الملك مينا أو الملك "نار- مر" هو الملك المؤسس لمصر الموحدة، ملك الأرضين، وصاحب التاجين، "نسر الجنوب" و"ثعبان الشمال".
مصر قبله .. غير مصر بعده، فمصر قبله كانت منقسمة إلى مملكتين متصارعتين، مملكة في الشمال أو في الدلتا .. ومملكة في الجنوب أو في الوجه القبلي.. وكل مملكة مهما لها خصويتها واستقلالها، ولها حاكمها وتاجه المميز، فكان التاج الأحمر رمز ممكلة الشمال، والتاج الأبيض رمز مملكة الجنوب.
وكانت المملكتان في حرب مستمرة وصراع لا ينتهي. كانت الغلبة أحياناً لمملكة الشمال، وأحياناً لمملكة الجنوب، حاول بعض الملوك قبله، ومنهم جده الملك "العقرب" توحيد المملكتين لكنه فشل، إلى أن جاء هذا الملك، وكان حاكماً على مملكة الجنوب في صعيد مصر، في الأقصر تحديداً، واستطاع توحيد المملكتين في مملكة واحدة، لم يكن هذا التوحيد بالطبع وليد التوحيد يوم وليلة، أو من نتائج معركة فردية حاسمة، بل ربما امتد مائتي سنة، ولكنه حصل على أرجح الأقوال عام 3200 ق.م.
ومنذ هذا التاريخ، أصبحت لمصر حكومة مركزية واحدة وقوية، وأصبح الملك "مينا" أو "نار- مر"، أول حاكم لهذه الحكومة الموحدة، لهذا سمي ملك الأرضين، "نسر الجنوب"، "ثعبان الشمال" باعتبار النسر رمز الجنوب والثعبان رمز الشمال، وصاحب التاجين، لأنه لبس التاج المزدوج الذي جميع بين تاج الجنوب الأبيض وتاج الشمال الأحمر، وأسس أول أسرة حاكمة في تاريخ مصر الفرعوني.
أما اسم "مينا" فورد في بعض الكتابات المصرية القديمة باسم (ميني)، وحرَّفه المصريون إلى مينا، ومن الغريب أن كلمة (ميني) باللغة المصرية القديمة معناها «يؤسس» أو «يشيَّد»، وفي اللغة القبطية فاسم مينا له مرادفات كثيرة منها (ثابت أو راسخ أو باقي أو مؤسس).
الانتصارات اللي حققها الملك مينا على مملكة الشمال، وتوحيده للبلاد، تم تسجيلها على لوحة حجرية، من حجر الشست الأخضر تعرف باسم لوحة "نار-مَر"، أو "نعِر- مَر"، اكتشفت عام 1894م في الكوم الأحمر بالقرب من ادفو، محافظة أسوان، ارتفاعها 64 سم، وعرضها 42 سم، وسمكها حوالى 2.5 سم. وهي موجودة حاليا بالمتحف المصري بالقاهرة.
اللوحة لها وجهان، الجزء العلوي من الوجهين يمثل رأسين لامرأة لها قرني وأذني بقرة، وهو رمز للمعبودة "بات" اللي سميت بعد ذلك "حتحور"، وهي ربة الجمال والأمومة عند المصريين القدماء، بين الرأسين نلاحظ واجهة القصر "السِرخ" ونقش بداخله اسم الملك "نار – مر". برمزين وهما "سمكة القرموط" وتنطق بالمصرية القديمة "نار" والإزميل وينطق "مر"، اختلف علماء الآثار في معناه، ولم يتفقوا على معنى واحد له، وقد يكون أحد هذه المعاني:
إنه "محبوب المعبودة نعرت إلهة النيل وقتها" أو معنى فاتح الطرق، أو قاتل سمكة النعر "القرموط" وكانت سمكة غير محبوبة من المصريين لأنها السمكة الوحيدة التي أكلت من جسم أوزوريس بعد إلقائه في النيل، وفقاً لأسطورة إيزيس وأوزوريس الشهيرة عند المصريين القدماء.
الوجه الأول من اللوحة الجزء العلوي منه يصور الملك واقفاً وهو يرتدي التاج الأبيض لمملكة الجنوب، وهو يقبض بإحدى يديه على ناصية عدو راكع أمامه، ويمسك باليد الأخرى دبُّوس قتال وكأنه هيضربه به، ومن ورائه حامل النعل الملكي ومعه وعاء الماء، ومن أمامه الصقر حورس آخذاً بزمام رأس أسير ، وجسم الأسير على شكل علامة الأرض عند المصريين القدماء يخرج منها عدد من سيقان نبات البردي رمز الشمال وكأنه يقدم الأسرى للملك، أصبح رمز القبض على الأسير وضربة تقليداً فنياً متَّبعاً في الكثير من اللوحات التي تخلد الانتصارات عند المصريين القدماء.
أما الجزء السفلي فيصور عدوين عاريين يفران من الأعداء، ويدل وضعهما على هذا النحو على أن الملك المنتصر يدوسهم بقدميه.
وعلى الوجه الآخر، يصور الجزء العلوي منه الملك وهو يحتفل بانتصاره على مملكة الشمال، فنراه وهو يسير في موكب النصر مرتدياً التاج الأحمر، يتبعه ساقيه وحامل نعله، و يتقدمه كبير أعوانه أو وزيره، ثم أربعة من حملة ألوية المقاطعات متجهين ناحية معبد حور، أو إلى مدينة "بوتو" عاصمة مملكة الشمال، حيث قتلى الأعداء الموثقين من أيديهم، ورؤوسهم المقطوعة بين أرجلهم .
وفي الجزء الأوسط من هذا الوجه نشاهد اثنين من الحيوانات الأسطورية تتشابك رقابهما، بينما يتم تقييدهما بواسطة شخصيات بشرية. ويعتقد أنهم يمثلون مصر العليا والسفلى التي تخضع لسيطرة الملك. شكلت الأعناق الطويلة المتعانقة أو المتشابكة دي بؤرة وجه اللوحة.
وفى الجزء السفلي من هذا الوجه الملك مصور على هيئة ثور، دلالة على القوة، وهو مندفع بقوته نحو حصن اقتحم أسواره وحطمها، وصاحب عملية التحطيم هذه قتل وسحق للاعداء الذي رمز إليهم الفنان هنا بصورة رجل طريح يطأه الثور بأقدامه.
اللوحة من مقتنيات المتحف المصري بالقاهرة، وهي عمل فني توثيقي عالي القيمة والإخراج في هذه الفترة التاريخية المبكرة من تاريخ مصر القديم. وتعتبر شاهداً على نشأة الكتابة التصويرية الرسمية (الهيروغليفية) فضلا عن أنها اسست لتقاليد فنية سادت فيما بعد في مصر.
بعض العلماء ينظرون للوحة على أن الموضوع المسجل عليها حفل تذكاري لنصر عسكري ليس إلا، لكن كتير من العلماء يعتبرونها شاهدةً على المرحلة الثانية من عهد الملك مينا، المرحلة التى جنى فيها ثمار جهوده في توحيد مصر، وسجل عليها انتصاراته وكفاحه.