الجمعة 19 ابريل 2024

إعادة هندسة الشرق الأوسط

مقالات16-3-2023 | 09:20

شهد الأسبوع الماضي مفاجأة من العيار الثقيل، لا تقف حدودها عند منطقة محدد من العالم، لكنها تلقي بظلالها على القوي العالمية الكبري، وتعيد هندسة قواعد السياسة في منطقة الشرق الأوسط وتحمل مجموعة من الرسائل للقوي العظمة والقوي الإقليمية، وتعيد تشكيل المسارات وحسابات الدبلوماسية، إنه التقارب السعودي الإيراني برعاية صينية. وهنا ثمة ملاحظة أساسية تلفت انتباه المراقبين للأوضاع في الشرق الأوسط، خاصة في ضوء العلاقات التي تربط بين إيران وروسيا والصين، في مواجهة الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية. تسعي بكين إلي لعب دور سياسي، في منطقة الشرق الأوسط، عبر الوساطة بين الرياض و طهران، وإزاحة الدور الأمريكي و التخفيف من نفوذه في المنطقة و الذي بدأ مع زيارة الرئيس الصيني شي جين بينج خلال ديسمبر الماضي، وهو ما يعد الخطوة الأولي في إعادة هندسة منطقة الشرق الأوسط. كما أن نجاح الاتفاق و بداية سريان النفوذ الصيني في المنطقة سوف يكون ورقة ضغط لمواجهة تحركات الولايات المتحدة في ملف تايوان، خاصة و أن الصين تملك تكنولوجيا عسكرية، وقدرات علي إمداد إيران بالرقائق الإلكترونية التي تحتاج لها في صناعة المسيرات التي تعد أحد العناصر الفارقة في الحروب التقليدية، بل الأهم هو ما تملكه الصين من أوراق ضغط لمساندة إيران. الملاحظة التالية، تتعلق بحجم التقارب بين الرياض وطهران، والذي لا يحقق حالة الأمن فقط بل يفتح ملف الاستثمار السعودي في إيران التي تسعي إلي تحسين علاقاتها بدول الخليج، وهو ما كان واضحا في تصريح وزير المالية السعودي محمد الجدعان، الذي نقلته «اندبندت عربية»: إن «الاستثمار السعودي في إيران يمكن أن يحدث بسرعة كبيرة» بعد اتفاق الأسبوع الماضي. الواقع أنه بالرغم من الخطوة الواسعة للصين في منطقة الشرق الأوسط، إلا أن الرياض تدرك أهمية الحفاظ على علاقاتها مع الولايات المتحدة، وهو ما يمكن ملاحظته، عبر إعلان شركة طيران الرياض الجديدة عن شراء 72 طائرة «بوينج دريملاينر» من شركة بوينج الأمريكية. وفي اعتقادي أن المرحلة المقبلة سوف تشهد حالة من إعادة هندسة العلاقات والتحالفات في المنطقة، وسوف تكون ورقة الطاقة لاعب أساسي في توجيه بوصلة العلاقات الثنائية والتحالفات. التقارب الإيراني الخليجي، يزيل فكرة تهديد دول الخليج، لكن يظل السؤال المطرح هل تعود الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي مع إيران؟! هل تتوقف ضغوط إسرائيل من أجل توجيه ضربة عسكرية إلى إيران؟ اعتقد أن الأمور حاليا سوف تخضع إلى تقييمات مختلفة، خاصة من جانب الغرب الآن وحاجته الماسة إلى الطاقة، وتهدئة الصراع بين القوي العظمة الذي كان السبب الرئيسي في موجة التضخم وتباطؤ الاقتصاد العالمي، بل أن نتائجه تلوح حاليا في الأفق وتشير إلى إفلاس البنوك نتيجة لرفع الفائدة، وأن استمرار حالة الصراع سوف تؤدي لنتائج كارثية أيضا على القوي الكبري وإن كان ذلك على المدي الطويل. ثمة ملاحظة أخيرة يبدو أن نظام آيات الله، يدرك أن لديها ملفات داخلية سوف تستخدم في الضغط عليه مثل الملف النووي الإيراني، وملف حقوق الإنسان، وهو جزء من الأسباب التي تدفع طهران إلى تغير استراتيجي في سياستها داخل الشرق الأوسط، والتمسك بالتحالف مع روسيا والصين، جذب استثمارات خليجية للخروج من أزماتها الداخلية لحلحلة الوضع الداخلي، بينما من المتوقع أن تشهد العلاقات الأمريكية الإيرانية حالة من التوتر المشوب بالحذر من كلا الطرفين.