الخميس 13 يونيو 2024

«دى فعلا عطشانة»

30-8-2017 | 17:46

بقلم – عبداللطيف حامد

“الأرض لو عطشانة نرويها بدمانا.. عهد علينا وأمانة تفضل بالخير مليانة.. يا أرض الجدود يا سبب الوجود.. راح نوفي العهود يا رمز الخلود» تجسد كلمات هذه الأغنية مأساة عشرات الآلاف من الفلاحين فى القرى والعزب على جانبى ترعة جبل أبو صير بمركزى ناصر والواسطى بمحافظة بنى سويف، فعلى مدى قرابة ثلاثة شهور مياه الرى فى تناقص مستمر حتى جفت، ومحاصيل موسم الصيف هلكت، والمزارعون يصرخون بعلو الصوت، ويحررون الشكوى تلو الشكوى، ولا مجيب.

لا أخفيكم سرا أننى تعودت فى كل زيارة إلى بلدتى أن أجد قائمة من الشكاوى فى انتظارى من أهالينا فى الريف، لعرضها على صفحات الصحف، وشاشات الفضائيات من أجل أن ينتبه إليها أهل الحل والعقد، إلا أن أزمة انقطاع مياه الرى هذه المرة وصلت للدرجة التى لم يعد يتحمل أصحابها أى انتظار، الكل يستحلفنى تليفونيا خلال الفترة الأخيرة أن أكتب عن «خراب البيوت» الذى حل بهم.

فقرابة خمسة آلاف فدان من إجمالي سبعة آلاف فدان على جانبى الترعة فى طريقها للبوار، الذرة الصفراء، والشامية على السواء «نشفت على عودها»؛ وعباد الشمس تساقطت أزهاره قبل الأوان، أما الخضراوات من البطيخ، إلى الخيار، مرورا بالبامية وغيرها، ماتت فى مهدها لأن روحها فى المياه، و«غلب حمارهم، وحفيت رجليهم من المشاوير رايح جاى على الجمعية الزراعية، والمجلس المحلى، ومديرية الرى دون فائدة».

 لا تتوقف المناشدات والمطالبات للعبد الفقير إلى الله خلال الفترة الماضية، وأظنها ستطاردنى بقوة طول أيام أجازة عيد الأضحى المبارك، لمطالبة مسئولى وزارتى الرى والزراعة بمراعاة الله فيهم، وسرعة ضخ المياه إلى شرايين الأرض العطشى للحياة.

الفلاحون ركبهم الهم من دوامة الفكر، والنوم على رءوس الغيطان انتظارا لمياه لا تجيئ، ويكلمون أنفسهم فى الطرقات فى حسبة التكاليف التى تجاوزت فى الفدان الواحد أكثر من خمسة آلاف جنيه فى حالة ملكية الأرض أما المستأجرون فاتورتهم تفوق عشرة آلاف جنيه، إلى جانب تلف محصول لا يقل عن عشرين ألف جنيه، ويتساءلون من أين ندبر نفقات البيوت، ومصاريف الأولاد خاصة أننا فى  موسمى العيد ودخول المدارس فضلا عن مستلزمات موسم المحاصيل الشتوية، السداد من عندك يا رب.

الغريب أن الحجة التى دائما جاهزة فى جعبة مسئولى وزارة الرى لا محل لها فى تلك المنطقة، من عينة زراعات مخالفة من محصول الأرز، أو استهلاك كميات كبيرة فى مزارع الأسماك، فلا وجود لهذه ولا تلك، ويبدو أن هناك أسبابا أخرى خفية، لأن بحر يوسف الذى ينقل المياه إلى محافظة الفيوم تتلاطم أمواجه، ويكاد يخرج عن مساره، والأرز يزرع على ضفتيه، على عينك يا تاجر حسبما يؤكد أهالى ثلة من قرى بنى سويف.

«شر البلية ما يضحك»، فرغم أن كافة أجهزة المحافظة شهود إثبات على واقعة ندرة مياه الرى، وذهاب جهد وعرق الناس هباء منثورا، لا يتوقف صرافو الأملاك سواء الأطيان أو المنازل من ملاحقتهم لدفع المستحقات المتأخرة والحالية دون رحمة بظروفهم، ويزداد الطين بلة لمن قاموا باستصلاح بعض الأفدنة بجوار أراضيهم، فهم لا يلاحقون على محاضر الرى بمبالغ لا طاقة لهم بها عند تواصل عملية الزراعة، وجنى المحاصيل فما بالك فى حالة توقفها مع كارثة المياه.

من غير المعقول أن تتجاهل مديرية الرى مأزق هؤلاء البؤساء، وإسقاطهم من حساباتها، ولا تكلف خاطرها بدراسة حالهم،  وتغفل وزارة الزراعة ومحافظة بنى سويف عرض قضيتهم على وزارة المالية لتعويضهم، فهم أحق ممن جرفت السيول منازلهم وزراعاتهم، أو من تعرضوا لانهيار منازلهمش الآيلة للسقوط،  فالمزارعون ليس من مهامهم توزيع المخصصات المائية، ولا إدارة حركة مياه الرى، ولا ذنب لهم من قريب أو بعيد بمشكلة نقص المياه، ومن حقهم توفير ما يلزم حقولهم منها دون أية منغصات أو أعذار لا تسمن ولا تغني من جوع.

الأخطر يا سادة أن جموع المزارعين لن يظلوا واضعى اليد على الخد، وبكاء حظهم العاثر طويلا بل سيبحثون عن بديل مهما كانت تبعاته، قلوبهم تتحسر على مشهد الزرع الذابل، والثمار المقتولة على الأغصان، وبالفعل بدأ بعضهم يستعد لجلب المياه من المصارف الملوثة بمياه الصرف الصحى لرى الأرض العطشانة، لندخل فى كارثة صحية تدمر ما بقى من عافية المصريين، أنا ومن بعدى الطوفان، فإلى متى ينتظر السادة المسئولون، لا مناص من حل الأزمة قبل أن تستفحل، ويفلت عيارها.اللهم قد بلغت اللهم فاشهد.