رسالتي ليست لكَ وحدكِ يا ابنتي إنها تذكرة إلى كل بنات جيلك ما كنت أملك لمخاطبتهم سبيلًا إلا من خلالك أنتِ بنيتي، أعلم أننا كأمهات في الماضي كنا نمتلك حظًا عظيمًا عنكن، فلم تكن لدينا أشياء تشغلنا عن أمهاتنا مثلكن، لم نكن لنبتعد عن أحضانهن باختيارنا أبدًا لننشغل عنهن بشاشة صغيرة ننظر إليها فاقدي الوعي، مغيبين عما يدور حولنا، لقد طغت عليكن نزعة الأنانية دون قصد، فاطمأنت ضمائركن بعد أن نجحت تلك اللوحة الصغيرة في سرقة الزمن منكن .
نعم لقد نسيتن أن الأم هي نفحة إلهية بعث بها الله إليكن لتجعل لحياتكن معنى ولكن لأجل مسمى، أخبريهن يا ابنتي أن الأمهات يومًا ستغادرن دنياهن فكم أخشى عليهن الشعور بالندم على كل لحظة مرت بهن وهن بعيدات هكذا، اخبريهن أيضًا أنه سيأتي عليهن يوم يتمنين فيه أن تعود أحضان الأم لهن، ولو للحظات، قولي لهن أنهن سيشتقن لتلك اللحظات دومًا وسيأتي يوم عليهن يكتفين فيه برؤية تلك الملابس المعلقة يبحثن فيها عن ذكرى تخفف عنهن، يستنشقن بعضًا من بقايا عطر بعد أن انصرفن عن تلك النعمة الكبرى التي كانت بين أيديهن.
ربما كان الخطأ كبيرًا من جانبنا نحن كأمهات حينما منحنا كل ما لدينا لأبنائنا وبناتنا ولكني أخص هنا الفتيات بشكل أكثر تحديدًا، فهن اللاتي من الواجب عليهن أن يشعرن بأمهاتهن أكثر، فالصحة لم تعد كما كانت، والاحتمال تضاءل وكلما التفتت الواحدة منا لتبحث عن يدٍ تسبقها أو تلاحقها في أداء أعمالها التي لم تكن في السابق تشكو منها عندما كانت تتحملها وحدها وجدت سرابًا، وظلًا يرقد في مكانه ساكنًا يكاد لا يسمع ولا يرى، مشغولًا فقط بتلك اللوحة التي ما زالت تسرق العمر منهن، وتقضي شيئًا فشيئًا على المبادرة بالعطاء حتى كادت أن تقضي على ما تبقى لديهن من إنسانيتهن.
يجب أن يكون حبنا لأبنائنا باقٍ تحت معدلات متوسطة نوعًا ما، فالعطاء بلا حدود قد يأتينا بنتائج غير مرجوة، فلننادي جميعًا بضرورة تنظيم الوقت، ليس عيبًا أن نناقش أبناءنا في البحث عن طرق جديدة توفر للأسرة المصرية والعربية صورتها المألوفة على مر تاريخها الطويل، فكم أخشى على شبابنا من لحظات تسبب لهم الإحساس بالألم، أخشى أن يتعرضوا لجلد الذات يومًا وهم مشغولون الآن عن إدراك حقائق دنياهم لاهثين خلف سراب يمسك بأيديهم يسلسلها في دائرة مفرغة لا نهاية لها.