صدرت حديثًا عن المركز القومي للترجمة برئاسة الدكتورة كرمة سامي الطبعة العربية من كتاب "مفاتيح المستقبل: لنعيد معا ابتكار المجتمع والاقتصاد والعلم، من تأليف جان ستون ومن تقديم جاك أتالي ومن ترجمة محمد سيف.
في عرض مختصر بقلم المترجم محمد سيف: "يقدم هذا الكتاب، كما يقول جاك أتالي في استهلاله له، تحليلا مبتكرًا للتحولات الاقتصادية والاجتماعية الوحشية التي وسمت هذه السنوات الأخيرة. لذا يمثل فهم العوامل التي تقف وراء هذه التطورات، ودينامياتها، تهيئة لا غنى عنها للتفكير في مستقبلنا، ولتحديد شروط التجديد. فنحن نشهد عالمًا يموت وآخر بصدد أن يولد.
نحن نمر الآن بمرحلة تثير الحماس وتخيف في آن واحد. فهي تثير الحماس، لأنه من المؤثر معايشة تحول لا يحدث إلا كل ثلاثمائة إلى خمسمائة عام في التاريخ الإنساني (كما يقول المؤلف). ومخيفة، لأن خسارة المعالم المألوفة، وتدمير بيئتها المعتادة وعملها، من شأنه أن يدفع بالعديد من الأشخاص نحو اليأس أو العنف. لكونها بمثابة قفزة في المجهول.
هذا الكتاب يعرض التغيرات المجتمعية والثقافية التي مرت بها الإنسانية مع تعقد أزمة الرأسمالية في مرحلتها المتوحشة، كما يعالج بعض قضايا الاقتصاد العالمي الراهن، عبر تحليل لإشكاليات مفاهيم الحداثة وما بعد الحداثة، وقراءة لتواريخ العلوم والفلسفة التي صاحبت تلك الحقب.
ففي حين أن الرأسمالية بدت بلا منافس أمامها عقب سقوط حائط برلين، يبدو أنها في شكلها الغربي مهددة بشكل لم يحدث لها من قبل. وهذا يعود، أولا، لخطأ كبير إيديولوجي، هو "الإيمان المتطرف بالسوق". كما أوضحت ذلك تماما أزمة القروض المشتقة (أزمة 2008)، والبحث عن المصلحة الاقتصادية الذاتية لعدد قليل من اللاعبين على النقيض من مصالح غالبية اللاعبين الاقتصاديين ويهدد بشكل خطير توازن المجتمع. فأن نترك للسوق القيام بحل المشكلات الاقتصادية الأساسية، انطلاقا من دعم الموارد، أمر لا يمكن أن يكون منضبطا. وقد قمنا بالتالي بخطأ نظري كبير، هو الذي قاد إلى زيادة الأحداث المتطرفة والمخاطر التي تحدث بعالم الاقتصاد والمال. وهذا الخطأ يعود مباشرة لرغبة الاستمرار في استخدام أدوات كلاسيكية تصف أوضاعا بسيطة، في عالم لم يعد يخضع لها. وأخيرا، بسبب الجشع، فأحيانا وبكل بساطة من أجل التمكن أفضل من التملص من المخاطر المحتملة في أعين المشترين، قمنا إراديا بابتكار التعقيد الفائق في عالم هو بالفعل معقد. وهو المضاعف الكبير للتسمم، وكل هذا "التمويل المقامر" الذي مكن من مضاعفة المكاسب وأيضا المخاطر. وبالتالي الخسائر، إلى مستوى لم يحدث من قبل بالتاريخ الاقتصادي والمالي.
هذا الكتاب يتحدث عن دور الدولة، وضرورة إعادة تعريفها لإحلال العدالة للجميع، وعن أزمة المجتمع الرأسمالي، التي توجتها نتائج القروض المشتقة في 2008، وأزمات الحداثة وما بعد الحداثة، وصولا إلى ما نحن فيه الآن. وهو يعرض لنا مفاتيح الحل، التي تقدمها منجزات العقل البشري في جميع المجالات، وتجعلنا نمعن النظر في ضرورة تغيير أنماط حياتنا وأنماط الإنتاج القائمة، بمساعدة المفاتيح التي قدمها لإفساح الطريق أمام المستقبل.