السبت 23 نوفمبر 2024

مقالات

لأنني بنـــــــت.. أُهِنـــــــت

  • 29-1-2023 | 01:59
طباعة

ما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم، حديث شريف سمعته من والدي عدة مرات، ورأيته في أفعاله آلاف المرات، وعاصرت وعايشت كل ما هو عكسه عشرات الآلاف من المرات من المجتمع المحيط مع كل أسف على مدار حياتي الدراسية والعملية.

فلأنني بنت، تم التحرش بي وكل بنت وسيدة في المواصلات العامة أثناء فترة الجامعة وغيرها ولم يزل، ولأنني بنت تم التنكيل بي في اختبار القيادة كنوع من أنواع تعليمي درساً مستفاداً مجازاةً لي لتجرأي على التقدم للاختبار، رغماً عن أن والدتي تحمل رخصتها منذ الثمانينات، أي قبل حصولي على الرخصة بعقدين من الزمان تقريباً، ولكنه المجتمع الذكوري الممتد الأثر، المستمر المفعول، المتزايد التجبر والعنف، سواء بسبب تيارات الفكر الإخواني أو الوهابي الرافض لوجود المرأة في المجتمع من الأساس وبالتالي رفض خروجها من المنزل ومشاركتها للرجل في أي تفصيلة من تفاصيل الحياة، وهو ما دفعهم وأوجد لهم المبرر الشرعي لإهانتهن وجبرهن على الندم والإقرار بعدم العودة لنفس الفعل مرة أخرى.

ولأنني بنت، أكم من المرات التي وضعني فيها سائقي كل أنواع المواصلات العامة أو المركبات الخاصة في اختبارات قيادة مدبرة، فقط لكي يستمتعوا ببعض الضحكات على الأنثى التي شاركتهم الطريق ونافستهم القيادة على حد قولهم، حتى أنه أصبح من المعتاد أن تسمع جملة "أكيد ست اللي سايقة" في حالة حدوث حادث لا قدر الله أو تعطل الطريق لسبب ما، فتجد من منهم يضيق على أي سيدة مساحة المناورة، أو يسبقها في الطريق المواجه بحيث يجبرها على العودة إلى الخلف، أو يقوم بترك سيارته صف ثانٍ بحيث لا يترك لها مجالاً للمرور، بل ويزيد على ذلك بقصده محاولة الظهور بدور البطولة من خلال الإرشاد بصوت عالٍ وعبارات مستفزة مثل "تعالي تعالي تجيبك تجيبك والله .. طب انزلي وانا أعديها لك"، وبالطبع أكاد أجزم أنه لا أنثى خلف عجلة القيادة لم تتعرض لتلك مضايقات أو استنكارات، أو تلميحات ضمنية أو حتى علنية من باب الاستهزاء وتشجيع الموجودين على الضحك.

ولهذا السبب تماماً، ولأن كبريائي يعلو آخر محل شعرة في رأسي، فقد عزمت النية منذ حصولي على رخصة القيادة أن أحترف القيادة على طريقة المحترفين المتمكنين، فتعلمت كل أنواع ركن السيارة وبالأخص الركن عن طريق الخلف، بل واحترفته، وتعلمت القيادة العادية والأوتوماتيك، وتعلمت تقدير المسافات بالإحساس والنظرة، وأثبت ذاتي في غضون فترة قليلة حتى صرت بعد كل موقف أبادر بسؤال الشخص الذي ينتظر توتري أو تخبطي أو طلبي للمساعدة " هااا .. أنفع أسوق؟ فيلاحقني بالرد لا الله ينور يا أستاذة.

ولأنني بنت، سبقوني إلى الطابور وإلى الجلوس وإلى المصعد وإلى الباب سواء دخولاً أو خروجاً، ولأنني بنت، كانت النظرة النمطية أنني غير قادرة على أعمال بعينها لا يقدر عليها غير الرجال -بحد قولهم- فكانت الاستهانات تسبق نظرات الترقب بهدف الشماتة، وكانت الكلمات تسبق انتظارهم للنتائج التي تجعل من نواياهم السيئة محل خبر كان.

وعكس كل ما سبق، لأنني بنت ... كرّمني أبي، وأعزني، ورفع من شأني، ودعمني، وأمدني بكل القوة والحنو، وشد عودي، وقَوَ من عضدي وعظامي، وهيأني للمستقبل، حتى صرت أجمع في صفاتي –وفقاً لإرشاداته ولمسات يده- بين قوة الذكر ولين الأنثى.

لكني لم أنسى أبداً ومازلت تضييقات المجتمع، ولا إهاناته، ولا تحدياته المدبرة، ولا نظراته المستهينة، ولا استنكاراته لمجرد وجود أنثى جنباً إلى جانبه في المنزل والشارع والعمل والمحال.
المرأة التي كُرّمت في القرآن الكريم حتى اختصها الخالق بسورة منفردة لها باسمها "سورة النساء" في حين لم يختص معشر الرجال بهذا التكريم، هي نفس تهان وتذل في البيوت والشوارع والمحاكم والعمل، المرأة التي خاطبها الرئيس السيسي عشرات بل مئات المرات وراهن عليها ليقينه بقوتها وحكمتها وقدرتها على التغيير وإحداث الفوارق، المرأة التي أنجبت وربت واحتوت بل وأنفقت من حر مالها لِتُعيل وتساعد وتسد عجز المتنطعين وتدعم كيان الأسرة مازالت تهان ويساء إليها.

أفقط لأنني بنت... من المجتمع إِستُبِحت !!

 

الاكثر قراءة