الخميس 23 يناير 2025

عاش أسامة عفيفى .. وعاشت حكآياته

  • 20-8-2017 | 14:32

طباعة

على رزق

كان حكاء استثنائيا ، جمع بين اندفاع الحكواتي وكثافة الشاعر وموسوعية المؤرخ وابن البلد وفي كتابة غير مؤطرة كتب مقتطفات أطلق عليها "حكايات التسكع والمراودة" عطرها بملح الصدق وبهرها بتابل المزج بين العامية والفصحي،بين الماضي والحاضر ..ومنها هذه المختارات التي تقدمها الهلال "باقة زهر " لروح الراحل الكبير أسامة عفيفي

غرباء

فجأة ضج شارع المأمون المتفرع من شارع المحطة بالجيزة الهادئ المظلل بالشجر في الجيزة بالحركة والضوضاء وبدأ يظهر فيه أناس غرباء يشبهون الفنانين والرسامين يشبهون كثيرا عم سعد الله الخطاط يدخلون شقة عليها اسم مجلة كروان كان أكثرهم ألفة عمنا نعمان عاشور الذي كان يسكن بجوار محل الأستاذ وأخيه في شارع الأمير عبد المنعم .وجورج البهجوري ومجدي نجيب اللباد وطوغان وسمير عبد الباقي وكانت مجلة كروان مختلفة عن سمير وميكي وتصدرها جريدة الجمهورية بحشد من الفنانين الشبان يقودهم نعمان عاشور. ورغم انتشار المجلة وإذاعة الراديو ..لأخبارها وكتابه كبار الكتاب لها. لم تستمر أكثر من عامين والسر وراء إغلاقها أنها كانت تخسر ولا تستطيع مؤسسة كالجمهورية تعويض خسائرها.... واختفت كروان لكن بقي في ناصية شارع المأمون عم بهجت الذي كان يشتري المرتجع بالجملة فنؤجره بتعريفة للمجلة نقرأها ونعيدها لنقرأ غيرها.... شىء آخر بقي من كروان في شارع المأمون أن محلا للفول والطعمية فتح وأسمي نفسه فول وفلافل كروان... بقي أن أذكر أن أعداد كروان الكاملة مازالت موجودة بدار المعارف مع أعداد سندباد بيكار

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

دبلة ألمونيوم...

بعد نكسة 67 تبرع عدد كبير من نساء مصر بذهبهن للمجهود الحربي ولفت أم كلثوم مدن مصر لإقامة حفلات غنائية لصالح المجهود الحربي وكانت نساء المحافظات في بحري وقبلي يتوافدن على الحفلة ليتبرعن بذهبهن ...نفس الشيء قامت به أم كلثوم في العواصم العربية في تونس والمغرب والسودان والكويت ومختلف البلدان العربية وجمعت ملايين الجنيهات لدعم مصر وقد تبرع الشباب حديثو الزواج " من الرجال والنساء معا"بدبلة الزواج الذهبية وكانوا يأخذون بدلا منها دبلة مصنوعة من ألمونيوم الطائرات الفانتوم التي كانت تسقطها الدفاعات الجوية أثناء حرب الاستنزاف

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بط جدتي وزفر رمضان

كانت جدتي لأمي تربي أنواع الطيور كافة فوق سطح منزلها المقابل لكازينو الحمام علي كورنيش شارع البحر الأعظم وخصوصا بط رمضان وقبل رمضان بفترة تبدأ في تزغيطه استعدادا للشهر الفضيل وقبل ليلة الرؤية بليلة تذبح البط وتنظفه وترسله للأهل والأبناء والأقارب والحبايب بواقع دكرين بط من الحجم الكبير لكل أسرة أبنائها وبنتها وإخوتها وبنات عمها وصديقاتها وكنت أتسائل وأنا صغير ولماذا البط تحديداً وليس الدجاج أو الحمام أو الأرانب أوالخرفان؟ إلى أن تعرفت علي العلامة عمنا سيد عويس وجاءت سيرة الزفر فسألته إيه بقي حكاية زفر رمضان وبطه؟؟ ضحك الرجل وقال المصري يمزج عقائده بعضها البعض وفق وجدانه فالأعياد الدينية القديمة كانت تذبح فيها طيور البط المهاجرة تستأنس قليلا وتزغط كي تعتاد علي المكان إلي أن يأتي موعد الاحتفال فتذبح والطيور فقط هي التي تقدم كقرابين كالبط والوز . إنما الأرانب والماعز والخرفان فلا تصلح لا لقرابين ولا للأكل في الأعياد ،الطيور الكبيرة فقط والمستأنسة حديثا ومن هنا أتي طقس التزغيط ولك أن تشاهد الجداريات المصرية القديمة لترى النساء يحملن البط إلي المعبد في العيد ولما كان رمضان من أهم المناسبات الدينية التي يخصها المصري باحتفاليات خاصة فإنه يدخر لها أغلي ماعنده من طيور وهو البط والوز أحيانا....ولذا يطلق مصطلح الزفر عليه أكثر من باقي الطيور... فالمصري يدمج وجدانه الديني ويعجنه عجنا فينتج رمضان المصري ومسراته التي لا يحتفل بها غيره دون المسلمين في العالم. حتي المسيحيين المصريين لهم طقوسهم المليئة بالزفر كالمسلمين والمختلفة عن مسيحي العالم. فالمصري كما يقول عمنا بديع خيري ذو تفنن....

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

في مطلع السبعينيات قال لي صديقي اليساري مزمجرا:

أنا ملاحظ عليك ميول برجوازية رخيصة الأيام دي .. بتسمع أم كلثوم وعبد الوهاب وفريد وفايزة والمايصة اللي اسمها شادية والمسهوك اللي اسمه عبد الحليم وبتشوف ماتشات كورة وكمان أهلاوي... شوف عاوز تبقي ثوري اترك هذه التفاهات البرجوازية الضحلة.......

ولم أترك تلك الميول البرجوازية بل تركت تنظيمه الثوري الذي تلاشي مع الأيام...

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أحسن القصص ...

كنت اسهر حتي السحور في بيت جدي الحلواني الكبير بسوق الأحد وسط كوانين الكنافة الحديدية القديمة التي كانت توقد بالفحم ...كان رمضان يأتي في الشتاء ونحن أطفالا وكان الشتاء قارس البرودة في تلك الأيام فنجلس قرب الكوانين نستدفئ بها ونحن نتابع حركة أكواز العجين الرشيقة في رقصاتها فوق الصينية النحاسية الكبيرة نراقب في فرح مهارة أعمامنا في صنع الكنافة التي كنت أراها منسوجات من الدانتلا الساحرة وهي تغزل بالعجين علي سطح الصينية شديد السخونة كان أغلب أعمامي الصغار يقومون بالبيع خارج المعمل والكبار يتفننون في صنع الكنافة دانتيلا رمضان المبهرة علي الكوانين التي تملأ المكان كان أولاد أعمامي من أطفال العيلة يتكومون في الأركان يراقبون الأوركسترا المبهر إلا أنا فعيناي تراقبان جمال ذلك النسيج المبهر وأذناي يسمعان مايبثه الراديو في ليالي السحر الرمضانية إذ كنت أختار لنفسي مكانا أسفل الراديو الباي الضخم المعلق على رف المكان الذي يجلس علية جدي عبد العزيز الحلواني.. يسمع ويراقب ويقود ويحرك أفلاك المكان بهدوء وابتسامة طيبة حازمة بشوش كنت أجلس بالقرب منه حتى يأتي الصوت مجلجلا" نحن نقص عليك أحسن القصص" أقفز وأتمترس أسفل الراديو تماماً لأغرق في أمواج ملحمة التاريخ المجسدة بإتقان كتابة وإخراجا وتمثيل فأذوب في الأداء العبقري الساحر ولا أشعر ببرد أو حر أو دفء إلى أن تنتهي الحلقة فأكون قد ذبت في الجمال الفذ... ويدفعني عنصر التشويق يشدني لثاني يوم لأسهر حتي السحور لتحتضن " أحسن القصص" خيالي تفتح خلاياه وتعجن وجداني بالجمال الأخاذ........

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نكت الجواسيس .....

وقال لي عمنا محمود السعدني إن فريقاًِ من مثقفي اليسار وبقايا أحزاب ماقبل الثورة من جنرالات المقاهي كانوا يرددون أثناء حرب الاستنزاف ماتذيعه إذاعات إسرائيل والبي بي سي ومونت كارلو من شائعات عن تفوق إسرائيل في معاركها والخسائر المصرية كأنها حقائق، ليس هذا فحسب بل لقد اتهم هؤلاء عبد الناصر بالخيانة بعد موافقته علي وقف إطلاق النار وقبوله مبادرة روجرز التي كان الهدف المصري منها بناء حائط الصواريخ بل لقد نشروا في صحف بيروت مقالات بدون توقيع يهاجمون ما أسموه التخاذل الناصري تجاه العدو الصهيوني في صحف كانت تمولها منظمة التحرير التي رفضت المبادرة ويمولها أيضا حزب البعث العراقي الذي اتهم عبد الناصر بالخيانة.... وأضاف السعدني أن جنرالات المقاهي كانوا أكثر فئات المجتمع ترديدا للنكت التي تسخر من الجيش المصري أثناء الاستنزاف وهي النكت التي كان الموساد ينشرها لضرب الروح المعنوية في مصر عبر جهاز خاص من اليهود ذوي الأصول المصرية ولقد أكد السيد أمين هويدي رئيس المخابرات الأسبق في ندوة بنقابة الصحفيين بالثمانينيات علي وجودهذا الجهاز منذ الخمسينيات واستمراريته بعد كامب ديفيد وهو يتكون من وحدتين واحدة لإنتاج النكت والثانية لتحليل النكت الواردة من القاهرة عبر جواسيسهم لقياس الرأي العام وتأثير نكاتهم علي الروح المعنوية..فسألته أنت من أشد مناصري النكته ودورها فهل أنت ضد التنكيت أحيانا؟ فضحك السعدني وقال..النكتة بنت البلد شغلتها تقرص ودن الحكومة الوطنية عشان تنتبه إنما النكتة الفاجرة اللي تدبح.. تبقي مستوردة من الموساد واللي يرددها يبقي جاسوس.....

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

سمسم

أول من ناداني سمسم كانت جدتي لأبي وكانت تنطقه بمزيج من الحنان وموسيقي اللهجة الإسكندرانية

وثانيهم كان ابن عم أبي عمي فاروق الحلواني. كان ينطق

السين ثاء مداعبا ومقلدا لثغتي الطفولية.......

لكن جدتي لأمي كانت تناديني أسامة بنغمة مغموسة بسحر هدوئها الحازم الرخيم من مقام البياتي أسامة منغمة مغلفة بسكر حنانها الذي لم يفارق روحي حتي اليوم أما أبي فلقد كان يناديني بالأستاذ أو مولانا أو أسامة

أو سمسم أما سمسم أبي فلقد كانت تأتي ضاحكة بفخر مكنون لا تدليل فيه منغمة من مقام الفرح ولأن جدتي كانت تناديني سمسم فكل عماتي ينادونني بنفس الكنية حتي أعمامي الرجال المقاربين لي في العمر أما الوحيدة التي تناديني بسمسم حتى الآن بنفس نغمة جدتي فهي عمتي الكبري أطال الله في عمرها

ورغم حبي لسمسم اشتاق لأسامة المنغمة علي مقام البياتي لجدتي لأمي....

بدون مناسبة

    أخبار الساعة

    الاكثر قراءة