تاريخ الشعوب ليس مجرد سطور، ولكنه سلوك وطبائع، تتأثر بالمكان والجينات الوراثية وعوامل التأثير العميقة الجذور في عالمنا العربي لا نقرأ كثيراً بعمق عن سلوكنا ومواطن قوتنا بشكل تحليلي يمكننا من الاستفادة من دروس الماضي وعبره. إننا كبشر ندور في دوائر سلوكية متشابهة، فما فكر به الأقدمون كحل لأزمة ضاغطة، هو بالفعل ما نفكر به نحن الآن، ولكن تختلف الطرق.
إن الباحث في عالمنا العربي عن مواطن القوة في هذا المجتمع لابد أن يبحث بصورة تلقائية عن مواطن الازمات، التي هي المحك الرئيسي لاختبار القوة، والصلابة للمجتمعات، من هنا ندرك شكل منحنى الأزمة الذى يُنتج بلا شك منحنى القوة أو الضعف، فمثلا ً دعنا نحلل سويا ًمحنة التتار، التي عصفت بالأخضر واليابس، وكانت كابوساً جثم على أجزاء كثيرة من العالم، حتى ظن الناس أنها نهاية الأرض، وأنهم يأجوج ومأجوج، بل راح البعض إلى إنها من علامات الساعة. تلك كانت ذروة المحنة للخلافة العباسية الثانية والعرب في ذلك الوقت، ولكن دعنا نتتبع مسار الأزمة.
دمر التتار الخلافة العباسية وقتلوا الخليفة في العراق، ثم اتجهوا إلى بلاد الشام فعاثوا فيها فساداً ثم أتجهوا إلى مصر. فتوقفوا وإنهار التتار واستيقظت بلاد الشام من الكبوة وعادت العراق من جديد والمحلل لتلك الأزمة، يجد أن بداية الأزمات العربية المتكررة يبدأ من انهيار العراق، ثم بلاد الشام ،ثم صمود مصر، ثم بصمود مصر تقوى بلاد الشام وتقوى العراق، هنا نقول أن منحنى الأزمة للتتار بلغ قوته التي اصطدمت بضعف العراق أعقبه مزيد من الانهيار لبلاد الشام وصمود مصر، أدى ذلك إلى انبعاث منحنى القوة العربي من مصر وامتد للشام والعراق. كذلك في أزمة الحملات الصليبية، تعرضت العراق وبلاد الشام للكثير من الازمات والصراعات الى أن انهارت تحت ضغط الحملات الصليبية المتكررة لتصمد مصر وتكسر تلك الحملات وتأسر قائدها لويس التاسع ويستعيد الشام والعراق قوتهما.
لقد قرأ نور الدين محمود معادلة القوة العربية، التي تكمن في اتحاد مصر والعراق وبلاد الشام، وهى معادلة لا يمكن كسرها، إذا انصهرت وتشكلت بشكل سليم وعلى أسس ومبادئ قوية. ثم قرأها من بعده صلاح الدين ووحد الامة الاسلامية بعد اتحاد محور القوة العربي العراق والشام ومصر فكانت معركة حطين نتاجاً لنجاح معادلة القوة العربية. وقرأها أيضا ركن الدين بيبرس ووحد الأمة الاسلامية ومحور القوة العربي مصر والشام فكانت معركة عين جالوت تتويجاً لذلك الإتحاد.
وعلى الجانب الآخر، قرأ الغرب تلك المعادلة، وتحديداً بريطانيا حيث كانت وقتها بريطانيا العظمى التي تدير العالم، وقامت بزرع الكيان الصهيوني بين محاور القوة العربية ليمنع اتحادها، إدراكاً منها بمدى قوة تلك الرابطة وتأثيرها القوي على المنطقة بأكملها، وقرأها ايضا الفكر الناصري، وسعى الى اتحاد مصر وسوريا، في الجمهورية العربية المتحدة في محاولة للربط بين أزرع القوة العربية.
وفى حرب العراق الأخيرة، كانت تلك جولة أخرى لفك ذلك المحور القوي بضرب العراق وأعقبه حرب سوريا بعده ومحاولة ما يسمى ( ثورات الربيع العربي ) من النيل من باقي محور القوة العربي بضرب مصر وسوريا داخليا، لتصمد مصر من جديد وتبدأ سوريا بالتماسك وقريبا إن استفاق العراق قبل فوات الأوان سيعود ليستعيد العرب قوتهم.
وحتى نكون منصفين فلا نستطيع أن نغفل باقي محاور القوة العربية الموجودة كداعم رئيسي لمعادلة القوة العربية، ولكننا نتحدث في هذا المقال عن أكثر الدول تعرضاً لاختبارات القوة والأزمات والحروب وتأثير ذلك كله على الدول العربية جميعاً، فمتى يدرك العرب مصادر قوتهم ومتى يقرأون ما يعرفه الغرب عن قوتهم!.