قد يعتبر بعض الناس خبر عودة مهرجان الجونة السينمائي للانعقاد في أكتوبر المقبل بعد توقف طال دورته السابقة خبر يخص ويسعد فقط أبناء الوسط السينمائي، لكن الحقيقة التي يغفل عنها البعض أن السينما هي صناعة بكل ما تعنيه الكلمة، فلا شك أن توقف مصنع عن الإنتاج في بلدك خبر لا يسعدك ولا يسعد الجميع، لما يخلفه من قلة فرص العمل والخبرات المكتسبة التي كانت ستضيع على العاملين في هذا المصنع، كذلك الحالة في صناعة السينما وما يتعلق بها من أنشطة وعلى رأسها المهرجانات، فإقامة مهرجان عالمي للسينما على ساحل البحر الأحمر بمدينة الغردقة السياحية هو أمر ينعش السياحة التي تدر على بلدنا العملة الصعبة، فلا شك إنه حين يلتقط نجوم السينما العالمية الصور وفي خلفية تلك اللقطات تظهر معالم المدينة السياحية وساحلها الساحر على البحر الأحمر، فسيحلم أي مواطن في العالم يحب هؤلاء النجوم أن يزور تلك البقعة في مصر مثلما فعل نجمه المفضل، وسينعش ذلك قطاعا كبيرا ومهما في مصر وهو قطاع السياحة الذي يعمل به مئات الآف من المصريين، ناهيك عن إنعاش صناعة السينما ذاتها التي يعمل بها أيضا مئات الآف المصريين، وبعيدا عن فتح أبواب الرزق ولقمة العيش فهناك أيضا القيمة الفنية لمصر وقوتها الناعمة التي تحتاج لبذل مزيد من الجهد للحفاظ عليها وتثبيت الأقدام حتى لا يُسحب بساط السجادة الحمراء من تحت قدميها، فمع كل خطوة يخطوها فنانون عالميون فوق السجادة الحمراء لافتتاح أي مهرجان سينمائي كبير مثل القاهرة أو الجونة هي تثبيت لمكانة كبيرة صنعها الفن المصري السينمائي ورواده عبر ما يزيد عن مائة سنة سينما، لذلك فإعلان القائمون على مهرجان الجونة السينمائي عن موعد إقامة دورته السادسة لتكون في الفترة من 13 إلى 20 أكتوبر المقبل، في مدينة الجونة، هو خبر سار ومفيد وعظيم على كافة الأصعدة، وما يطمئنني بهذا الشأن أن إدارة المهرجان قالت إن التوقف القصير سمح بإعادة النظر إلى الجوانب الفنية والتنظيمية للمهرجان والتركيز على محورية دور المهرجان التي لعبها في دوراته السابقة بمساهمته في تطوير مشهد صناعة السينما إقليميًا وعالميًا، حيث سيستمر المهرجان في الانعقاد تحت رعاية مؤسس مدينة الجونة، المهندس سميح ساويرس، وبدعم من مؤسس المهرجان المهندس نجيب ساويرس.
وتم تنصيب المؤسس المشارك للمهرجان عمرو منسي مديرًا تنفيذيًا للمهرجان، وهو مشهود له بالنجاح فقد ساهم في التأسيس كما أقام من قبل بطولة الجونة الدولية للإسكواش لأكثر من عشر أعوام بنجاح كبير، بالإضافة لمدير المهرجان انتشال التميمي صاحب الباع الكبير في إدارة المهرجان في دوراته السابقة الناجحة كلها، بيان إدارة المهرجان يجعلني أفهم أن الزوبعة التي كانت تثار حول الفساتين كل عام سيتم تحجيمها بشكل أو بآخر حتى يلتفت الناس لما قدمه المهرجان بشكل حقيقي للسينما والفعاليات القوية التي أقامها، وفرص التدريب وتطوير المشروعات السينمائية التي دعمها، وأطالب جمع الصحفيين أن يكون جل تركيزنا على الفعاليات السينمائية أكثر من أزياء الفنانات حتى لا يكون ذلك سببا في تقليل حجم الإسهام الفني الكبير للمهرجان في الحالة والحياة السينمائية.
تبقى نقطة قد يثيرها البعض وهي أننا نمر بظروف اقتصادية صعبة يمر بها العالم أجمع بسبب توابع جائحة كورونا، والحرب القائمة بين روسيا وأوكرانيا، لذلك يرى البعض إنه لا داعي لإقامة المهرجانات ونحن بحالة للتقشف، لأرد عليهم وأقول إن المهرجانات السينمائية الناجحة تسهم في إنعاش الاقتصاد بالأرقام بشكل كبير، وتلفت الأنظار لبلدنا الجميلة مصر ومعالمها السياحية العظيمة، فضلا عن فتح بيوت ناس من أول عمال وصنايعية ونجارين وحدادين وبائعين سوفينرز للأجانب وعمال بوفيه، فالسينما صناعة يكسب منها الغني والفقير.
في النهاية إن إلغاء أى مهرجان فني أو ثقافي أمر محزن للغاية، نريد كل الناس تستبصر ذلك، وتعرف أن الفن والثقافة ليست مجرد سلعة ترفيهية، رغم قناعاتي أن الترفيه شيء مهم للإنسان لكي يتمكن من تجديد طاقته ليستطيع أن يكمل دوره في الحياة تجاه أسرته وتجاه وطنه، أعود فأقول إنه بجانب متعة الترفيه فالفن والثقافة والسينما صناعات ضخمة شأنها شأن صناعات الحديد والصلب والسيارات والتصدير والغاز والأدوية، زد على ذلك الأهمية الخاصة لصناعة الثقافة والفن والسينما في أسر الألباب، وتقديم الدور التنويري الذي تستطيع به أن تقود من خلال أفكارك، لذلك فعودة مهرجان الجونة السينمائي أو إقامة واستحداث أي نشاط فني أو ثقافي آخر هو بمثابة عودة الوعي.