بقلم : إقبال بركة
عاشت المعمورة ردحا من الزمان لؤلؤة تتيه بها الإسكندرية ومقصدا لكل عشاقها من الفنانين والأدباء ورجال السياسة والأعمال, ثم تغير الحال فى التسعينيات من القرن الماضى وبدأت عدة مشروعات تهدف إلى الربح السريع بصرف النظر عن راحة سكان المعمورة ملاك الشقق والفيلات والمحلات, ودون أى اعتبار للشكل الجمالى أو المظهر الحضارى الذى كانت تتميز به القرية السياحية الأولى والنموذج الأمثل الذى اتبعته كل القرى السياحية المصرية فيما بعد, وكنت يومها رئيسة تحرير مجلة "حواء" فهرعت إلى مصلحة المساحة بمدينة الإسكندرية لأطلع على الخريطة الأصلية للمعمورة واكتشفت أن مساحات كثيرة كانت مخصصة لملاعب جولف وحدائق عامة ومسارح وحمامات سباحة بعضها اختفى والبعض الآخر فى طريقه إلى الاختفاء, وهرعت إلى محافظ الإسكندرية فى ذلك الوقت اللواء عبد السلام المحجوب لأشكو له تعدى الشركة على القانون الأساسى للقرية واستيلائها على مساحات خضراء لتحولها إلى أبراج عالية وعمارات سكنية ودكاكين ومقاهى وسط المساكن بضجيجها وميكرفوناتها الزاعقة، وأصبحت شوارع المعمورة مرتعا للجيت السكى والموتوسيكلات على الرغم من لافتة ضخمة أمام قسم الشرطة تعلن "ممنوع الموتوسيكلات", وكتبت عدة مقالات مدعمة بالصور لكشف مخالفات وفساد الإدارة فى ذلك الوقت والتدهور الشديد الذى حل بالقرية التى كانت سياحية، ونجحت حملة "حواء" وتم استجواب أعضاء مجلس الإدارة وحوكم بعضهم وحكم عليهم بالسجن, وتوقف الاعتداء على جسد المعمورة واغتصاب المزيد من أراضيها إلى حين, ثم عادت مرة أخرى بإغراء المادة وعجز المسئولين بالشركة عن ابتداع موارد أخرى للإنفاق عليها سوى شغل "المقاولات"، أى بناء المزيد من المساكن وبيعها وهلم جرا، الأمر الذى ينبئ بمستقبل مظلم لتلك الرقعة الساحرة، لتلحق ببقية ما أغتُصب من أراضى الدولة التى كانت مخصصة للزراعة أو السياحة وكانت متنفسا ورئة لسكان المدينة ليستمتعوا بما حبى الله مدينتهم من هواء منعش وسماء صافية ومشاهد بديعة.
وفى أثناء الفوضى العارمة التى سبقت ثورة الخامس والعشرين من يناير باعت الشركة مساحة أرض كبيرة كانت مخصصة لإقامة حديقة عامة إلى شركة مقاولات قطاع خاص لبناء مبنى ضخم متجاهلين عشرات الدعاوى القضائية التى أقامها سكان البيوت الملاصقة الذين اشتروا شققهم بأسعار باهظة لأنها تطل على حديقة عامة، وجاء ذلك المبنى الضخم ليحرمهم من النور والهواء, هذه التصرفات وغيرها كانت وراء هجر الكثيرين شققهم فى المعمورة ولجوئهم إلى الساحل الشمالى تعويضا عما فقدوه من هدوء ورحابة وجمال.
وأخيرا أرسلت العناية الإلهية من يملك الرؤية الثاقبة ويستشرف المستقبل لينصف تلك الرقعة الساحرة من أرض مصر الرئيس عبد الفتاح السيسى الذى اختارها مقرا لمصيف أسرته، ولأننا شعب "يخاف ما يختشيش" ما أن تحلق هليكوبتر الرئاسة فوق المنتجع حتى تخرس ميكرفونات المقاهى وتختفى الموتوسيكلات وتتلاشى أكوام القمامة وتتكرر دوريات رش المبيد لأسراب الذباب..الخ, إن ملاك المعمورة وعشاقها يناشدون سيادة الرئيس عبد الفتاح السيسى لينقذ المعمورة ويأمر الرقابة الإدارية بتقصى الحقائق حول الاتهامات التى وجهها نواب الشعب للشركة وتشكيل لجنة من خبراء السياحة العالمية والاستثمار وكلية الفنون الجميلة وجامعة الإسكندرية والشخصيات العامة لتقرير مصير المعمورة، وإنقاذها من مصير لا تستحقه.