الجمعة 24 يناير 2025

مقالات

الكرة بين الانتصارات والأوهام

  • 12-2-2023 | 14:01
طباعة

سمحت أهلاويتي المعتدلة في الاستمتاع بوصلة كوميدية من صنع أصدقائي ممن تلبسهم عفريت الأهلي "الأسطورة" خلال مباراتي الفريق مع ريال مدريد الإسباني وفلامنجو البرازيلي في كأس العالم بالأندية حيث كانوا خاضعين تحت ضغط خطاب إعلامي كان يصور للناس أن الأهلي فريق لا يخسر ولا يمكن أن يخسر نتيجة الزن على الودان الذي يمارسه الإعلام الرياضي والذي صور للناس إمكانية الانتصار على فريق كريال مدريد رغم القناعة لدى الجميع بالفارق الكبير عبر الشحن الجماهيري في مواقف تتقلب كما تتقلب القلوب والأبصار فإن فاز الأهلي نكمل طريق الأساطير والعيش في نشوة الانتصار وإن انهزم الأهلي نكتفي بلهجة الأداء المشرف ومعلش ده ريال مدريد يا جماعة.

الحقيقة أن التعصب الأعمى الذي يعيشه الوسط الرياضي والانتصار للون الفانلة هو مجرد حديث مشاعر لا يستند إلى إنجاز حقيقي أو حب حقيقي فكلا الفريقين إن قدر لهما أن يواجه فريقا حقيقيا تنكشف زعامته الوهمية ويتعرى مستواه الفني بشكل فاضح وهنا نتبارى في صناعة السخرية من بعضنا البعض ونبدأ رحلة البحث عن المبررات التي أدت إلى هزيمة الفريق الذي ننتمي دون التساؤل عن أسباب ذلك إليه فتارة نرجعها إلى إخفاق فلان أو تعثر علان المهم أن نجدد مبررا يبعدنا عن السؤال الصعب وهو لماذا أصبحت الكرة المصرية بهذا المستوى الفني المتواضع ومن أجل ماذا ننفق المليارات سنويا على فرق لم تستطع أن تبلغ العالمية لا أداء ولا نتائج فهل سأل أهلاوي أو زملكاوي نفسه هل أنت مهتم حقيقة بمستوى اللعبة في مصر؟ أم أنت مهتم فقط بوصلة الشماتة التي ستمارسها ضد صديقك المختلف معك في انتمائه الكروي؟.. هل وقفنا مع أنفسنا وقفة جادة نتساءل فيها ما هي مسؤولية اتحاد الكرة الفنية التي أسفرت عن هذا الفارق الفني الكبير بين فرقنا ومنتخبنا وفرق العالم المتحضر كرويا إن جاز التعبير؟.

متى نتوقف عن الاكتفاء بالدخول إلى عالم تمجيد الأسطورة أو تقديس القلعة البيضاء وننظر إلى موضع أقدامنا التي تغرس في طين اللعبة لا تتحرك حتى الاحتراف وشراء لاعبين أجانب لم يسعفها ليمنحنا فرحة ولو مدفوعة مسبقا بالتأكيد لن تكون انعكاسا لتطور حقيقي في مستوى اللعبة وممارسيها.

غرقنا في الشماتة وتبادل السباب ورضينا بأن يشترى النادي الغني أفضل اللاعبين في مصر ليهزم بهم الباقي السيئ ثم نصور ذلك على أنه إنجاز تكتب فيه الأشعار وتنشد فيه الأهازيج.. ألا تعقلون.. ألا تخجلون من أنكم ما زلتم أقل مستوى من ممارسي اللعبة الهواة وأن كل ما تنفقونه لشراء لحظات نشوة كاذبة تعيشونها في مسابقة محلية متواضعة فنيا كالدوري والكأس ألم تكتفوا من هذا الوهم الذي يتحول دائما إلى حسرة أمام أي منافسة جادة مع فريق جاد.

أعتقد أن حالة الوسط الرياضي باتت اليوم مهيأة لقرار بوقفة مع النفس فبدلا من الانشغال بانتصارات محلية وهمية تعد من باب "أعمى وسط عميان" وبدلا من الانشغال بالتلاسن بين هذا وذاك ننشغل بأن تكون لدينا قاعدة راسخة متينة بدءا من تحكيم لا يخشى نفوذ بعض الأندية ومرورا بقاعدة ناشئين يديرها مدربون أكفاء ينقلون التجربة العالمية في اللعبة وانتهاء بمسابقة دوري حقيقي تتنافس فيه أندية على قدم واحد من المساواة في الإمكانيات والفرص ما يخلق منافسة جادة وشريفة وساعتها يمكن فقط أن نتغنى بذلك النادي أو ذاك النادي بناء على منتج حقيقي قدموه وليس لأنه يملك كل شيء ومن حوله لا يملكون أي شيء ثم نسميه بطلا.

إن البطولة الحقيقة هي بناء قاعدة وطنية للعبة هي الفرحة بانتصار مصنوع بجهد محلي ساعتها تتحقق السعادة الحقيقية والفخر الحقيقي لا المصنوع عبر أصوات متشنجة محتقنة من خلال شاشات مضيئة لا يسفر حديثهم إلا عن حالة احتقان غبي تفضي إلى عنف مدمر بين مشجعي اللعبة.

إن البطولة الحقيقية يوم أن ندرك أن احترامنا للمنافس طريق يخدم الجميع فلا معنى لنصر أو فخر على جثث الآخرين فالمطلوب ليس التوقف عن التلاسن أو تبادل الشتائم المطلوب أيضا أن نتوقف عن خطاب التفخيم وبناء الأساطير التي يحيط كل ناد بها نفسه كيدا في منافسه هذا الخطاب لا يفرز إلا حالة عمى عما يجب أن يكون وما يجب أن يفعل.. هيا بنا نعود إلى أصل الرياضة وهي تهنئة الفائز بروح طيبة والشد على يد الخاسر ليجتهد ولندع أجواء الأساطير قليلا ولنتعاهد على بذل الجهد دون تحيز أو استقطاب لننهض باللعبة على أسس علمية تتيح لنا أن نكون على صف واحد مع الكبار سريعا بدلا من خطاب الهزيمة الذي يسيطر على حديثنا وقت لقائهم والذي سرعان ما نتناساه أمام أول انتصار محلي ضد فريق أقل قدرة وكأنك يا أبو زيد ما غزيت.. دعونا نحول التألم من هزيمتي الأهلي في كأس العالم وخسارته المركز الثالث وتراجعه للرابع إلى نقطة انطلاق لتصور جديد عن مفهوم الانتصار والفخر غير المؤسس على الأوهام.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة