بقلم – سناء السعيد
خرجت إدارة ترامب فى ٢٣ أغسطس الجارى بقرار يتم بموجبه حجب نحو ٢٩٠ مليون دولار وهو ما يمثل بعض المساعدات المالية لمصر بدعوى عدم إحرازها تقدما على صعيد احترام حقوق الإنسان والمعايير الديمقراطية، وقيل بأن القرار يعكس الإحباط من موقف مصر بخصوص الحريات المدنية خاصة قانون الجمعيات الأهلية الجديد الذى تنظر إليه أمريكا على أنه جزء من حملة متزايدة على المعارضة!!، أى أن قرار إدارة ترامب إنما جاء لعدم رضاها عن القانون الذى يعطى للدولة السلطة على مراقبة أنشطة المؤسسات الأهلية، ليتم بمقتضاه منع هذه المؤسسات من ممارسة أنشطة تضر بالأمن القومى والنظام العام والأخلاقيات العامة، لا سيما وهى المؤسسات المتهمة بتلقى تمويل أجنبى لنشر الفوضى.
وكأن أمريكا تريد مصادرة حق مصر السيادى فى إصدار أية قوانين ولهذا امتعضت من إصدار هذا القانون وقامت بعقاب الدولة المصرية بإصدار قرارها المأفون بحجب جزء من المساعدات عنها، إلا أن اعتراض أمريكا على القانون كان متوقعا حيث إنها هى التى ساعدت ودعمت هذه المؤسسات ماليا لكى تكون أداة تخريب لمصر، فهى جمعيات تضطلع بنشر الفوضى توطئة لهدم المجتمع وتحقيقا للمخطط الأمريكى الذى يجرى تنفيذه بحرفية فى الدول العربية من أجل إضعافها كى يسهل بعد ذلك تفتيتها وتقسيمها، وبالتالى لم يكن مطلوبا من مصر إصدار أية قوانين من شأنها عرقلة الأهداف الأمريكية.
لقد أرادت أمريكا بقرارها هذا أن تضفى الحماية على هذه المنظمات التى اعتادت أن ترتزق من النشاط التخريبى الذى تقوم به ويهمها الإبقاء على مصادر تمويلها الأجنبية فى إطار السرية بحيث يتم التعتيم على حجم التمويل الأجنبى الذى تحصل عليه وبحيث تصبح الأبواب مشرعة على مصراعيها للتمويل من الخارج دون رقيب أو حسيب، وبحيث يحرم على مصر إصدار أية قوانين تستهدف لجم هذه الجمعيات والتى هى فى الأصل صناعة أمريكية بهدف تنفيذ مخططات جهنمية ضد الدولة المصرية، ولهذا يهم الصانع الإبقاء على مصادر تمويلها سرا ليتم حجبه عن الدولة لتصبح هذه الجمعيات بابا مفتوحا على مصراعيه للتمويل من الخارج، وهو ما يتعارض بالقطع مع الحق والقانون وحقوق السيادة وطبائع الأمور.
الغريب أن قرار أمريكا بتجميد بعض المساعدات جاء فى توقيت تحارب فيه مصر الإرهاب وبهذا يكون ترامب قد تنصل من وعوده بمشاركة أمريكا لمصر فى اجتثاث الإرهاب، بل وتكون أمريكا قد كشفت عورتها على الملأ وظهر كذبها وتدليسها عندما تتحدث عن مصالح استراتيجية مشتركة مع مصر لمحاربة الإرهاب إلى أن يتم استئصال جذوره وتحقيق أمن الشرق الأوسط واستقراره، لقد أكدت أمريكا بأدائها أنها تردد الوعود الكلامية بينما تفعل النقيض على أرض الواقع وهى بذلك ينطبق عليها المثل القائل:(أسمع كلامك يعجبنى أشوف أمورك أستعجب). الجدير بالذكر أن هذه ليست المرة الأولى التى تجمد فيها أمريكا بعض المساعدات لمصر، فلقد حجبت إدارة أوباما مبلغا من المساعدات العسكرية فى ٢٠١٣ بدعوى خروج مصر عن أطر الديمقراطية، إلا أنها أعادتها ٢٠١٥ على أساس أن عودتها تصب فى صالح الأمن القومى الأمريكى.
يتعين على أمريكا اليوم أن تدرك بأنه ليس من حقها ممارسة الوصاية على دولة أخرى باسم حقوق الإنسان، خاصة أنها هى التى حادت عن الطريق المستقيم فيما يتعلق بهذا الشعار، فهى أكبر منتهك لحقوق الإنسان فى العالم. والنموذج ما جرى ويجرى فى العراق، فلقد انتهكت أمريكا الإعلان العالمى لحقوق الإنسان والمواثيق الدولية عندما احتلت العراق الدولة المستقلة ذات السيادة والعضو فى الأمم المتحدة فقتلت وأبادت ودمرت البنى التحتية لأرض الرافدين، ولكنها أمريكا التى يحلو لها استخدام الشعارات كوسيلة ضغط لإخضاع الدول الأخرى لنفوذها. وختاما نقول إن القرار الأمريكى الأخير ضد مصر بحجب بعض المساعدات لا يشكل مرآة لواقع يمكن الارتكاز عليه وإنما يمثل تحاملا على مصر، ويأتى ليعكس الكذب والافتراء والتدليس والخداع، وبالتالى فهو أبعد ما يكون عن المعالجة الموضوعية.