بين إيمان بالدور واجتهاد لتحقيقه وانغماس في يومياته، وبين اتهام بعدم وجود هذا الدور وانتفاء الاجتهاد والقول بعدم الانغماس.. تراوح «وزارة الثقافة » مكانها، فحلمي النمنم...ذلك المثقف الموسوعي والمؤرخ والكاتب المرموق الذى تولى حقيبة الثقافة قبل ما يقرب من سنتين يواجه غضباً ثقافياً...يقول قطاع من المثقفين ان وزارة الثقافة تواجه مشكلة بنيوية بالأساس وإنها لا تعرف الدور الذي يجب أن تلعبه في حياة المواطن قبل حياة المثقف. «حلمي النمنم » مثقّف كبير، واعٍ، وله مكانة بين المثقّفين، لكن هل ثقافة الفرد أمر وفعل الثقافة أمر آخر؟ هل كُن أن ي نزعم أنّ «النمنم » لم ينجح إداريًا؟. من غير عناء يمكنك -وفق وجهة نظر هؤلاء المثقفين- أن تستشف الأسباب بأن الوزارة تحولت إلى مجموعة كبيرة من الموظفين غير الراغبين فى العمل تم اختيارهم من آخرين تنقصهم الرؤية ويفتقدون الخيال ليؤدوا عملا لا لزوم له.
يقولون أيضا إن هناك حالة متردية وصلت إليها الثقافة في عهد الوزير الحالي حلمي النمنم.. حيث تشهد الوزارة تراجعا كان شاهده الأخير الإهمال والتقصير والتخاذل في إدارة الوزارة لملفٍّ غايةٍ في الأهمية وهو اختيار القاهرة عاصمةً عالميةً للكتاب .»2019
العبارات السابقة ليست من خيال «الهلال » بل اقتباس، وتعبير عن موقف عدد من المثقفين والمبدعين المصريين، من أجيال مختلفة، أدلوا بشهاداتهم للمجلة، حول أداء حلمي النمنم وزير الثقافة الحالي الذي يواجه دعوات تعارض سياساته الثقافية بل وتطالب بإقالته من منصبه. شهادات تشخّص مرض الثقافة، وتشير إلى الخلل، وبعضها يضع رؤى للإصلاح. نفسح هذه السطور لمثقفين غاضبين مع العلم أن هناك الكثير من المبدعين يؤيدون النمنم بنفس قوة الحجة والمنطق لذا أفسحنا المجال كاملا لوزير الثقافة الذي وضعنا أمامه مشكلات الثقافة والوزارة واستمعنا لوجهة نظره ورؤيته من دون تدخل منا ودون زيادة أو نقصان.
« الهلال » وهي تراعي أن تمثل الشهادات حالة من التوازن في طرح وجهتي النظر في المشهد الثقافي، بقيت علي الحياد وكانت أمينة في نقل تفاصيل المواجهة بين الطرفين.
***
رفعت سلام .. انحدار منقطع النظير
لن أجد شهادة عن المشهد الثقافي في مصر مؤخرا أفضل من البيان الذي أصدره ووقع عليه أكثر من ثلاثمائة وخمسن مثقفا مصريا والذي نصه:
«يعلن الموقعون على هذا البيان من المبدعن والكتاب والفنانن والمثقفن استهجانهم التام للحالة المتردية التي وصلت إليها وزارة الثقافة المصرية في عهد الوزير الحالي، الصحفي أ. حلمي النمنم؛ حيث تشهد الوزارة انحدارًا منقطع النظير يومًا بعد يوم، كان شاهده الأخير الإهمال والتقصير والتخاذل في إدارة سيادته لملفٍّ غايةٍ في الأهمية وهو “اختيار القاهرة عاصمةً عالميةً للكتاب 2019 ”، الذي أداره الوزير بطريقةٍ لا تختلف كثيرًا عن إدارته لملفات كثيرة، منها- على سبيل المثال- فضيحة المشاركة المصرية في العام المصري الصيني، واختياراته الهزيلة للقيادات في قطاعات الوزارة المختلفة، التي وصلت حدًّا عبثيًّا في الآونة الأخيرة؛ وكذا نأيه عن التعامل مع الأزمات الكارثية التي تشهدها أكاديمية الفنون، التي يزعم الوزير عدم تبعيتها لسلطته الإدارية خلافا للحقيقة؛ وأيضًا ما يكابده قطاع من أهم قطاعات الوزارة وهو “الهيئة العامة لقصور الثقافة”، التي أصيب مشروع النشر فيها بشلل كامل، لاحقًا بكارثة تجميد الأنشطة في أكثر من سبعين بالمائة من المواقع الثقافية؛ وهي الأزمة القائمة منذ كارثة حريق بني سويف وحتى وقتنا هذا.
لقد كان كثيرٌ من الموقعن على هذا البيان في مقدمة الصفوف أثناء ثورة 25 يناير المجيدة، وهم الذين دشنوا باعتصامهم الشهير فاتحةً لتخلص شعبنا من الفاشية الدينية في الثلاثن من يونيو عام 2013 . وهم يدركون تمامًا أن الأزمة لا تقتصر على وزارة الثقافة ووزيرها، الذي يفتقر إلى امتاك أية سياسات فاعلة في إدارته للوزارة وقطاعاتها، محققًا الكارثة تلو الأخرى فحسب؛ وإنما يعاني وطننا كله تحديات جسام يتكبد الشعب تكلفتها بعزائم مُثقلة وصبرٍ على وشك النفاد.
والذين وقعوا على البيان سجلوا هنا موقفهم الرافض لاستمرار وزير الثقافة في منصبه، ويطالبون بإقالته الفورية.
***
أشرف العشماوي .. وزارة موظفين
أنا غاضب جدا وحزين مما حدث بإدارة ملف اختيار مدينة "عاصمة عالمية للكتاب" وفشلنا فيما يعيدنا لأجواء صفر المونديال الشهير، هذا الاهمال والتقصير الذي يرقى لمرتبة العمد يستوجب فى تقديري المساءلة لا مجرد المطالبة بإقالة.
الثقافة فى مصر حاليا لا تجد اهتماما رسميا من الحكومة ويبدو أنهم يكتفون باختيار وزير محسوب على المثقفن لإرضائهم مع أن الثقافة الحقيقية موجهة لآحاد الناس، الوزير الحالي نفسه لم يعد يولي الثقافة اهتماما وكأنه ملتزم بسياسات الحكومة غير المعلنة، وإلا فبما نفسر حالة الركود التي تمر بها الثقافة المصرية لتتوج بكارثة ملف العاصمة العالمية للكتاب الذي ذهب عن استحقاق لاشك فيه إلى إمارة الشارقة بدلا منا وخسرنا مليون يورو كنا سننفقها على تجميل القاهرة الثقافية وهي في أمس الحاجة إليها لتتجمل بعدما زحفت تجاعيد الركود والبادة الى وجهها.
من غير عناء يمكنك أن تستشف الأسباب بأن الوزارة تحولت الى مجموعة كبيرة من الموظفن غير الراغبن فى العمل تم اختيارهم من آخرين تنقصهم الرؤية ويفتقدون للخيال والابتكار ليؤدوا عملا لا لزوم له.
دعني أسأل سؤالاً بسيطاً، ما قيمة أن تفتتح قصر ثقافة بزفة إعلامية ثم لا يزوره أحد؟ ما رؤيتك لتوجيه طاقة الشباب وهم بالملاين للابداع وتذوق الفنون المختلفة؟ كم مسرحا تاريخيا تهدم واندثر فى عهدك؟ اسماعيل يس والريحاني و أغلق مسرح السلام بالاسكندرية، وحتى لو كان الأخير لا يتبع وزارتك هل غاب حسك الفني للحفاظ عليه، أم أن الأمر تستيف أوراق لدرء مسئولية وكأننا فى تحقيق بالنيابة الادارية؟!
***
أحمد عبد اللطيف .. الظلام يُخفي الحقائق
تواجه وزارة الثقافة مشكلة بنيوية بالأساس: إنها لا تعرف الدور الذي يجب أن تلعبه في حياة المواطن قبل حياة المثقف، ولا تعرف الموقع الذي ينبغي أن تشغله في مواجهة السلطة. الأمور تبدو معقدة. وزارة الثقافة جزء من سلطة الدولة، ما يجعل الوزير يفهم تلقائيًا أن دوره هو الدفاع عن النظام. اللبس يبدأ من هنا، وزارة الثقافة، يجب أن تدافع وتخصص جهودها لتنوير المواطن، وطرح حلول وبدائل أمامه عبر نشر المعرفة والاطاع على التحولات السياسية والثقافية الحادثة في العالم، ونقل الجمال عبر مسارحها بهيئات قصور الثقافة.
واقعيًا، كان يفترض أن تحارب وزارة الثقافة، الإرهاب مثا، بالفكر والثقافة وتؤدي دورًا محوريًا في هذا الصراع. لأن الأمور لو تحولت لذلك، فما الداعي إذن لوزارة ثقافة؟.
في ظني، أن المشكلة الأولى والأساسية في وزارة الثقافة أنها يجب أن تحدد موقعها: هل هي لخدمة المواطن أم لخدمة سلطة؟ وبناء على الإجابة، التي نعرفها جميعًا لأننا جربناها، يمكن أن نقول هل تؤدي وزارة الثقافة دورها أم أنها مقصرة؟. أقصد دورها فيما سعت إليه، لا دورها الذي يجب أن تقوم به في دولة تنتمي للعالم الثالث وتصل نسبة الأمية فيها ل 40 % وتستقي الناس معلوماتها من منابر الجوامع وبرامج التوك شو.
لو تأملنا قليلاً سننتبه إلى أن مسارح الدولة، خاصة في الأقاليم، لا تزال مغبّرة، وأن فروع هيئة قصور الثقافة بائسة أكثر من ذئب الفرزدق، وأن المجلس الأعلى للثقافة بدلاً من أن يضع استراتيجية للثقافة يحتاج لمن يضع له استراتيجية، وأن المركز القومي للترجمة، الذي كان مشروعًا طموحًا، تحول إلى هيئة أخرى ميتة داخل الوزارة بعد أن تراجعت موارده وصعب عليه شراء حقوق الملكية الفكرية.
وإذا كانت وزارة الثقافة أيام فاروق حسني )كيف بتنا نتحسر عليها الآن؟( كانت مهتمة بتنوير "الجبلاية" وحدها، فالواضح لي أن وزير الثقافة غير مهتم حتى بتنوير "الجبلاية".
***
أدهم العبودي .. بلاغ إلى الرئيس
لماذا فشلت وزارة الثقافة مثل هذا الفشل المتلاحق أثناء تولّي "حلمي النمنم" الوزارة؟ "حلمي النمنم" مثقّف كبير، واعٍ، وله مكانة بن المثقّفن، لكن هل ثقافة الفرد أمر وفعل الثقافة أمر آخر؟ هل يُكن أن نزعم أنّ "النمنم" فشل إداريًا؟ بالطّبع لكلّ مسئول كبوات، و"النمنم" له ما له، ولكن عليه الكثير، فإذا انصرفنا قليلاً لبعض الملفّات الثقافية، سنجد أنّنا أمام مهزلة كُبرى، ملف "الأقصر عاصمة الثّقافة العربية"، مجرّد جلسة واحدة جلسها "حسن خاَّّّّّّف" مدير قطاع مكتب الوزير، مع محافظ "الأقصر"، وبعض المثقّفن، لم تُسفر عن شيء، بل فاجأ الجميع بأنّ برنامج العام معدّ سلفًا، وهو برنامج هزيل، لا يرقى لطموحات المثقّفن في "الأقصر"، ولا حتّى للحدّ الأدنى، ومع اشتعال اللّغط، وهجوم المثقّفن على الوزارة، تمّ إلغاء البرنامج، وماذا حدث بعدها، لم يحدث بالطّبع أيّ جديد!
الأمر لا يعدو كونه أكثر من سبّوبة، هذا حقيقي، فالذي يرصد ويتأمّل، يجد أنّنا أمام تسويات مالية، ومكافآت غير مستحقّة، وخلافه، فقط من أجل أنّ "الأقصر" تمّ اختيارها عاصمة للثّقافة العربية، وماذا بعد؟!
كما حدث مع ملف "القاهرة"، حيث عمد الوزير وموظفو الوزارة من تجميد الملف، وعدم تقديمه لمنظّمة "اليونسكو"، ليقع الاختيار على "الشّارقة" في نهاية المطاف عاصمة عالمية للكتاب، وتضيع "القاهرة"، بوزارتها ومؤسسّاتها وموظّفيها ومسئوليها ومثقّفيها أدراج الرّياح، ثمّ يبقى الحال على ما هو عليه، نحن فشلة أيّها العالم، نحن فشلة يا سادة، نحن وزارة عقيمة أغلقت أكثر من أربعة عشر سلسة للنّشر في هيئة الكتاب، وزارة لها ثمانية أشهر لم تستطع اختيار رئيس لهيئة قصور ثقافتها، وكأنّنا هواء، فراغ، لا يوجد ولا مثقّف واحد قادر على إدارة مؤسّسة من مؤسّسات وزارة الثّقافة، مؤسّسة تلتهم ملاين الجنيهات سنويًا من أجل عيون الوزير، وإرضاء الوزير.
فهل لا يُعد هذا إهدارًا للمال العام سيادة الرئيس؟
***
سالي رياض .. تجريف ثقافي متعمد
عدت لتوي من اجتماع مكتبة الإسكندرية بمدينة الثغر في لقاء دعى إليه الدكتور مصطفى الفقي مدير المكتبة مع نخبة من المثقفن والمفكرين والإعلاميين حيث يهدف اللقاء الذي عقد على مدار يومين للاستماع إلى آرائنا وأفكارنا في تنمية وتطوير و تعظيم دور المكتبة الثقافي، وفي المؤتمر ناقشنا ملف الثقافة المصرية بشكل عام إذ أنها تمر منذ سنوات بتجريف متعمد، فبعد عام من تولي وزير الثقافة الحالي لحقيبتها ونحن لم نلحظ أي رؤية تمنحنا بريق أن القادم أفضل، ونهج الوزير الذي كان يترأس دار الهلال التي طلبت شهادتي على صفحاتها وأثمن للدار جرأتها ومهنيتها علي تلك المساحة.
أنا واحدة من الموقعن على بيان المطالبة بإقالة الوزير لأني باختصار أمهلته وقتاً كافياً ولست وحدي، كثير من مثقفي مصر يرون الوزير قد أستوزر وفقد الأصدقاء والملتفن من حوله منذ دخل في آليات العمل الوظيفي.
قطاع الفنون التشكيلية يجري تخريبه والأعمال الفنية تسرق جهاراً نهاراً وأحيل القارئ إلي منهجة هدم المباني ذات الطراز المعماري المتميز التي تتبع وزارة الثقافة ممثلة في الجهاز القومي للتنسيق الحضاري وهو حديث ذو شجون بعض الأجهزة التنفيذية تسهل وتمرر وبعض رجال القضاء يحكمون بالمخالفة لقانون التنسيق الحضاري الذي يحظر الهدم إلا بقرار للجنة التظلمات وأصحاب المباني يعملون علي تخريب المباني عن عمد وقد قدمنا مشروعاً لإعادة تطوير تلك القصور وتحويلها إلي مراكز ثقافة أو موتيات أو محال تعرض الحرف الشعبية والتقليدية وبعض المستنسخات لكن صم الجميع أفئدته.
***
شوكت المصري .. لا رؤية .. ولا استراتيجية
أزمة وزارة الثقافة تتجاوز مرحلة تولي حلمي النمنم لحقيبة وزارة الثقافة وتتجلى في رؤية النظام ككل للوزارة وأهميتها وضرورتها في المشهد السياسي والاجتماعي والاقتصادي العام، ويتحدد هذا بطريقةةاختيار الشخص الجالس على مقعد الوزير بالقصر الكائن بشارع شجرة الدر بالزمالك؛ حيث يتم اختياره دونما رؤية تتفق ومتطلبات المرحلة لتتوافق رؤيته مع التوجه العام للدولة، بل ويتم اختياره أحيانا دونما الالتفات لمدى امتلاكه لاستراتيجية منظمة وفاعلة في إدارة قطاعات الوزارة وبا أهداف معلنة أو غير معلنة أصا. وهو ما يتجسد بامتياز في اختيار الوزير السابق د. عبدالواحد النبوي والوزير الحالي أ. حلمي النمنم بعيدا عن قيمتهما الشخصية خارج هذا المنصب.
فالمتابع المهتم لوضع الوزارة وقطاعاتها ومشروعاتها وسياساتها في المرحلة الحالية والتي هي امتداد للمرحلة السابقة عليها سيسهل عليه اكتشاف غياب كلي للرؤية وانعدام وجود استراتيجية في الإدارة والتطوير بل وفي حل المشكلات القائمة التي لا يتم مقابلتها إلا بالتجميد والتسكين، وهو ما حدث على سبيل المثال لا الحصر في أزمة موظفي قصور الثقافة ومستحقاتهم أو كارثة عام الثقافة المصرية الصينية أو ملف اختيار القاهرة عاصمة عالمية للكتاب أو أزمة إغلاق 70 % من مواقع قصور الثقافة، وكذا في التخبط في اختيار القيادات ثم الإنهاء لها. كما أن أزمات أكاديمية الفنون المتكررة والمتطورة، والتي لم يتدخل فيها الوزير بحجة أن الأكاديمية لا تتبعه مباشرة، هي أكبر الأزمات التي في رأيي ستكون كارثة مستقبلية ، فالأكاديمية التي ستحتفي عام 2019 بيوبيلها الذهبي والتي تعد أول جامعة للفنون في الشرق الأوسط كله، تعاني من أزمات إدارية وقانونية ومالية متعددة تهدد مستقبل الفن والإبداع في مصر. فلماذا يتنصل الوزير من مسئوليته عن الأكاديمية؟!
***
عبد الرحيم يوسف .. النمنم في مقام الحيرة
بدايةً لماذا كان يجب أن نستبشر بمجيء النمنم وزيرا للثقافة؟ هل لكونه مثقفا كبيرا وصحفيا وباحثا بارزا؟ لكن من سبقوه في سنوات ما بعد الثورة من أمثال د. عماد أبو غازي ود. شاكر عبد الحميد ود. جابر عصفور هم مثقفون كبار ولهم إسهامات مهمة في الحقل النظري والثقافي كباحثين وأساتذة أكاديمين.
فهل كان الأمر مبشرا لتفوقه مثا في الجانب الإداري وإلمامه بدهاليز العمل في وزارة الثقافة ومؤسساتها العديدة؟ لكن د. جابر عصفور مثلا قضى سنوات طوالا في أروقة ومطابخ هذه الوزارة وشارك مشاركة كبيرة في صياغة شكل أدائها منذ تسعينات القرن الماضي في حدود علمي، وبما لا يقاس بخبرة الأستاذ حلمي بها. لذلك وفي الحقيقة عن نفسي لم أتوقع الشيء الكثير. بل ربما كان أقصى ما أطمح إليه أن تستمر قليلا ما بدت وكأنها صحوة في النشر الثقافي خلال العام السابق على مجيء الأستاذ حلمي، وخاصة النشر في الهيئة العامة للكتاب بسلاسلها مثل الجوائز أو مجلاتها مثل عالم الكتاب وإبداع. أقول هذا لأني في الحقيقة لا أملك طموحا كبيرا فيما يتعلق بتغيير سياسات العمل في هذه الوزارة الضخمة ومؤسساتها الشائخة، ولست كذلك من المؤيدين لإلغائها نظرا لاعتبارات كثيرة لا يصلح المقام هنا لتفصيلها. وبما أن كلا يغني على ليلاه فأنا أتعامل مع وزارة الثقافة كقارئ يستفيد من إصداراتها رخيصة الثمن والتي يأتي بعضها على جانب كبير من الأهمية.
بالنسبة لي كنت أرى الأستاذ حلمي حريصا على العودة لشكل أداء الوزير الموظف المنفذ لرؤية الدولة ومتطلباتها السياسية، فإذا كان الأمر يتطلب عودة لسياسة إثبات النجاحات والكرنفالات، فأها بحفات الافتتاح والمؤتمرات والمهرجانات. وإذا كان الأمر يتطلب تجييشا ضد الإرهاب، فأهلا بوضع الكلمة في عناوين جميع الفعاليات الثقافية.
أما مساندة المجتمع المدني العامل في مجال الثقافة الذي عملت فيه لأكثر من ثلاثة عشر عاما والذي يعاني الاختناق والموت فهو أمر لا توليه الوزارة أي اهتمام.
***
عزة سلطان .. لا تعمل.. فلا تخطىء
كابنة مخلصة لقصور الثقافة تعلمت في أيامي الأولي، ذهبت لبيت ثقافة القرية التي أسكنها وهناك تحدثت في ندوة كمتحدث رئيسي وأنا ابنة الأربعة عشر عامًا، في هذا اليوم قمت بعرض كتاب. توالت مشاركاتي مع بيت الثقافة ثم قصر ثقافة المدينة حين كانت هذه الأماكن ملتقانا ومدرستنا.
حين كبرت سمعت عن تدجن المثقفين ودخولهم الحظيرة؟ حظيرة وزارة الثقافة كما يسمونها!، والحقيقة أن التدجين لم يكن بدخولنا ولكن كان بالتشتيت وحالة التفتيت المنظم التي تعاقب عليها الوزراء.
ثمة لعنة في كرسي الوزارة تمس من يقترب، فأكثر المثقفن فهمًا للفجوة التي تحدث وبمشاكل الثقافة كان يتحول لشخص لا أعرفه بعد أن يجلس علي مقعده مطا علي النيل.
بهت دور قصور الثقافة وتحولت أنشطتها إلي مجرد بيانات علي الأوراق وشيئا فشيء يُطرد الكُتاب والمثقفن من أي مكان به احتمالية أن يلتقوا. هل يمكن أن تذكر ثلاثة أماكن ثقافية ذات أنشطة دورية وفاعلة؟
أين دور عرض السينما التي كانت في قصور الثقافة في المدن؟ أين المسارح؟ أين الفرق؟ أين نتاج هذه القصور من مثقفي وفناني الأقاليم؟ لا تغويني الكلمات الرنانة ولا تغريني كثرة العناوين التي تصدر ويتم حفظها في المخازن با أدني دعاية أو ترويج، لم أعد التفت للشلل والمصالح، ولا أغضب من تكرار أسماء بعينها وتغافل عمدي عن مثقفين وكُتاب. الوزارة والحكومة غير معنية بالثقافة أو الوعي ومن ثم ما يحدث هو فقط لتسديد الأوراق، حتى هؤلاء القلة المحدودة الذين يسعون لعمل جاد تذوب جهودهم أسفل تراكمات من البيروقراطية، بل إن الأمر يصل إلي حد استبعاد من ينجح منهم أو محاولة وشمه بفساد ما. الحكومة -وتشمل وزارة الثقافة- تعمل وفق مبدأ أصيل: «لا تعمل فلا تخطئ »، وزراء وقيادات في أغلبهم جاءوا بنظام الوالي المملوكي فترة محدودة ويرحل كل منهم منشغل أن يخرج بصفحة بيضاء غير موصومة بفساد أو أخطاء أو حسبة. باختصار نحن لم يعد لدينا فعل ثقافي ولا فعل دال علي الثقافة.
***
عمرو العادلي .. دور النشر الحكومية حق يراد به باطل
لا يكاد يوجد بيت في مصر لم يقتن كتب مكتبة الأسرة )أنا شخصيا ربع مكتبتي من إصدارات مكتبة الأسرة( ولكن في السنوات القليلة الماضية ترهل المشروع وأصبح يستوعب أعمالا عجيبة لا تستحق النشر أصلا، وبعض الكتب كان يطبع في مؤسستين حكوميتن في آن واحد )كما حدث مع مذكرات مجنون. طبع في الهيئة العامة لقصور الثقافة وسلسلة الجوائز( هذا غير الأخطاء المطبعية والإملائية الفادحة التي أصبحت كالملح في الطعام، أي لابد منها دائما وأبداً، )الأعمال الكاملة لديستويفسكي نموذجاً( طيب؛ ما الحل، أنا لست مع الآراء التي تريد أن تحرق البيت من أجل قتل فأر، فمثل هذه المشاريع بدأت بطموح كبير وتحققت منه نسبة لا بأس بها، ولكن من أجل أن يعود المسار صحيحا مفترض أن يتذكر القائمون على تلك المشاريع ما السبب في إقامتها أصلا، ما السبب الذي صرفت من أجله الميزانيات ونُظمت المهرجانات والندوات والمعارض؟ أنا تخلصت منذ مدة طويلة من نزعتي النوستاليجية، لا أحن لماض كانت فيه الأمور على ما يرام، فمنذ وعيي وأنا أرى مثل هذه التجاوزات، ولكن لا يمنع ذلك من أنني استفدت كثيرا من الدعم المقدم على أسعار مطبوعات هذه المؤسسات.
المؤسسات الثقافية كأغلب المؤسسات المصرية، ضربها العجز وهدها الروتين، لذا فهي لا تحتاج فقط لقيادات شابة أو سن قوانين، يفترض قبل ذلك أن نعرف بدقة ما الذي نحتاجه من تلك المشروعات في الوقت الراهن.
***
ياسر شعبان .. كرسي المقهى أبقى
انطفأت أنوار وزارة الثقافة في أقاليم مصر فا عروض فنية أو مسرحية أو ندوات وقوافل ثقافية، ولا فعاليات ثقافية دولية ناجحة، بما في ذلك العام الثقافي المصري الصيني الذي مرّ دون انجاز يذكر، وتبع ذلك عدم اختيار القاهرة عاصمة للكتاب. كذلك تراجع النشر في هيئتي الكتاب وقصور الثقافة والمركز القومي للتر جمة .
واستعان الوزير بمجموعة من المقربين له وقام بتدويرهم بن المواقع الثقافية المختلفة وكأن الوزير ومن استعان بهم لم يحتجوا كثيرًا في السابق ضد سيطرة الشللية على وزارة الثقافة التي قضت على أجيال وأجيال وأصابت الثقافة المصرية بالوهن والترهل. فهل اختلف الوضع الآن؟
لا عداء أو مصلحة شخصية بيني وبين الوزير وباقي قيادات الوزارة، لهذا أسألهم جميعًا وبصدق لماذا تفعلون عكس أقوالكم السابقة؟ لماذا الاشتراك في تفيكيك مؤسسات وزارة الثقافة وتفريغها من الكفاءات؟
لماذا دفعتم كل الأنشطة والفعاليات لهذا الموات؟ وأسأل المشتغلين بالثقافة لماذا هذا الصمت على ما فعله ويفعله وزير الثقافة الأستاذ حلمي النمنم رغم أنه نفذ ما دفعكم للثورة ضد الوزير السابق د. جابر عصفور حتى رحل عن الوزارة؟ وأخيرًا أقول للأستاذ حلمي النمنم.. تذكر يوم ترحل عن كرسي الوزارة، فالسلطة مؤقتة مهما أوحت لنا بغير ذلك، وتعود لكرسيك على المقهى، ماذا ستقول لرفاقك من المشتغلين بالثقافة والصحافة عما حدث في عهدك؟