سلطت مجلة "ذا ديبلومات" الأمريكية، المتخصصة في الشئون الآسيوية، الضوء على ضعف استراتيجية الولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ والنابع من عدم التزامها بشكل كامل بحلفائها في المنطقة، ما يجعل النفوذ الصيني المتصاعد له اليد العليا في هذه المنطقة الحاسمة.
وأشارت المجلة في مستهل تقرير لها إلى أنه مع إطلاق واشنطن "الإطار الاقتصادي للازدهار بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ" في مايو 2022، سعت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى إعادة بناء بصمة الولايات المتحدة عبر منطقة آسيا والمحيط الهادئ، حيث يسعى الإطار إلى مواجهة الوجود الاقتصادي والعسكري الصيني المتنامي في جميع أنحاء المنطقة من خلال إعادة التأكيد على القيم الديمقراطية الليبرالية، والنظام الدولي القائم على القوانين، وتحديات تغير المناخ، والتنمية الاقتصادية.
ونوهت المجلة إلى أنه من ناحية أخرى، فإن الاهتمام الجيواستراتيجي المتجدد للولايات المتحدة بالمنطقة وضع الدول الأصغر وحلفاء الولايات المتحدة القدامى في موقف غير مريح مع اضطرارهم إلى إعادة التوازن في علاقاتها مع الصين والولايات المتحدة بطريقة تجعلهم يتورطون في المنافسة الاستراتيجية الصينية-الأمريكية دون معالجة مخاوفهم الخاصة.
ووفقا لـ"ذا ديبلومات"، فإن التواصل الجديد للولايات المتحدة مع منطقة آسيا والمحيط الهادئ لم يطرح بُعدًا اقتصاديًا وتجاريًا قويًا.. وذكرت المجلة أن الاستراتيجية الأمريكية الحالية تجاه منطقة آسيا والمحيط الهادئ تركز أكثر على القوة العسكرية والتعاون الأمني وأدوات اقتصادية وتجارية مشوهة مثل التعريفات الجمركية وضوابط التصدير، لافتة إلى أن هذا الاعتماد على الأدوات العسكرية أو عقوبات التجارة والاستثمار رديئة التصميم (مثل قرارات إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، عندما فرض تعريفات جمركية على تصدير صناعات كبرى إلى الولايات المتحدة، مثل الألمنيوم، دون وضع إعفاءات للدول الحليفة)، هو ما يقوض أهداف الولايات المتحدة الاستراتيجية في المنطقة.
وأوضحت أنه بدون منح دول آسيا ودول المحيط الهادئ إمكانية الوصول إلى الأسواق الأمريكية وتقليل الحواجز التجارية والاستثمارية، لن تتمكن واشنطن من توفير بديل قابل للتطبيق للأنشطة الاقتصادية والاستثمارية الصينية في المنطقة، كما أنه سيحول دون ممارسة القوة الناعمة للولايات المتحدة بينما تواصل الصين محاولاتها لنزع الشرعية عن مصالح الولايات المتحدة ووجودها وأفعالها وتوفير رواية بديلة عن المشاركة الغربية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ باعتبارها عنصرية واستعمارية واستغلالية، على حد قول المجلة.
وعن سياسة الولايات المتحدة السابقة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، نوهت "ذا ديبلومات" عن رؤية إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما تجاه آسيا، حيث جرت في عهده المفاوضات التي أدت إلى اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ (TPP) التي تضم 12 دولة، وكان من المتوقع أن تساهم الشراكة عبر المحيط الهادئ في نمو الولايات المتحدة بشكل إيجابي، كما كان من المرجح أن تعزز نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة.
ولفتت المجلة إلى أن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بعد توليه السلطة؛ اتبع مفهومه الشعبوي حول الصناعة الأجنبية التي تتقدم "على حساب الصناعة الأمريكية"، ولذلك أقدم على انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية في أول يوم له في منصبه، إلا أنه في المقابل استمرت الـ11 دولة المتبقية في الاتفاقية، بعد تعديل بعض أحكام الاتفاقية التي كانت مرغوبة بشكل خاص للولايات المتحدة، وهي مجموعة من الدول التي تمثل مجتمعة حوالي 13.4% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
أما إدارة الرئيس الأمريكي الحالي بايدن، فقد طرحت عروضها الاقتصادية للمنطقة عن طريق الإطار الاقتصادي الهندي والمحيط الهادئ الذي أُعلن عنه في أكتوبر 2021، ويركز الإطار على معايير العمل والبيئة العالية، وتدفقات البيانات الرقمية المفتوحة، والتجارة المفتوحة الحرة ومعايير الاستثمار، ومرونة سلاسل التوريد، وفقا للمجلة.
وبحسب "ذا ديبلومات"، فإن الإطار الاقتصادي بين الولايات المتحدة ودول منطقة المحيطين الهادئ والهندي لم يصبح إلا خطة هشة نسبيًا لتلك الدول التي تسعى إلى تقليل اعتمادها الاقتصادي على الصين أو تحويل الاقتصاد السياسي في المنطقة.
وذكرت المجلة أن العجز في التمويل الكافي لتنفيذ الخطط بين الولايات المتحدة ودول المحيطين، بالإضافة إلى الفشل في توفير آلية لاقتصادات منطقة آسيا والمحيط الهادئ للوصول إلى سوق الولايات المتحدة هي أخطاء هائلة، لافتة إلى أن عدم وجود أي اهتمام واضح داخل إدارة بايدن بشأن الانضمام إلى الشراكة مع دول المحيط الهادئ أو توفير الوصول إلى السوق بموجب الإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين، يعزز ببساطة فكرة عدم استغناء الولايات المتحدة عن ممارسات الأحادية والانعزالية المشوهة للتجارة التي طبقها ترامب خلال عهده، وذلك رغم تغيير بايدن الخطابات والأهداف.
وعلى الجانب الآخر، فإن الصين دخلت في شراكة اقتصادية إقليمية شاملة تضم العديد من حلفاء الولايات المتحدة وتغطي ما يقرب من 30% من سكان العالم، وبحسب المجلة، فإنه رغم عدم شمول الاتفاقية الصينية مقارنة بالأمريكية، إلا أن الاتفاقية ترسم تصورا لتكتل اقتصادي بقيادة الصين في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وبناء على تلك المعلومات فإن الولايات المتحدة لم تفعل شيئًا يُذكر لمنع الصين من أن تصبح مركزًا مهيمنًا للاستثمار والتجارة في العالم، بل وقد تمنحها نفوذاً إضافياً على الخيارات الجيوسياسية التي يجب على دول المنطقة اتخاذها.
وشددت المجلة على ضرورة تغيير الولايات المتحدة لمسارها بتشجيع المزيد من التجارة والاستثمار في جميع أنحاء منطقة المحيطين، خاصة وأنه في كثير من بلدان تلك المنطقة فإن الولايات المتحدة دائما ما توضع في خانة الشريك الأمني، متخلفة عن الصين التي تعتبر الشريك التجاري والاستثماري الرئيسي لدول المنطقة، ولذلك فإنه على إدارة بايدن تجنب الإغراء السياسي بالانصياع إلى الانعزالية الشعبوية "أمريكا أولاً"، كما يجب أن تعيد تشكيل ديناميكيتها الاقتصادية وعلاقاتها في المنطقة في وقت أصبحت فيه اقتصادات آسيا والمحيط الهادئ أكثر تكاملاً دون مشاركة كبيرة من الولايات المتحدة.
ورأت المجلة أنه رغم التأثير السلبي للعولمة على العمال الأمريكيين في بعض الصناعات، حيث خلقت اضطرابات اقتصادية واجتماعية ساهمت في تغيير المشهد السياسي الأمريكي، إلا أن نظام التجارة والاستثمار العالمي الحر يدعم التزام دول الغرب بالديمقراطية الليبرالية والديناميكية الاقتصادية، لكن في المقابل فإن السياسة الأمريكية منعت إدارة بايدن من الانخراط بشكل كبير اقتصاديًا في المنطقة بسبب الصين، وهو ما أدى إلى أضرار جانبية كبيرة لحلفائها وشركاء الولايات المتحدة.
واختتمت المجلة تقريرها بالتشديد على ضرورة انضمام الولايات المتحدة إلى الاتفاقية الشاملة للشراكة عبر المحيط الهادئ، وهو ما من شأنه أن يغير بشكل أساسي البيئة الجيواستراتيجية واتخاذ القرارات الحكومية الفردية في جميع أنحاء المنطقة، كما أنه سيوفر مزايا اقتصادية للعمال والشركات الأمريكية التي تم إقصائها من أسواق هذه المنطقة.