الجمعة 31 يناير 2025

عرب وعالم

"فورين بوليسي": بولندا وأوكرانيا حائط صد أمام أحلام روسيا الإمبراطورية!

  • 25-2-2023 | 10:49

بولندا وأوكرانيا

طباعة
  • دار الهلال

رغم محاولات بث الفرقة بين كييف ووارسو، إلا أن رد فعل بولندا وطريقة تعاملها مع الحرب الروسية – الأوكرانية، ليس سوى ترجمة حقيقية لموقفها الثابت من موسكو، وتخوفها من تطلعات وطموحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الإقليمية. 

ويعود موقف بولندا المتشدد إلى محطات تاريخية من العداء مع روسيا؛ مما تسبب في وضع وارسو في موقع المعارض الدائم لتحركات موسكو تجاه دول أوروبا الشرقية، علاوة على مساعي وارسو لتعزيز العلاقات بين هذه الدول والاتحاد الأوروبي، في محاولة لتطويق ووضع قيود أمام تحركات موسكو الرامية لاستعادة الإمبراطورية الروسية. 

فمنذ انتهاء الحكم السوفييتي في بولندا عام 1989، وخروج آخر جندي منها عام 1993، تسارعت خطوات وارسو العدائية تجاه روسيا، حيث انضمت إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو) عام 1999، وإلى الاتحاد الأوروبي عام 2004، وشكّلت رأس حربة في سياسات أوروبا والولايات المتحدة ضد روسيا منذ ذلك الحين.

وتعد بولندا اليوم الدولة الأكثر دعما لأوكرانيا في الحرب الدائرة مع روسيا، من حيث استقبال عمليات التدريب والتسليح واللاجئين الأوكرانيين، وكذلك من حيث استقبال قوات الناتو وزيادة أعدادها وعتادها في قواعدها العسكرية.

وذكرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أنه رغم المعاناة التي لا يمكن تصورها لملايين الأشخاص الناجمة عن الحرب الروسية المستمرة في أوكرانيا، والضرر الذي ألحقته بالبنية الأمنية لأوروبا، إلا أن هناك جانبا مضيئا للصراع يتمثل في أن وارسو وكييف أصبحتا حليفين أكثر قربا من بعضهما البعض بعد فترات تاريخية من الخلاف والصعود والهبوط في العلاقات الثنائية.

وأشارت المجلة الأمريكية إلى أن شعار "لا توجد بولندا حرة بدون أوكرانيا حرة" الذي يُنسب غالبا إلى الأب المؤسس لبولندا، جوزيف بيلسودسكي، والذي ساهم في وقف "الإمبريالية السوفيتية" عام 1919، يبدو صحيحا اليوم. ففي ذلك الوقت، كان الجيش الأحمر (السوفيتي) يخطط لإشعال ثورة عالمية، لكن القوات البولندية والأوكرانية أوقفته.

ولفتت المجلة إلى أن هذا الشعار يثبت أن فكرة أوروبا بدون أوكرانيا ذات سيادة لم تعد ممكنة. فبالنسبة لكييف ووارسو، فإن ازدهار أحدهما مرتبط بنجاح الآخر واستقراره. وإن حقيقة الارتباط الشديد بين الجانبين تتجسد باختصار في تطابق الأسطر الافتتاحية للنشيد الوطني للبلدين والتي تنص على: "مجد (بولندا/أوكرانيا) لم يختف بعد"، حيث يصور الجانبان من خلال هذه الجملة الافتتاحية سمة فريدة من نوعها من العناد الوطني للبقاء على قيد الحياة ضد التقسيم أو الاحتلال أو العدوان (صياغة تمثل رسالة وتحديا للإمبريالية الروسية).

ونوهت المجلة إلى أن بولندا تتعامل حاليا من منطلق أن أوكرانيا ستتحول بلا شك وبسرعة من كونها مستهلكا للأمن الغربي في الفترة الحالية (بسبب الحروب التي تفرضها عليها روسيا) إلى عنصر مهم للحفاظ على هذا الأمن للمجتمع الأوروبي الأطلسي في المستقبل، معتبرة أن هؤلاء المعادين للإمبريالية المتشابهين في التفكير (أوكرانيا وبولندا) سيساهمون في تحويل مركز الثقل السياسي والعسكري في أوروبا ليتجه نحو شرق أوروبا؛ وهو الأمر الذي سيعيد تعريف الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي لعقود قادمة. 

وترى "فورين بوليسي" أنه لا شيء يزعج بوتين أكثر من العلاقات الوثيقة بين دول شرق أوروبا الوسطى التي كانت ذات يوم جزءا من الكتلة السوفيتية، وعارضت التوسع الروسي في الماضي، بل وساهمت في انهيار الاتحاد السوفيتي، الأمر الذي يعتبره بوتين بأنه "أكبر كارثة جيوسياسية في العالم". 

كما ترى المجلة أن تبني قادة مثلث لوبلين (مجموعة إقليمية تضم ليتوانيا وبولندا وأوكرانيا) إعلانا في منتصف يناير الماضي تعهدت فيه وارسو وفيلنيوس بمواصلة دعم كييف عسكريا، ودعم أوكرانيا للانضمام إلى حلف الناتو بمجرد أن تسمح الظروف بذلك، يدفع "بوتين" إلى "الجنون".

فمن وجهة نظر بوتين، تشكل أوكرانيا وليتوانيا ولاتفيا وإستونيا وبيلاروسيا منطقة رمادية من الدول الصغيرة داخل نطاق نفوذ موسكو، وإن عضويتهم الأوروبية الأطلسية وتطلعاتهم تشكل في رأيه (بوتين) عقبة خطيرة يجب التغلب عليها، حيث بدون إبقائهم تحت "السيطرة الروسية" فلن تكون هناك وسيلة لإعادة بناء وتوسيع نفوذ موسكو. لذا، ليس من المستغرب أن تكون هذه الدول أهدافا للهجمات الإلكترونية الروسية وحملات التضليل والتدخل السياسي والعدوان المسلح. 

وتؤكد "فورين بوليسي" أن العلاقات الاستراتيجية بين وارسو وكييف تتطور حاليا بشكل عملي، وأن التضامن الذي أبداه البولنديون تجاه الأوكرانيين الذين يلتمسون اللجوء من الحرب (إذ تشير التقديرات إلى دخول 9 ملايين أوكراني إلى بولندا منذ 24 فبراير 2022)، لن يذهب سدى، حيث من المرجح أن يتذكر العائدون إلى أوكرانيا بعد الحرب كرم الضيافة الذي أظهره لهم البولنديون، خاصة وأنهم عُوملوا كجزء من المجتمع البولندي، وسيتمكن عدد كبير من البالغين من التواصل باللغة البولندية، وسيتقن الأطفال اللغة بعد قضاء بضعة أشهر أو سنوات في النظام التعليمي البولندي؛ مما سيكون له تأثير إيجابي للغاية في المستقبل. 

كما أنه من المرجح أن يؤثر تطوير الروابط الاجتماعية على العلاقات السياسية المستقبلية بين الدولتين، حيث تشير نتائج استطلاع للرأي العام أجراه مركز "ميريزوفسكي" Mieroszewski في أوكرانيا إلى أن 40% من الأوكرانيين يرون أن بولندا وأوكرانيا يجب أن تكونا جارتين جيدتين، فيما يؤكد 58% من الأوكرانيين أنه يجب على الدولتين إقامة علاقات أوثق والتحالف مع بعضهما البعض، فيما ذهب البعض إلى أبعد من ذلك بالتشديد على أن العلاقات يجب أن تأخذ شكل كومنولث بحدود رمزية وسياسة خارجية مشتركة.

ورغم أن بوتين حاول قدر استطاعته –وفقا لفورين بوليسي- استغلال العداوات القديمة لتقسيم البولنديين والأوكرانيين، حيث انتشرت الدعاية الروسية طوال فترة الحرب حول خطط بولندا السرية المزعومة لاستعادة الأراضي الأوكرانية الغربية التي كانت بحوزتها في الماضي، إلا أن الأمر كان له تأثير معاكس. فقد أصبح المزيد من الأوكرانيين ينظرون إلى بولندا على أنها ليست مجرد صديق بل حليف مهم. وبلغت ثقة الأوكرانيين في الرئيس البولندي نسبة كبيرة وصلت إلى 87 بالمائة وهي الأعلى مقارنة بأي زعيم غربي آخر بما في ذلك الرئيس الأمريكي جو بايدن نفسه (79 بالمائة).

ودللت "فورين بوليسي" على حجم التقارب بين أوكرانيا وبولندا بالإشارة إلى الرسالة التي سجلها رئيس أوكرانيا شهر نوفمبر الماضي للاحتفال بعيد استقلال بولندا، والتي قال فيها: "سيتذكر الأوكرانيون دائما المساعدة التي تلقوها من البولنديين. أنتم حلفاؤنا وأشقاء لنا. كانت لدينا خلافاتنا، لكننا أقارب، ونحن أحرار". 

واختتمت المجلة الأمريكية بأن الشراكة القوية بين وارسو وكييف، والمدعومة من أصحاب المصلحة مثل كندا وبريطانيا والولايات المتحدة، أمر مهم للغاية لإحباط مخططات بوتين، ودعم أوروبا أثناء مرورها بعملية إعادة ترتيب أولويات الأجندات السياسية والاقتصادية والدفاعية في المستقبل، وإلا فإن البديل سيكون ترك أوروبا عرضة لروسيا معادية وعدم الاستقرار في المستقبل.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة