بقلم : محمد الشافعي
استطاعت المطربة شيرين عبدالوهاب أن تشغل الناس خلال الفترة الماضية ليس بفنها وغنائها.. ولكن بأخطائها وتجاوزاتها وسقطاتها ورغم أن صوت شيرين من أحلي الأصوات العربية الموجودة علي الساحة الغنائية - بل إن البعض يراه الأحلي- إلا أن المطرب ليس مجرد صوت وفقط ولكنه «منظومة متكاملة» يمثل الصوت إحدى مفرداتها وأحيانا لا يكون أهم هذه المفردات.. والتي تشمل الثقافة والسلوكيات والذكاء الاجتماعي ....إلخ... وقد شهدت ساحة الغناء العربي العديد من الأصوات التي امتلكت تلك «المنظومة المتكاملة» ويأتي في مقدمتها سيدة الغناء العربي أم كلثوم.. والعندليب عبدالحليم حافظ.. واللذان تمثل سيرة كل منهما «النموذج» الذي يجب أن يحذوه ويسير علي دربه كل مطرب يبحث عن التميز والخلود.. وهناك العديد من الأسباب التي وضعت أم كلثوم وعبدالحليم في تلك المكانة شديدة الرفعة والتألق... نتوقف أمام بعضها فقط.. لنري شيرين وغيرها من الفنانين الذين يسقطون في «ضجيج الأضواء» كيف يحترم الفنان الحقيقي فنه.. ليحصل علي احترام جمهوره .. وليحفر تاريخه علي جدران الخلود..
أولاً: رغم بساطة وتواضع البدايات.. أم كلثوم تنتمي إلي قرية طماي الزهايرة في المنصورة وجابت القري والنجوع وهي طفلة مع والدها لتنشد وتغني.. وعبدالحليم ابن قرية الحلوات في الشرقية وقد تربي في ملجأ للأيتام.. ورغم تواضع هذه البدايات إلا أن كلا منهما استطاع باجتهاد حقيقي .. وجهد خلاق .. أن يحول تلك «الموهبة الفطرية» إلي صرح عملاق من الفن والإنسانية.. وشيرين أيضا تمتلك تلك البدايات البسيطة والمتواضعة ولكنها اكتفت بحلاوة الصوت وأهملت كل العناصر التي تحفظ وتحافظ علي قيمة هذا الصوت.
ثانياً: حرص كل من أم كلثوم وعبدالحليم.. علي العيش وسط دائرة عملاقة من أهل الفكر والثقافة والفن فالسيدة أم كلثوم أحاطت نفسها بجيش من العمالقة نذكر منهم الشيخ أبوالعلا محمد والشيخين مصطفي وعلي عبدالرازق والأستاذ أحمد رامي والقصبجي ثم مع مصطفي وعلي أمين ومحمد حسنين هيكل ..إلخ .. وعلي يد رامي قرأت عيون الشعر العربي وأمهات الكتب.. وسار العندليب علي نفس الدرب فعاش وسط الكبار والعمالقة أمثال الشاعر كامل الشناوي والموسيقار عبدالوهاب وإحسان عبدالقدوس ومصطفي وعلي أمين وهيكل وأبناء جيله الموجي والطويل وبليغ والأبنودي ...إلخ وهؤلاء العمالقة من أهل الفكر والثقافة والفنون والأدب لابد أن يتركوا بصمات واضحة في عقل وروح كل من يقترب منهم.. ولذلك استطاع العملاقان، أم كلثوم والعندليب، أن يتواصلا ويتحاورا مع كبار الساسة والأدباء والمفكرين في كل الوطن العربي وكان استقبالهما في كل بلدان الوطن العربي أقرب ما يكون من استقبال القادة والزعماء وسوف نظلم شيرين لأنها ظلمت نفسها أولاً إذا وضعناها في مقارنة مع الست والعندليب.. فغالبا هي لم تقرأ كتابا في حياتها ولم تقترب من دائرة المفكرين والأدباء والمثقفين ولذلك فليس غريبا أن يصدر عنها كل هذا الكم من الأخطاء والتجاوزات.
ثالثاً: الفن الحقيقي متعة ورسالة.. تصدر المتعة عن الموهبة الفطرية.. التي يهبها الله للفنان أما الرسالة فتحتاج إلي أن يتعلم الفنان متى يصمت ومتي يتكلم .. وماذا يقول عندما يتكلم.. وكيف يختار ما يقدمه من فن.. والأهم كيف يختلف مع الآخرين بل وكيف يصنع ويدير معاركه إن كان مدمنا للأضواء ولو من خلال اختلاق المعارك مع الآخرين.
فكثيرا ما خاض العملاقان أم كلثوم وعبدالحليم معارك فنية وغير فنية ولكن «بمعلمة» وحرفية والأهم «بأدب» وليس علي طريقة «حوش بردق» و«فرش الملاية».
رابعاً: الفنان مثل الفراشة، والإعلام مثل الأضواء الملتهبة ولذلك فإن الفنان الحقيقي هو من يمتلك القدرة علي الاقتراب بحساب من تلك الأضواء والأهم أن يحرص علي أن تكون الأضواء حول فنه وليس حول شخصه أو سلوكياته وتصريحاته الفجة مثلما تفعل شيرين.. والتي تصنع معاركها وتخوضها بكثير من العشوائية، ولن نغالي إذا قلنا إنها تقترب من «السوقية».
وفي النهاية نتمني أن تتعلم شيرين من تجارب وسير العمالقة الذين حافظوا علي فنهم وسمعتهم أيضا.. ونتمني أن تتفرغ لفنها وأن تحرص علي تقديم الطرب الذي يليق بموهبتها ولعلها تتذكر كم حزنت في بداية مشوارها عندما وصفها صديقنا محمود سعد بالمطربة «البيئة».. وللأسف الشديد فإن سلوكياتها بعد كل هذه السنوات لم تخرج كثيرا عن هذا الوصف.