الأربعاء 15 مايو 2024

كارثة قطارى الإسكندرية.. تعيد فتح الملف خطة «المحاور الأربعة» لتطوير السكة الحديد

19-8-2017 | 16:51

تقرير: أحمد جمعة

 

هل كشف حادث قطارى الإسكندرية عورات هيئة السكة الحديد؟ الإجابة: لا. فالجميع يعرف ما آلت إليه الأوضاع داخل الهيئة خلال السنوات الماضية، حيث ضربها الإهمال حتى عطبت الجرارات وتدهورت منظومة الإشارات وتُركت البنية الأساسية على حالها منذ الستينات، فوقعت الكارثة!

الواقع أن البنية الأساسية احتاجت الكثير من التطوير، ومع تولى الرئيس السيسى كان التوجيه واضحًا لوزراء النقل الثلاثة الذين تولوا المسئولية فى عهده بإصلاح هذا المرفق الحيوي، وكانت توجيهاته واضحة للوزير الحالى هشام عرفات بإدخال الشركات العالمية فى مشروعات التطوير والاستفادة بأقوى التكنولوجيات.

ماذا تحتاج السكة الحديد للإصلاح إذًا؟

تحتاج الهيئة للكثير، فهناك ٥٦٠٠ كيلو متر سكة حديد بحاجة عاجلة لتطوير كهرباء الإشارات، لم تنجز الهيئة منها خلال الفترة الماضية سوى ١٦٠ كيلو مترًا فقط. هذه التجديدات باهظة الثمن كما تحدث الدكتور عمرو شعت، مساعد وزير النقل، مؤكدًا أن تكلفة تطوير كيلو متر واحد فى السكة الحديد يقترب من ٢١ مليون جنيه وإجمالى الاستثمارات فى هذا المجال تُقدر بنحو ٦ مليارات جنيه. وانتهت الهيئة من نحو ٣٥٪ من ميكنة الإشارات ونظم التحكم، وتستهدف خلال عامين الوصول لـ٧٥٪.

المنطقة التى وقع بها حادث الإسكندرية بجوار «عزبة الشيخ الصغرى» بمنطقة خورشيد بالإسكندرية لم يصلها قطار تطوير البنية التحتية والإشارات، وتعمل بالنظام التقليدى فى المزلقانات، كما يؤكد أهالى المنطقة أنه نادرًا ما شاهدوا عمالًا لتطوير هذا الخط بامتداد قريتهم والمنطقة المجاورة.

أما المحور الثانى للتطوير الذى تعمل عليه وزارة النقل، هوّ تطوير الجرارات وعربات النقل، وتعاقدت الهيئة بالفعل مع شركة جنرال إليكتريك لتوريد مائة جرار، وتفاوضت مع بنك الإعمار الأوربى لتمويل التعاقد مع مائة جرار آخر، وبطبيعة الحال فإن توريد هذه الجرارات سيأخذ بعض الوقت قد يمتد حتى منتصف العام المقبل، كما تجرى الوزارة تفاوضًا لشراء ألف عربة قطار جديدة لتحديث الأسطول الراهن.

المحور الثالث هو تطوير المزلقانات، فوفقًا لمصدر داخل الهيئة فإنه تم تطوير ٢٨٠ مزلقانًا بشكل كامل، من أصل ١٠٨٩ مزلقانًا، وتستهدف الهيئة الانتهاء منها خلال عامين، ولكن الهيئة تراجعت قليلًا عن تطوير المحطات إذ وجهت الأموال المخصصة لتطويرها إلى دعم كهربة الإشارات، وتم الاكتفاء بـ٨٦ محطة على مستوى الجمهورية فقط.

التقرير الدورى للجهاز المركزى للإحصاء أشار إلى أن اصطدام القطارات ببوابة المنافذ (المزلقانات) أكثـر حالات حوادث القطارات على مستوى المناطق، حيث بلغت ٧٤٤ حالة بنسبة ٦٠.٢٪ من إجمالى عدد حالات الحوادث العام الماضي، وارتفع معدل الحوادث بنسبة ١٨.٣٪ بسبب عدم الاهتمام بتطوير بوابات تلك المزلقانات.

المحور الرابع لتطوير الخدمة داخل السكة الحديد، هو القضاء على تأخير القطارات، وهذا يعود لقيام الهيئة بإجراء إصلاح البنية التحتية خلال ساعات العمل، وتسبب هذا الملف فى أزمة بين وزير النقل ورئيس الهيئة المستقيل مدحت شوشة، واضطر بسببها لتقديم استقالته قبل وقوع حادث قطارى الإسكندرية بساعات، فضلًا عن الاهتمام بنظافة القطارات بوضع خطة مع شركة الخدمات المتكاملة، بتكثيف أوقات النظافة قبل انطلاق القطار وبين المحطات فضلاً عن تطوير العنصر البشرى ورفع كفاءته.

مصدر مسئول بالسكة الحديد اعترف أن «هذا التأخير تتحمل مسئوليته الهيئة بشكل كامل، وبلغ متوسط التأخير يوميًا نحو ساعة، وهذا كان أبرز توجيهات وزير النقل للقيادات الجديدة بالعمل على تقليص فترة التأخيرات قدر الإمكان».

يقول الدكتور سعد الجيوشي، وزير النقل السابق، وأنه كان قد أعد خطة لتطوير مرفق السكة الحديد إبان توليه وزارة النقل و كانت تقوم على تحويل وزارة النقل من خدمية إلى اقتصادية، ومن خاسرة إلى رابحة، وأودعها بالوزارة ولجنة التخطيط، مشيرًا إلى أن «الوضع صعب حاليًا».

وأوضح أحمد إبراهيم، مستشار وزير النقل السابق، أن تلك الخطة كانت تستهدف أن تكون منظومة النقل قائمة على الصناعة، لأن أغلب القطاعات تخسر والمكاسب لا تتناسب مع إمكانيات مصر فى هذا المجال، عبر فتح المجال لمشاركة القطاع الخاص بالاستثمار فى مجال النقل، حتى لا تمثل الوزارة عبئًا على الدولة، ويدخل القطاع الخاص للمشاركة فى كافة قطاعات النقل مع الاحتفاظ بالإدارة للحكومة، وتحويل السكة الحديد إلى هيئة خدمية ربحية، فقد: «كان مستهدفًا أن يشارك النقل بنحو ١٥٪ من الدخل القومي، وكانت السكة الحديد على رأس الاهتمام».

«إبراهيم» أشار إلى أن هناك خطة فى وزارة النقل اسمها «التشغيل الآمن» للسكة الحديد ولا أعلم لماذا لا تُطبق لمنع الحوادث والتقليل منها لحين تطوير نظام الإشارات وميكنة السكة الحديد، وضعها لجنة خبراء بمشاركة السكة الحديد، وتم تنفيذها خصيصًا لمواجهة تلك الأزمات فى مناطق الخطر، تعتمد على توفير عناصر السلامة، والقطار يكون مجهزًا ونظيفًا وبحالة جيدة ترضى الركاب، وثانيًا التركيز على «خط القاهرة - أسوان» و»خط القاهرة - إسكندرية» لأنهما أكبر الخطوط وعليها ازدحام كبير، وتهدئة للسرعة، بحيث يصل القطار متأخرًا أفضل من أن تكون هناك حادثة، وتطوير أنظمة الإشارات، كما تم إلغاء بعض الخطوط لعدم جدواها اجتماعيًا واقتصاديًا، والاهتمام بالأمن والسلامة.

«الحكومة أهملت محكمة النقل».. هذا ما أكد عليه مستشار وزير النقل السابق، وكان الهدف تحقيق أعلى معدلات الانضباط، والعدالة الناجزة فى القضايا الخاصة بالنقل، وإنشاء إدارة للأمن والسلامة على غرار إدارة الأمن والسلامة بالطيران المدنى، وتقوم بالتفتيش على كل وسائل النقل وتمنع خروج أى وسيلة غير آمنة، كما تم إهمال مشروع إنشاء جامعة للنقل فى مصر بتحويل معهد وردان إلى جامعة تكنولوجية متخصصة فى وسائل النقل لإعداد الكوادر الخاصة بقطاعات النقل المختلفة.

٥٠ خبيرًا يضعون استراتيجية التطوير

الدكتور أحمد الحكيم، أستاذ هندسة المرور وتخطيط النقل بكلية الهندسة فى جامعة الأزهر، كشف أنه فى عام ٢٠١٢، تم وضع مخطط النقل الشامل لمصر وتقديمه لوزارة النقل، ويشتمل المخطط على المشروعات بأولوياتها بالموارد المالية، وتم تنفيذ هذه الخطة بواسطة ٥٠ خبيرًا بالتعاون مع هيئة «الجايكا» اليابانية، واستهدفنا تطوير منظومة السكة الحديد وتحديثها ووضعنا الحلول، بوجود بنية أساسية جيدة وتشمل (جرارات - عربات - نظم تحكم) والاهتمام بالعنصر البشرى وهو الهيكل التنظيمى للسكة الحديد، بإعادة تأهيل العاملين ورفع كفاءتهم للتواكب مع التكنولوجيا الحديثة.

هذه الخطة الجديدة تطلعت لتحقيق الشراكة بين القطاعين الخاص والعام فى مجال النقل، لأنه أفضل الحلول، حتى يظل التطوير مستمرًا بهذا المرفق، لأننا نستهدف التطوير، وهذا ليس تخصيصًا أو تفريطًا فى حق الأجيال المقبلة.

واشتكت وزارة النقل فى وقت سابق من نقص الميزانية المخصصة لهيئة السكة الحديد، إذ طلبت نحو ١٠ مليارات جنيه، بينما تم تخصيص ٣ مليارات فقط، وأكد «الحكيم» أن الهيئة بحاجة لدعم مالى كبير، والدراسة متنبهة لمصادر التمويل، سواء بالشراكة مع القطاع الخاص.

«العنصر البشرى بالتأكيد غير مؤهل ويحتاج لرفع كفاءة».. هذا ما تحدث عنه الحكيم، مطالبًا بإخضاعهم لدورات متواصلة لرفع كفاءتهم المهنية.

مصدر مسئول بهيئة السكة الحديد، ذكر أن تلك المشروعات التى سيتم تنفيذها ستأخذ وقتًا ليس بالقليل، وتمتد لسنوات، مضيفًا: «الخطة تُنفذ بالفعل، ومنذ عامين لم يكن لدينا أمل أن تتحرك السكة الحديد من مكانها، وكان الناس فاقدة الأمل بدأنا تحريك السكة الحديد عن طريق خطط التطوير، ويجب أن نعطى الناس فرصة لاستكمال هذه الخطط، فقد أهمل هذا المرفق الحيوى لسنوات».

وبلغة الأرقام، فإن القرارات الاقتصادية الأخيرة بقدر ما أثرت على مصروفات الهيئة، فإن هناك زيادة ملحوظة فى الإيردات، حيث قال المصدر: «الركاب اتجهوا للسكة الحديد بعد زيادة أسعار المحروقات، وبلغ الإيراد نحو ١٦٢ مليون جنيه عن شهر يونيو الماضي، بزيادة أكثر من ٥ ملايين جنيه عن نفس الشهر فى العام الماضي، وهذا يعنى أن الركاب اتجهوا للقطارات» .

لكن الخوف كل الخوف أن تعود الحوادث وتتكرر كارثة خورشيد بسبب الإهمال، ووقتها سنبحث عن ركاب للقطارات.

    Dr.Radwa
    Egypt Air