يوسف القعيد – أديب وكااتب روائى
ولد يوسف السباعى فى السابع عشر من يونيو سنة 1917، واسمه بالكامل يوسف محمد محمد عبد الوهاب السباعى، أى قبل قرن كامل من هذه الأيام التى نحياها. واغتيل فى قبرص فى 18 فبراير 1978، وكان عمره وقتها 61 عاماً، وكان فى حياته شخصية ملتبسة. وبعد رحيله نسيته مصر كأنه لم يكن، رغم أنه وقت حياته كان ملء السمع والبصر. لدرجة أنك لو توجهت لمكتبات وسط القاهرة الآن بحثاً عن كتاب له، خصوصاً أنه كانت هناك دار نشر لا تنشر إلا رواياته ومجموعاته القصصية. لن تجد له كتاباً واحداً يمكن أن تطلع عليه الأجيال الجديدة التى لم تعاصره ولم تقرأ له. ودار النشر التى كانت مخصصة لنشر أعماله هى دار الخانجى التى كانت تقع فى شارع عبد العزيز بوسط القاهرة. ولا أعرف هل ما زالت موجودة وتمارس النشر؟ أم أنها تمت تصفيتها مثل الكثير من دور النشر المهمة التى لعبت دوراً شديد الأهمية فى نشر الثقافة ابتداء من ستينيات القرن الماضى؟.
سمعت من بعض مجايليه وزملائه من الأدباء يتحدثون عنه بكلام يقف فى منتصف المسافة بين الجد والهزل. بين التقدير والسخرية. ولأن الجميع رحلوا عن عالمنا، سأحتفظ باسم من قال هذا الكلام. قال:
- لو لم يجد يوسف السباعى من يخدمه، لنزل للشوارع يبحث عمن يمكن أن يقدم له الخدمة التى يريدها.
كثيرون نافقوه فى حياته. لكن قلة شديدة كانت معنية بأن تقول فيه كلمة صدق أو شهادة حق. فالرجل كانت له مناصب كثيرة جداً فى الثقافة، لدرجة أن أحد رموز اليسار قال عنه أمامى إنه سكرتير عموم مصر.
كان رئيساً لاتحاد الكتاب، ورئيساً لنادى القصة. وهو أول أمين عام للمجلس الأعلى للثقافة وكان صاحب فكرة إنشاء المجلس الأعلى للثقافة إحسان عبد القدوس، وقد طلب إحسان من يوسف السباعى الحصول على موافقة جمال عبد الناصر على الفكرة قبل أن يكتب عنها، حتى لا يبدو أنه هو صاحب الفكرة فتتعطل. وقد حصل يوسف السباعى على موافقة عبد الناصر على إنشاء المجلس، وكان يوسف السباعى أول أمين عام لهذا المجلس.
لكن كثرة المناصب وقابلية تأدية الخدمات للناس شغلته عن مشروعه الأساسى، ألا وهو الكتابة الروائية. وقبلها وأهم منها القراءة، أى قراءة النتاجات الروائية الجديدة، سواء فى العالم أو العالم الثالث، أو الوطن العربى، أو مصر. لم يكن لديه وقت لكى ينجز هذا. لا بد من الاعتراف الآن أنه ما كان مشغولاً بالقراءة الروائية والقصصية والكتابة مثل نجيب محفوظ أو عبد الرحمن الشرقاوى، لأنه كان يقسم وقته بعناية بين مهام كثيرة يقوم بها سواء فى حياته الخاصة أو العامة.
لدرجة أن بعض النقاد قالوا إن الروايات المهمة التى كتبها مثل رواية: السقا مات. لم يكن هو كاتبها. ولكنها وجدت ضمن أوراق والده محمد السباعى بعد وفاته. ومحمد السباعى – لمن لا يعرف – هو أول من نبه إلى أهمية الأدب الروسى، وترجمه إلى العربية، وقدمه قبل أن يحاول كثيرون من بعده أن يسيروا على نفس الدرب. ولست أدرى هل كانوا يترجمون عن اللغة الروسية أم عن لغة بسيطة أخرى؟ لكن لم يسبقه أحد للاهتمام بظاهرة الأدب الروسى، السوفييتى فيما بعد.
كان يوسف السباعى ضابطاً من ضباط القوات المسلحة. وكان واحداً من الضباط الذين جاءوا للثقافة بعد نجاح ثورة يوليو. كان معه أحمد مظهر وكان معه سعد الدين وهبة، رغم أنه كان ضابط شرطة وليس ضابط قوات مسلحة. وكان معه أحمد حمروش، وكان معه عبد العزيز صادق، وكثيرون من الضباط الذين أصبحوا جزءاً من الواقع الثقافى.
وبسبب مجيئه من القوات المسلحة، فقد حصل على العديد من المناصب فى زمن عبد الناصر، لكنه لم يذهب مع زمن عبد الناصر. بل بقى. بل إن توليه وزارة الثقافة جرى فى زمن السادات وليس عبد الناصر. فى زمن عبد الناصر تولى منظمات أهلية وشعبية ودولية كثيرة. لكن المناصب الرسمية التى تولاها فى الثقافة والصحافة والإعلام كانت بعد ذلك، فى فترة ولاية السادات.
كانت هناك حساسية تجاه من جاءوا للثقافة من خارجها. وكان عددهم كبيراً. لكن لم يكن أحدهم مستهدفاً كما كان يوسف السباعى. ربما لأنه خاصة بعد رحيل جمال عبد الناصر، ومجيء الرئيس السادات، وتحوله بمصر باتجاه الولايات المتحدة الأمريكية، ولعن كل ما هو يسارى، فإن يوسف السباعى قد أصبح ممثلاً لهذا الاتجاه فى الثقافة المصرية.
رأيته فى تحركاته يستخدم سيارات سوفييتية. كان السوفييت قد أرسلوا له هدية عبارة عن سيارة فولجا – وهو اسم أهم نهر فى بلادهم – وكانت سيارة رئاسية بامتياز. لكنه خلال استخدامه للسيارة الفولجا فى تحركاته، كان يهاجم اليسار بكل ما يملك من قوة. مع أنه كان المسئول عن كل المنظمات الأهلية والشعبية والثقافية التى كانت تربط مصر بدول المعسكر الاشتراكى وقتها. واستمر هكذا حتى آخر لحظة فى حياته. ربما كانت قناعة شخصية فى أعماقه. لكنه لم يعبر عنها علناً وبطريقة متوسعة إلا بعد أن أصبح السادات رئيساً لمصر.
أيضاً له دور صحفى، فقد رأس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام فى مرحلة ما بعد الأستاذ هيكل، ورأس تحرير الأهرام، وأصبح نقيباً للصحفيين، ورأس مجلس إدارة دار الهلال، ورأس تحرير مجلة المصور، وفى فترة ولايته فى دار الهلال ترك الدكتور على الراعى رئاسة تحرير مجلة الهلال، وأتى يوسف السباعى بصالح جودت ليصبح رئيساً لتحرير الهلال. وقد صدر ملحق شهري لها كان عنوانه: الزهور. مما أعطى التغيير بعداً سياسياً. أصبح جزءاً من صراع اليمين واليسار فى الصحافة والثقافة المصرية.
سافر سنة 1978 إلى قبرص ليحضر مؤتمر اتحاد كتاب آسيا وإفريقيا. باعتباره الأمين العام لهذا الاتحاد. وكان الاتحاد ذراع الاتحاد السوفييتى الثقافى والسياسى فى أوساط مثقفى وأدباء وكتاب العالم الثالث. وقبل المؤتمر بأيام طلب محمد صبيح ممثل فلسطين فى الاتحاد أن يكون الاجتماع فى موسكو أو فى برلين. لأن تأمينه فى قبرص قد لا يكون ممكناً أو متاحاً. لكن لم يتم الاستجابة لطلبه أو لم يؤخذ تنبيهه مأخذ الاعتبار ولم يتم التعامل معه بالاهتمام المطلوب.
فى فبراير 1978 سرت فى جنازة يوسف السباعى بميدان التحرير، بعد وصول جثمانه من قبرص. وسمعت هتافات فى الجنازة رغم جلال الموت وقدسيته تقول: لا فلسطين بعد اليوم. ولأن السادات كان قد ذهب إلى العدو الصهيونى فى عقر داره، وكانت مصر تحاول الاستدارة حول نفسها، وتحاول إعادة إنتاج ذاتها، فقد رد المعزون والمشيعون على هذا الهتاف بأصوات هزت المكان كله وبحماس فاق كل التوقعات.
مع أن فلسطين بريئة من دم يوسف السباعى، رغم أن المنظمة التى تولت تنفيذ عملية الاغتيال كانت منظمة فلسطينية. ولكن من قال إن فلسطين التى ضاعت منا مسئولة عن كل التجاوزات التى يمكن أن يرتكبها من يسبقون أسماءهم بكلمة فلسطين.
فى حياته قدمت عنه رسائل جامعية كثيرة. وصدرت عنه كتب لنقاد وأدباء لا يحصيهم العد، وكان جزءاً من هذه الظاهرة فيه غزل للمناصب التى يشغلها. والأدوار التى كان يقوم بها. لأنه بعد اغتياله المادى فى قبرص جرى اغتياله المعنوى فى الوسط الثقافى المصرى، وربما العربى. فلم يعد يذكره أحد من النقاد ولا حتى عندما يتكلم عن أبناء جيله. خصوصاً إحسان عبد القدوس.
كتب يوسف السباعى الرواية والقصة القصيرة وأدب الرحلات والمذكرات. من أهم رواياته: بين الأطلال، ورد قلبى. وقد نشرت له مجلة المصور آخر رواياته مسلسلة، وهى رواية: العمر لحظة. وقد ترك دار الهلال إلى وزارة الثقافة خلال نشرها واستمر نشرها حتى انتهت الرواية.