الجمعة 22 نوفمبر 2024

فن

فرقة رمسيس المسرحية.. مصنع النجوم

  • 9-3-2023 | 17:14

محمد قناوى

طباعة
  • محمد قناوي

• قبل إنشاء استوديو مصر بعدة سنوات  قام يوسف وهبي بتأسيس "مدينة رمسيس للفنون"، التى ضمت استوديو تصوير سينمائى مزودا بكل التقنيات الحديثة، وضمت كذلك مرافق فنية واجتماعية أخرى
• كانت فرقة رمسيس المسرحية مصنعا لتخريج النجوم خلال  فترة الأربعينيات والخمسينيات والستينيات، هؤلاء الذين كانوا أعمدة السينما المصرية في تلك الفترة

في العاشر من مارس 2023  يحتفل المسرح المصري بمئوية فرقة مسرح رمسيس الذي انشأها الفنان الكبير يوسف وهبى بعد عودته من إيطاليا التي سافر إليها لدراسة الفن.. مائة عام علي إنشاء أول فرقة مسرح مصرى حقيقى يعتمد علي التقاليد الأوروبية الراسخة والمتمثلة في الانضابط والبروفات المنتظمة والمواعيد المقدسة ووجود عقود عمل بين الفرقة وفنانيها، صحيح أن مصر عرفت فرق مسرحية عديدة حققت شهرة كبيرة ومن أشهرها فرق "جورج أبيض وسلامة حجازى وعزيز عيد ونجيب الريحانى وعلى الكسار وأولاد عكاشة وعبدالرحمن رشدى" وغيرهم، لكن كل هذه الفرق كانت تفتقر إلى النظام الإدارى الحديث الذى يكفل لها النجاح والاستمرارية ، كما أن هذه الفرقة تعد بمثابة مصنع لتخريج النجوم خلال  فترة الأربعينيات والخمسينيات والستينيات والذين كانوا أعمدة السينما المصرية في تلك الفترة، فما من ممثل ظهر في تلك الفترة إلا ومر عبر بوابة فرقة "رمسيس" المسرحية، فخرج منها أساطين التمثيل في تلك الفترة، ومثلوا لبنة المسرح والسينما المصرية مثل"عزيز عيد" مثل  "روز اليوسف" و"زينب صدقى" و"فاطمة رشدى" و"فردوس حسن" و"حسين رياض" و"أحمد علام" ، ثم "مختار عثمان" و"حسن فائق" و"استفان روستى"  و"فتوح نشاطى و"عزيزة أمير" و"حسن البارودى" و"روحية خالد"، وأمينة رزق التي التحقت بالفرقة عن طريق الصدفة، فأسند لها يوسف وهبي دورين صغيرين في مسرحيتي "ديفيد كوبر فيلد"، و"راسبوتين" ومن هذين العملين انطلقت نجوميتها، الأمر لم يختلف كثيراً في حالة الفنان زكي رستم، ومن خلال عمله كعامل إكسسوار بسيط في الفرقة لفت أنور وجدى أنظار يوسف وهبي بحركته وملامحه الوسيمة، فأعطاه الفرصة على خشبة المسرح للظهور كممثل وكان هذا أثناء إحدى جولات الفرقة في أمريكا اللاتينية لم يدع أنور وجدى هذه الفرصة الذهبية تفلت منه، فسرعان ما أظهر موهبته كممثل واعد، وهو ما جعل يوسف وهبى يعتمده كممثل بالفرقة، فبدأ يحصل على أدوار كبيرة، بل ومنحه فرصة المشاركة في أول فيلم مصري ناطق هو "ابن الذوات" ليبدأ بعدها خطوات النجومية. 

لم تتوقف فرقة "رمسيس" عند محطة المسرح، ففي عام 1928 اتجه يوسف وهبي إلى السينما، ليس كنجم وممثل فحسب بل كمنتج ومؤسس لصناعة، فقام ببناء وتأسيس "مدينة رمسيس للفنون"، وكان ذلك قبل إنشاء استوديو مصر بعدة سنوات، وضمت هذه المدينة الفنية التي أقيمت على مساحة 17 فداناً، استوديو تصوير سينمائى مزود بكل التقنيات الحديثة، وضمت المدينة مرافق فنية واجتماعية أخرى فكان بها مسرح وأكشاك للموسيقى ودار سينما ومحطة إذاعة، واعتبرهذا المشروع من أكبر وأهم المشروعات الفنية في مصر وقتها، وكان استوديو رمسيس السينمائي من أرقى وأهم الاستوديوهات، واحتضنت المدينة مواهب فنية عديدة آنذاك وعلى رأسها المخرج محمد كريم الذي قام بتصوير المشاهد الداخلية لفيلم "زينب" وكان ذلك في عام 1930 ليكون أول الأفلام التي يتم تصويرها داخل استوديو رمسيس، وهو أول فيلم يقوم بإنتاجه يوسف وهبى، ويعد باكورة إنتاج شركة رمسيس التي أسسها باسم "رمسيس فيلم"وبعدها أخرج أول فيلم ناطق هو "ابن الذوات" الذي شارك يوسف وهبى في بطولته، لتتوالى بطولاته بعد ذلك تسطير تاريخ السينما المصرية الحقيقية.

فما هي حكاية هذه الفرقة التي أسسها يوسف وهبي التي وضعت تقاليد المسرح المصرى؟ لقد عشق يوسف بك وهبى التمثيل في سن مبكرة ولكنه وجد معارضة من والده عبد الله باشا وهبي، فسافر إلى إيطاليا بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى عام 1918، وتتلمذ على يد الممثل الإيطالى كيانتوني، وعاد إلى مصر في عام 1921، وبعد وفاة والده، حصل على ميراثه عشرة آلاف جنيه ذهبية بالتساوي مع أشقائه الأربعة فقرر تخصيص ما ورثه لإنشاء فرقة مسرحية وفنية متطورة تواجه المسرح "الهزلى" الذي كان سائدا وقتها.

قرار يوسف وهبى لم يأت من فراغ. فعندما وصل إلى مصر، هاله انهيار المسرح الجدى أمام لون جديد استعراضى كان يقدمه نجيب الريحاني تحت اسم شخصية "كشكش بيه"، وكان الجمهور يقبل عليه إقبالاً كبيرا جدا، فشعر أن المسرح قد مات تقريباً، وأن ما قام به الأساتذة الرواد قد ضاع هباء 

وبالفعل أنشأ يوسف وهبي فرقة "رمسيس" التي كانت في مقدمة الفرق المسرحية التي تقدم مسرحاً يعتمد على نصوص جادة وتقنيات فنية متطورة، وضم إليها نخبة من نجوم التمثيل في ذلك الوقت أمثال حسين رياض، وزينب صدقي، وروز اليوسف، وأحمد علام، وبعدهم أمينة رزق، وأسند الإدارة الفنية للمخرج عزيز عيد. 

افتتحت الفرقة عروضها بمسرحية "المجنون" على مسرح"راديو" بالقاهرة في 10 مارس 1923 وكانت من تأليف يوسف وهبيى، وإخراج عزيز عيد، وبعدها توالت مسرحيات الفرقة التي جذبت كل الراغبين في مسرح فني راق،  وكانت معظم مسرحيات الفرقة مقتبسة من أعمال عالمية لكبار الكُتاب مثل شكسبير وموليير وإبسن، ويعتقد البعض أن يوسف وهبى هو الذي أدخل فكرة دقات المسرح قبل رفع الستار التي لم تكن معروفة إلا في أكبر المسارح في العالم.، وقدّمت الفرقة عدداً كبيراً من المسرحيات، وصل إلى أكثر من 300 مسرحية، ونقل وهبى بعضها إلى شاشة السينما مثل "كرسي الاعتراف"، و"راسبوتين"، و"المائدة الخضراء"، و"بنات الشوارع"، و"أولاد الفقراء"، و"بيومي أفندى"، وبظهور تلك الأعمال على الشاشة البيضاء، تمكن يوسف وهبى من توثيق العديد من مسرحيات فرقة رمسيس، بينما اندثرت أعمال الفرق المسرحية الأخرى.

اهتم يوسف وهبى بتوعية جمهور المسرح، وتغيير الاهتمام بالمسرح الهزلى إلى الاهتمام بالفن والمسرح الجاد، ووضع بعض التقاليد الصارمة منها منع التدخين في قاعات العرض، واحترام مواعيد رفع الستار، والتزام الممثل بالنص، وتنفيذ تعليمات المخرج، وهو ما دفع الحكومة إلى تكليفه في عام 1933 بتشكيل فرقتها المسرحية التي كانت نواة "المسرح القومي" لاحقاً

وقد اتجه بجانب تمثيله الأدوار الرئيسية في مسرحياته إلى التأليف والإخراج، وقام بتأليف 60 مسرحية، وأخرج 185 أخرى، واستهدف من خلال أعماله نشر الوعي الاجتماعى ونقد سلبيات المجتمع، منها مشكلات الزواج من أجنبيات، وأطفال الشوارع، وأبناء الخطيئة، والصراع بين الضمير والعاطفة، كما أنه عمد إلى محاربة الاستعمار والفساد

واتسمت معظم مسرحيات الفرقة بالميلودراما، ما جعلها مختلفة عن المسرحيات التي قدَّمها الفنانون فى ذلك الوقت أمثال نجيب الريحاني وعلي الكسار وغيرهما، وكانت تحمل الطابع الكوميدى الساخر أو المسرحيات الغنائية، بينما ارتكز مسرح رمسيس على روائع الأدب الفرنسي والإيطالى والإنجليزى، بما تحمله من قيمٍ إنسانية كالعدل والحرية

وطوال تاريخ الفرقة الطويل هذا قدمت ما يقرب من ثلاثمائة مسرحية، ترتكز فى مجملها على الإعداد والاقتباس، فقد قدمت الفرقة فى موسمها الأول إلى جانب مسرحية الافتتاح "المجنون" مسرحية "غادة الكاميليا" لالكسندردوما الابن  والتى قامت ببطولتها مع  "يوسف وهبى" الممثلة المعروفة "روزا اليوسف" ، ونقلت مناظرها من تصميمات أوبرا لا ترافياتا، كما كانت الفرقة الموسيقية تعزف فى بداية العرض افتتاحية الأوبرا الشهيرة، هذا الى جانب مسرحيات : "لوكاندة الأنس" لجورج فيدو، "الأنانى"لإبراهيم المصرى ، "الشرف" للألمانى "سودرمان"، "الدم" ليوسف وهبى ، "المستر فو" لرافائيل سباتينى، وفى الموسم الثانى قدمت الفرقة القنبلة الكبيرة "راسبوتين" عن نص ليوسف وهبى، والذى أصبح من كلاسيكيات الفرقة ، وغيرها من الأعمال الناجحة.

دخل يوسف وهبي إلى السينما متأخراً قليلاً بسبب إعطائه المسرح الجزء الأكبر من اهتمامه، وغلب على أدائه التمثيل المسرحي، وقدّم ثلاثة أفلام من تأليفه، منها "ليلى بنت مدارس"، وقام بإخراج فيلم "غرام وانتقام".
اشترك وهبى فى تمثيل أول فيلم مصرى صامت وهو فيلم "زينب" عام 1930، ثم أخرج له محمد كريم بعد ذلك اول فيلم مصرى ناطق، "أولاد الذوات " الذى حقق نجاحاً ساحقا فقام بكتابة ثانى أفلامه وهو" الدفاع"عام 1935 واشترك فى إخراجه مع نيازى مصطفى وفيلم "المجد" 1937 الذى قام فيه بالكتابة والتمثيل والإنتاج والاخراج، حيث قام بعدها بتأليف وتمثيل وإخراج وإنتاج العديد من الأفلام الناجحة لكنه أبدع لاحقا فى أفلام شارك فيها بالتمثيل فقط.

حصل وهبى على العديد من الأوسمة والألقاب والدرجات والنياشين من مصر ودول عديدة أوروبية وعربية وغيرها، ومنحه الملك فاروق بلقب البكوية، ولقب فنان الشعب أطلقته  عليه الدولة عام 1972، وتوفى يوسف بك وهبى  يوم 17 اكتوبر 1984.

أطالب الدكتورة نفين الكيلانى وزيرة الثقافة بتنظيم احتفالية كبرى تليق بيوسف وهبى الذي أسس فرقة "رمسيس" المسرحية التي وضعت تقاليد المسرح المصرى.

الاكثر قراءة