كنت قد كتبت في مقال سابق عن قرب إقامة الحفل الذي كان مقررا للفنان الأفرو-أمريكي/ كيفن هارت، وهو ممثل كوميدي مسرحي أو بالأخص كما يقال عنه (ستاند أب كوميدي)، أو هكذا اشتهر، مستغلاً شهرته في الترويج لأفكاره وأفكار المنظمة التي يتبعها في محاولة القفز على الحضارة المصرية ونسبها للأفارقة أصحاب البشرة السوداء (كما يسميهم هو) black Africans.
المؤلم في الأمر أن أسعار تذاكر الحفل كانت تتخطى آلاف الجنيهات بشكل استفزازي، بما يؤكد حجم المكسب والأرباح التي كان مخططاً الحصول عليها، وهو ما يعكس انعدام معيار الوعي ووازع الوطنية عند كل شخص وقف خلف إقامة هذا الاحتفال، متجاهلاً في ذلك حق هذا الوطن عليهم، مقابل توجه هذا الشخص الواضح جلياً من خلال تبنيه لعدة حملات تتبنى فكر منظمة "الأفرو-سنتريك" أو التوجه نفسه "الأفرو-سنتريزم"، إلى الحد الذي جعله ينتج فيلماً لرسوم متحركة من بطولة ابنته، متناولاً فيه شخصيات الكرتون بملامح لأفارقة أصحاب بشرة سوداء يقومون بتمثيل أدواراً لملوك وملكات مصريين قدماء.
وهو الأمر الذي لا يدع مجالاً للشك في مدى خبث نواياه وفساد أفكاره تجاهنا كمصريين، حيث يتوجه بحديثه دائماً للأفارقة الأمريكان بأنهم يجب أن يفتخروا بالحضارة التي صنعوها في مصر والتي يسكنها حالياً بعضاً من الجماعات العربية المهاجرة التي نسبت تلك الحضارة لهم زوراً، وهي بالطبع أضغاث أحلام ترقى لمستوى التمني المزيف لما لم يصنعوا ولا يملكوا، هي فقط حالة من حالات استرقاق الفخر المزيف (الذي لم يعي أهله حجم تفرده ولا أهميته)، على طريقة النعمة المنسية والمأخوذة على سبيل الضمان، فجاء الطامعون فيه من الشرق والغرب.
ففي الوقت الذي تم الإعلان فيه عن إلغاء حفل كيفن هارت، بعد جهود مضنية من العديد من الغيورين على هويتهم وحضارتهم سواء على وسائل التواصل الاجتماعي أو من المتخصصين في الشأن الأثري، بدأت تتصاعد مجدداً بعض الأصوات في الشمال الأفريقي والجنوب الكوشي والحبشي، والشام، والخليج، معلنين بثقة الخبثاء انتماء الحضارة المصرية لهم، وكأنها أصبحت حضارة لقيطة لا صاحب لا وصانع، يطمع فيها من يطمع، وينسبها لنفسه من ينسب، مستخدمين في ذلك أدلة وبراهين أقل ما توصف بها أنها ساذجة ومضحكة، بالكيفية التي تجعلنا نحن المصريون -بطبيعة الحال- مضطرون إلى الدفاع عن حضارتنا بأشرس الطرق أيضاً، تماماً كما شراسة وفجاجة الأطراف الأخرى.
ففي الوقت الذي تنتشر فيها جداريات وبرديات ومتعلقات الملوك المصريين القدماء على جدران المعابد وفي المتاحف، والتي زارها ورآها ملايين المصريين والسائحين من حول العالم على مدار سنوات طوال، وجب علينا التنويه ولفت الأنظار مراراً وتكراراً أن وجود الأحباش وأصحاب البشرة السوداء لم يكن لهم وجوداً في الحضارة المصرية القديمة إلا كعبيد وأسرى، ولا أدل على ذلك من مركوب الملك توت عنخ آمون الذهبي الصنع، كما لم يأت أي تجسيد لهم في صنائع قدماء المصريين، فكل الرسومات للملوك والملكات والمستشارين وحتى رجال الدين ورجال البلاط الملكي، والعاملين بالحرف، كانت لأناس أصحاب بشرة خمرية بلون يقع بين الأبيض والأسود، تماماً كمعظم المصريين الحاليين، لا شديدي السواد ولا شديدي البياض.
ليس الأمر على سبيل الاستعلاء أو العنصرية بالمرة، لكنه من باب سرد الحقائق والوقائع، ومن باب الدفاع مقابل الاعتداء الغاشم السفيه المتعالي والمزيف أيضاً، فبنفس قدر تبجح كل الأطراف الأخرى، وجب الرد بنفس القوة بل وأكثر، فصحوة المارد المصري وخشيته على هويته وغيرته على حضارته لم ولن ولا ينازعه شعب في الوجود، فمهما طال الصبر والحلم، فللأسد زئيراً لابد وأن يجبر الجرذان على العودة لجحورهم خائبين أذلاء مفضوحين النوايا والتوجهات.
فخورة وأشعر بالزهو بصحوة أبناء وطني، وإن كان واجباً على الإعلام منذ البداية مهمة تنوير وتوعية الداخل، ومواجهة الخارج برسائل الإعلام الموجه، ومازال يقع العبء الأكبر على الجهاز الإعلامي، فهو آلة التثقيف والتوجيه وتكوين الرأي العام الصحي القويم الذي يستحقه المصريون تجاه قدس أقداسهم "مصر الكنانة".
وكعادتي أقول، إن عطس حي شبراً منفرداً في وجه أحد هؤلاء الأطراف المعتدية، لسقط مغشياَ عليه خارج حدود القارة مستقراً في قاع أحد المحيطات شرقاً أو غرباً بحسب اتجاه العدوان.
احذروا صبر المصريين، حتى وإن كانت معركة الوعي يواجهها شعب السوشيال ميديا بمفرده .