كتبت- أماني محمد وأميرة سعيد
في قلب واحدة من أعرق الأحياء الشعبية في القاهرة، داخل حي السيدة زينب وعلى بعد خطوات من منطقة "المدبح" حيث تجارة المواشي والأغنام ومستلزمات الجزارة وبيع الأحشاء واللحوم، بعد ذلك تستقبلك في البداية لافتة متهالكة تحمل بقايا من اسم صاحب الضريح الذي يعرفه أبناء المنطقة عن ظهر قلب، أنه مسجد ومقام علي زين العابدين بن الحسين رضي الله عنه.
مئذنة مرتفعة تعانق السماء بلونها الأصفر الذهبي تحمل تصاميم ونقوش إسلامية، ودرجات سلم داخله تصل مصلياته بصحن المسجد، ومدخل عريض وسياج حديدي تفترشه النساء اللاتي قررن استغلال هذا السور في تعليق قطع من الملابس المغسولة عليه، يجاورهن المقام والمسجد طيلة حياتهم.
الحال داخل المسجد جمع بين الحياة والموت، فهنا من وجد المسجد ملاذا له فجعلوا من أرضه فراشا له وحماية من الحرارة الملتهبة، وعلى الجانب الآخر مقابر تهدمت ومنازل مهجورة خلفه.
ما بين مدخل المسجد وصحنه نحو 20 مترا، في البداية درجات سلم تصل إلى دور علوي وبعدها المسجد ومصلى السيدات، خطوات قليلة يجد الزائر نفسه أمام بابين الأول كبير الحجم مزخرف، والآخر صغير في أقصى يسار الساحة وهو الباب السري للمقام، وحائط ملون بالأخضر به ثلاث فتحات تفوح منه رائحة زكية له قصة أخرى يرويها القائم على خدمة المسجد.
"زيارة أم صلاة؟".. هكذا استقبلنا شريف أحمد، أحد مشرفي المسجد، والذي بسؤاله عن المقام وصاحبه، قال إنه لـ"سيدنا على زين العابدين، صاحب المقامين، حيث يجتمع الأب زين العابدين والابن زيد في مقام واحد"، وعلي زين العابدين هو ابن الإمام الحسين بن علي رضي الله عنه حفيد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، والذي جاء إلى مصر بعد وقوع معركة كربلاء.
الباب السري
جاء علي زين العابدين مع عمته السيدة زينب رضي الله عنها إلى أرض مصر بعد المعركة وقطنوا بها ودفن في المقام هنا سيدنا علي وابنه زيد.
يروي القائم على خدمة المسجد لـ" الهلال اليوم" قصة الباب السري قائلاً:" أثناء خوض علي زين العابدين لإحدى المعارك حاول الاحتماء من أعدائه فانشق له الحائط واختبأ خلفه في معجزة حفظها المكان حتى اليوم وتبقي أثر أصابعه الثلاث محفورة داخل الباب حتى اليوم ليتبرك الزائرون بها".
وأمام هذا الباب وباب الضريح يقف كل زائر يتضرع إلى الله ويتوسل إليه في إجابة طلبه ويقضي حاجته، فلا يخلو المكان من الزوار سواء من النساء أو الرجال كل جاء لحاجة في نفسه يترك دعواته وأمنياته ويرحل أملا في الإجابة، فالمقام وغيره من مقامات آل البيت وأولياء الله الصالحين قبلة أصحاب الحاجات ممن ضاقت بهم الحياة وامتلأ قلبهم بالدعوات.
حريق المقام
وتسبب ماس كهربائي في إغلاق المسجد، بعد أن أدى إلى وقوع حريق داخل المقام هو الحادث الذي تعرض له الضريح قبل أشهر قليلة وأحدث تلفيات به، إلا أن وزارة الآثار بالتعاون مع وزارة الأوقاف تعكف حاليا على ترميمه وإجراء ما يحتاج من إصلاحات بعد حصر الخسائر والتلفيات.
وبحسب مسئول أوقاف، فأن التلفيات بسيطة لا تتعدى احتراق بعض الأقمشة والمرفقات الخارجية والمقصورة المحيطة به.
تاريخ المسجد
اختلف كثيرون حول هوية المدفون بالضريح فما بين رواية القائم على خدمة المسجد أن المدفون بالمسجد هو علي زين العابدين وابنه زيد، وغيره من يؤكد أن المدفون بالضريح هو الابن فقط أما الأب فلم يأت إلى مصر، واعتقاد بعض المؤرخين أن الضريح هو مشهد رؤية فقط يعود إلى الدولة الفاطمية التي عرف عنها اهتمامها بالأضرحة والمقامات.
لكن يرجع عمر المسجد إلى أوائل القرن التاسع عشر بعد أن جدده أحد الولاة العثمانيين، ويحتوي المسجد على نقوش وزخرفة تضم كل العصور منها عمارة الدولة الفاطمية، وكذلك يضم لوحة تذكارية كتب بها قصيدة الفرزدق كتب عليها ما يلي" بسم الله الرحمن الرحيم هذا مشهد الإمام على زين العابدين بن الإمام الحسين بن الإمام بن على بن أبي طالب صلوات الله عليهم أجمعين في سنة 549ه".
أما القبة التي تعلو الضريح فتعود إلي العصر المملوكي في القرن 18م وفى أواخر القرن 13 الهجري، كما صممت به مقصورة جديدة من أجود أنواع الحديد المصري، كتب عليها "أنشأ هذه المقصورة سعادة محمد قفطان باشا سنة 1280هجرية"، وهي المقصورة التي تضررت بفعل الماس الكهربائي الأخير.
حقيقة تواجد الشيعة
كواحد من آل البيت وكابن الحسين بن علي رضي الله عنه حفيد النبي، بالتأكيد يبقى المقام واحدا من المقامات التي تحظى باهتمام لدى المذهب الشيعي.
سعد عمارة، مسئول بالأوقاف بمنطقة السيدة زينب، نفى احتمالية تواجد الشيعة بالمسجد أو غيره من المساجد، مؤكدا أن وزير الأوقاف أصدر قرارا بمنع بدخولهم إلى المساجد.
وأوضح شريف أحمد، أحد العاملين بالمسجد، أن التصليحات لن تستمر طويلا ربما لخمسة عشر يوما على أقصى تقدير ليعاد افتتاح المسجد والضريح بشكل جديد بعد وقوع بعض التلفيات جراء الماس الكهربائي، مضيفا أن الترميمات والتنظيف الجاري الآن بالمسجد سينقلانه نقلة جديدة ويجعلونه يشبه مسجد الحسين والمساجد الكبرى الأخرى.