السبت 20 ابريل 2024

استثناء من القاعدة

مقالات23-2-2023 | 12:28

استثناء هو من القاعدة، لا يحكمه قواعد المنطق، وحينما تتسرب له خوارزميات العقل يفقد معناه الحقيقي، ويتحول لعلاقة تحكمها تلك الخوارزميات التي تنظم علاقات تبادل المنفعة، إنه حالة من حالات الخدر التي نفقد فيها تلك الحالة من الإدراك لكل شيء، لا يمكن أن نضع شرطا مسبقا له.. إنه الحب في كل صوره. 

يقول شمس الدين التبريزي، في العشق الإلهي «لو كانت الجنة والنار بيدي لأحرقت الجنة واطفأت النار.. لنُحِب الله حباً خالصاً وليس عن خوف أو طمع»، وفي مقوله آخرى يقول «يمكن لأي شخص أن يختارك في توهجك، لكني أنا سأختارك حتى حين تنطفئ، تأكد بأني وإن رأيت النور في غيرك سأختار عتمتك»، هكذا يكون الحب اختيار للمحبوب في كل الحالات، والقدرة على العشق حتى في أصعب الأوقات. 

العشق يقفز على كل الحواجز فهو كالجواد الجامح، يجتاح الروح دون استئذان، لا يستطيع العاشق أن يقبض على تلك الروح التي تجتاح القلب فيظل ينبض بالحياة، كانت قصة حب غسان كنفاني و «غادة السمان»، واحده من أهم وأبرز قصص الحب الاستثنائية، كانت عوائق ارتباطهم الرسمي عديده ومتداخلة، كان اختلاف العقيدة أبرزها وزواج «كنفاني» ووجود أسرة له ثانيهما، وبرغم تلك المعوقات، امتلكت «غادة» قلبه. 

كانت رسائل «كنفاني» قطعة أدبية نسجها من الياسمين ليجعل منه تاجا لتلك القصة التي خلدتها الرسائل، يكتب لـ«غادة»،« لقد كنت في بدني طوال الوقت ، في شفتي ، في عيني وفي رأسي ، كنت عذابي وشوقي والشيء الرائع الذي يتذكره الإنسان كي يعيش ويعود ، إن لي قدرة لم أعرف مثلها في حياتي على تصورك ورؤيتك ، وحين أرى منظراً أو أسمع كلمة أو أعلق عليها بيني وبين نفسي أسمع جوابك في أذني ، كأنك واقفة إلى جواري ويدك في يدي.»، إنه الاستثناء الذي نبحث عنه دون بوصلة. 

حينما يمكنك أن تسمع آنين الروح، وتتحمل آلام البعد، ثم تعود لك الحياة مع همسه أذن فأنت هنا أمام حالة استثنائية، لا تبحث لها عن سبب منطقي، بل يمكنك أن تدركها بقلبك فقط، تأكد أنك مسكون بالعشق، كأنك درويش مجذوب يسكن محرابا لا فرار منه. 

الحب تراتيل ناسك في محراب المعشوق، قد لا تسمع صوت المرتل لكن الروح تشعر به، تدركه بالحدس القلبي، ان لذة عشق الروح أمر مختلف عن ذلك التعلق بالجسد الفاني، فغواية الجسد تذهب، أما عشق الروح فهو الفؤاد المسكون بالعشق الذي يتخطى كل الحواجز، يعبر كل الخوارزميات، لا يحتمل خيارات وتفسيرات المنطق. 

«إن الحب غني عظيم يمكن أن يهب لنا الكون كله، وأن يجعلنا نكفر لا عن خطايانا وحدها بل عن خطايا الآخرين أبضا» كما وصفه «دوستويفسكي»، لا يمكن أن يشعر بلذة المغرمين بالحب إلا الانقياء وبعض الانقياء معذبين بالهوى، ما بين العشق الصوفي وحب المغرمين وريدا من عشق، وبعض العاشقين في رضا. 
لم أجد أجمل من كلمات رابعة العدوية

"أحبك حبين: حب الهوى
وحبّا لأنك أهل لذاكا
فأما الذي هو حبّ الهوى
فذكرُ شُغلت به عن سواكا
وأما الذي أنت أهلُ له
فكشفُك الحُجب حتى أراكا
فما الحمدُ في ذا ولا ذاك لي
ولكن لك الحمد في ذا وذاكا» كي تكون ختاما كل عام وأنتم في حب".