الثلاثاء 21 مايو 2024

نجيب محفوظ وأم كلثوم.. علاقة إبداعية خاصة

30-8-2017 | 16:28

كتب : خليل زيدان


من المؤكد أن هناك سر لم يكتشفه أحد في تلك المنظومة الإبداعية التي سُمّيت “كوكب الشرق”، فمن روعة صوتها استمد العظماء الإلهام، وكانت خير معين لهم في مراحل إبداعهم.. في ذكرى رحيل عبقري الأدب نجيب محفوظ، نلقي الضوء على علاقته الخاصة بكوكب الشرق.

عشق نجيب محفوظ الطرب الأصيل منذ بداياته، وكان مولعًا بصوت السيدة منيرة المهدية، ومع بزوغ فجر أم كلثوم، أوصاه الأصدقاء بسماع صوتها، فهي -حسب وصية الأصدقاء- أروع من الست منيرة.

ومع بداية عام 1926، انتبه نجيب محفوظ لسحر صوت أم كلثوم من خلال الاسطوانات، وكان في المرحلة الثانوية، وواظب وقتها على سماع صوت أم كلثوم حتى أنهى دراسته الثانوية والتحق بالجامعة، فبدأ في حضور حفلاتها التي كانت تقام في الخميس الأول من كل شهر.

حاول نجيب محفوظ عند حضوره حفلات كوكب الشرق أن يكون في الصفوف الأولى، لكنه وجد أن الصفوف الـ 3 الأولى دائمًا محجوزة للشخصيات المهمة والمعجبين الدائمين والمقربين من أم كلثوم، فغالبًا ما كان يلحق مقعدًا بالصف الرابع أو الخامس، وهو ما يجعله في بؤرة الضوء ويراها ويستمع لها بوضوح.

وأكد محفوظ أنه لم يتخلّف مرة واحدة عن حضور أي حفل من حفلاتها، وأنه تأثر بذلك اليوم -الخميس- ممّا دعاه أن يجعله أجازة تامة من أي أعمال سواء قراءة أو كتابة، ويتفرّغ فيه فقط لرؤية وسماع كوكب الشرق.

تعتبر علاقة الغناء بباقي الفنون وطيدة، فهناك رابط سرّي يربط بينه وبين الأعمال الإبداعية الأخرى، فالموازين نفسها في الغناء تنطبق على كثيرٍ من الفنون سواء المد أو، التطويل، والتنغيم، والوقفات، والبدايات، والنهايات.

ربما شكّل هذا علامة في أعمال نجيب محفوظ بعد ذلك، لكن الذي تم رصده بدقة، هو وَله وحب نجيب محفوظ لأم كلثوم، تلك المؤسسة الإبداعية، وإجلالًا لها، سمّى ابنته الأولى "أم كلثوم" على اسم كوكب الشرق، وابنته الصغرى اسم "فاطمة"، وهو اسم والدته، ووالدة أم كلثوم، وأيضًا اسم أحد أفلامها.

في بداية شهر ديسمبر 1961، دخل صلاح جاهين -وكان يعمل بجريدة الأهرام آنذاك- على هيكل في مكتبه ليستأذنه في تخصيص القاعة الكبرى بمؤسسة الأهرام للاحتفال بعيد ميلاد نجيب محفوظ الخمسين، فالتقط هيكل الفكرة من جاهين وبادره قائلًا: “بل نحن الذين سنقيم هذا الاحتفال لنجيب”. 

ولم يكن وقتها نجيب محفوظ يعمل بالأهرام، فقط كانت علاقته بالمؤسسة أنه نشر فيها روايته التي أثارت جدلًا، وهي "أولاد حارتنا"، وأصبحت أزمة فيما بعد.. وفي 11 ديسمبر، أقام هيكل حفلًا ثقافيًا رفيع المستوى احتفالًا بعيد ميلاد محفوظ، ودعا إليه كبار الكتاب والمثقفين.

وكانت مفاجأة الحفل هي كوكب الشرق التي رآها نجيب محفوظ عن قرب، وجلست بجانبه تلك الساحرة التي أسعدت حياته بجميل فنها، وفي اللقاء، اكتشف محفوظ جوانب أخرى في حياة أم كلثوم، وازداد بها شغفًا وإعجابًا.

سرى في إبداع نجيب محفوظ الأدبي صوت أم كلثوم، ومن يبحث في الأفلام التي جسّدت رواياته، يجد أنغامها وسحرها، وبدا ذلك واضحًا في فيلم "السراب"، حيث يصرخ أحد الأشخاص -وكأنه نجيب محفوظ- قائلًا: “أم كلثوم هي الشيء الوحيد الذي يستحق الإعجاب في هذا البلد”.

وظل نجيب مولعًا بصوت أم كلثوم الذي حرص على سماعه في كل الأوقات، بما فيها الساعات التي كان يقضيها مع المخرج توفيق صالح عند التنزّه بسيارة الأخير، فكان توفيق صالح يقوم بتشغيل أغاني أم كلثوم في كاسيت السيارة، وعندها، يجد محفوظ بدأ يتمايل مع صوتها.