراكز شاملة للمساهمة فى بناء الشخصية المصرية علمياً وثقافياً ورياضياً وعدم اقتصارها على مجرد ممارسة الرياضة ولابد من ايجاد صيغة للتعاون بين وزارات الشباب والرياضة، والتربية والتعليم، ووزارة الثقافة لنضع رؤية شاملة فى هذا الإطار بل ربما هناك تعاون بين وزارات الشباب والرياضة والتموين والزراعة لتوفير منافذ بيع السلع والمنتجات بجودة عالية وأسعار مخفضة خاصة أنه يمكن استغلال مراكز الشباب كمنافذ لتوفير السلع فى ظل تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية وبذلك تكون مراكز الشباب تمثل «حياة كاملة» توفر كافة احتياجات الشباب وأسرهم والمساندة فى تحقيق الأهداف.
سادساً :لا بد أن تتبنى المدارس فكراً مختلفاً فى اكتشاف العناصر الجانحة فى المدارس وتشكيل لجان من رجال الدين والأطباء النفسيين وخبراء التربية، والثقافة.
إذا اكتشف المعلم ان هناك خللاً فكرياً وسلوكياً على الفور يعد تقريرا لإدارة المدرسة لمعالجة هذا الأمر من خلال هذه اللجان التى تمر وتجوب المدارس والإشراف على إعادة شخصية التلاميذ إلى طبيعتها من خلال جلسات منظمة.
سابعاً : غياب النخب والمثقفين عن الساحة الثقافية والتيار الفكرى للأجيال الجديدة يشكل تحدياً كبيراً فى ظل تركيز هذه النخب على المصالح والمكاسب، لذلك لابد من تبنى بناء ودعم ظهور نخب جديدة أكثر تجرداً ووطنية تستطيع أن تكون قدوة وترسخ القيم والأخلاق والثوابت الوطنية.
ثامناً: المؤسسات الدينية لابد أن تكون لديها رؤية تواكب تحديات العصر.. وتعمل على ربط الأجيال الجديدة بتعاليم الأديان والتسامح والأخلاق والتعايش والحوار وحب الوطن وتحرى الصدق.. وعدم ترويج الأكاذيب والشائعات من خلال نماذج وأساليب مباشرة.. وأخرى من خلال مسابقات وفعاليات.
تاسعاً: الأندية الرياضية الكبيرة ربما تكون غائبة عن هذا الدور.. وترسيخ هذه الأبعاد رغم أنها فى النهاية مؤسسات وطنية.. فهل اقتصرت فى دورها على ممارسة الرياضة والجوانب الفنية والترفيهية أم يجب ان يكون لها أدوار أخرى ترتبط بالبناء الثقافى والمعرفى والأخلاقي؟.. بالإضافة إلى أهمية الاطمئنان على ما يدور فى الأندية وتحقيق الانضباط فيها.
عاشراً: من المهم ان تؤدى وزارة الثقافة والمؤسسات الثقافية الأخرى دوراً مهماً فى هذا الاتجاه من خلال الحرص على الارتقاء بالعقل والفكر والثقافة.. وأيضاً من خلال ربط الأجيال الجديدة بالفنون المصرية واكتشاف المواهب لتقديم الرعاية والدعم لها وتقديمها للجماهير فى مواجهة الفنون والثقافات المستوردة من الخارج.
الحادى عشر: من المهم توطين ثقافة كيفية التعامل والسلوك الرشيد فى أتون الأزمات والشدائد ليعرف كيف يتعامل مع الأكاذيب والشائعات ومحاولات التخويف والإثارة والقدرة على التفرقة بين الصدق والأكاذيب.. الحقائق والشائعات.. وكذلك إدراك طبيعة فترات الأزمات من خلال الوعى والتنظيم والحرص على مصلحة الوطن والمشاركة فى مجابهة تداعيات الأزمات.. والارتقاء بروح العطاء والتفانى من أجل الآخرين.
 
الياميش وأخواته
 
نقترب من شهررمضان الكريم والعالم يعيش أزمة اقتصادية طاحنة بسبب تداعيات الحرب الروسية- الأوكرانية.. لذلك لابد أن تتواكب سلوكياتنا وقراراتنا خلال الشهر الكريم مع طبيعة الأزمة العالمية التى تستوجب الترشيد والاستغناء عن أشياء لا تبدو أساسية أو ذات أهمية.. فمن الآن لا يمكن ان نهدر ما لدينا من نقد أجنبى فى استيراد الياميش.. والسبح وسجادات الصلاة والفوانيس وغيرها من الأمور التى نستطيع أن نجدها فى مصر وأفضل بكثير من المستورد فالبدائل كثيرة غير «الياميش».. لدينا من الفواكه والعصائر الطبيعية الموجودة بكثرة وبأسعار عادية ومعقولة.. والفانوس المصرى الأصيل وسجادات الصلاة والسبح فى مصر أفضل وأرقي.. علينا ان نواكب تداعيات الأزمة حرصاً على بلدنا.
لذلك لابد من عدم انفاق ولو دولاراً واحداً على استيراد هذه السلع والبضائع غير الأساسية ولدينا الكثير من البدائل لها وأفضل منها فى مصر.
بالإضافة لذلك علينا ومن الآن أن نفكر فى برامج خلاقة للدعم المجتمعى ومساعدة الفئات الأكثر احتياجاً لمساندة جهود الدولة فى هذا الاتجاه سواء كأفراد مقتدرين وميسورين وأغنياء وأثرياء.. أو مطاعم كبرى وشركات وكيانات تجارية واستثمارية.. لابد أن نتسابق لخدمة الفئات الأكثر احتياجاً وبلاها هذا العام إفطار جماعى يتكلف عشرات الآلاف من الجنيهات فهذه الفئات أولى بهذه المبالغ.. وكل واحد يفطر فى بيته مع أولاده.. ويحرص على الاطمئنان على من حوله من الفئات الأكثر احتياجاً.. ولو بإفطار أسرة أو أكثر أسبوعياً.
مصر فيها حاجات حلوة كثيرة.. حلاوتها فى أهلها.. لذلك وأنت (مروح) وقت الأذان تجد شباباً كثراً يحرصون على اعطائك العصير والتمر وهذا جيد.. لكن هذه الأشياء لابد ان تذهب لمن هم أولى بها من الفئات الأكثر احتياجاً.. لابد أن نبذل جهداً فى البحث عنهم أو التبرع بقيمة ما نقدمه خلال أذان المغرب على مدار الشهر.. إلى التحالف الوطنى «واللى يقدر يعمل حاجة حلوة».. تجاوز الفترات الصعبة.. موجود «جوانا».. مع بعض نقدر.

Dr.Randa
Dr.Radwa