في العراق أمور عجيبة وقضايا غريبة، عجيب أمر هذا البلد منذ تأسيسه كدولة في أوائل القرن المنصرم ليومنا هذا لم يستقر أو بالأحرى لم توحد مكوناته، وكانوا دائما على خلاف بعدما جمع كل من لا رغبة لهم في القرار ومن أجبروا على أن يكونوا داخل حدوده ورغم ذلك تأقلم الجميع مع الظروف بمرور الزمن.
هذه المكونات ظلت غير موحدة حتى على أبسط القضايا السياسية والاقتصادية، لكن في الرياضة نرصد العجيب فيما شاهدناه خلال إقامة دورة الخليج 25 لكرة القدم و تشجيع المنتخب العراقي وعناصره من مكونات العرب والكرد والشيعة والسنة، به المسلم والمسيحي، وهذا شيء اعتيادي أو طبيعي في السياسة وحدها، لكن في الرياضة تكتمل العجائب لحضور جميع الساسة وقادة الأحزاب والشخصيات العراقية العربية والكردستانية لتهنئة المنتخب الوطني العراقي، لنرى الكل يغرد "#العراق" بعدما أنجز أبناؤه من انتصار عظيم، رغم أن هذا النصر الرياضي ليس بجديد على أبناء العراق.
فالعراقيون بمختلف مكوناتهم القومية والمذهبية والدينية أصحاب إنجازات، ولولا ظلم السلطات لكان العراق من أرقى دول العالم، ولكن بطش السلطات السابقة بزج أبناء العراق في حروب ابتداء بالاقتتال الداخلي ضد الشعب الكردي وتهديم كردستان وعمليات الإبادة الجماعية، و حرق الأهوار و الحرب مع إيران و احتلال الكويت، آلت بالعراق إلى ما هو عليه.
بعد العام 2003 تنفس العراقيون الصعداء لكي يعيشون حياة سعيدة وحرة بدون خوف، لكن مع الأسف كيفما اتفق الجميع في الرياضة هكذا تفرقوا في السياسة فياليت الرياضة قد علمت القادة السياسيين العراقيين درسا لكي يضعوا خلافاتهم جانبا ويتمسكوا بالاتفاق على خدمة الوطن والمواطن حسب الدستور دون تفرقة وتمييز، ويرفعوا شعار دولة ديمقراطية اتحادية فيدرالية.
بالأمس شاهدنا العلم العراقي يرفرف في أربيل عاصمة كردستان ورئيس الإقليم ورئيس مجلس الوزراء قدما التهاني للشعب العراقي والفريق الوطني بمناسبة الفوز وهي فرحة لكل العراقيين من زاخو إلى البصرة، رغم أن البعض لم يرق له هذا المشهد وهم على الحق صراحة بسبب معاناة ومصائب أصابت الكرد في الماضي تحت هذا العلم، لكنه الفرق بين الوطن والدولة، رغم أن البعض من الإخوة العراقيين لا يعترف بعلم كردستان والإقليم حتى الآن.
تمنحنا الرياضة دروسها دائما في نبذ الخلافات ومعها نأخذ فرصة أعظم لفتح صحفة جديدة على المستوى الوطني والسياسي، ولو أن مشهد النصر الرياضي يتكرر في العراق لبات الاتفاق السياسي على المصلحة الوطنية أقرب مع احتضان الجماهير والساسة بعضهم البعض في المدرجات.