الخميس 2 مايو 2024

قرأت لك.. كتاب «نظام الزمن» للإيطالي كارلو روفيللي

علاف الكتاب

ثقافة9-4-2023 | 18:07

شريف المنيري

 كارلو روفيللي  « Carlo Rovelli» بروفيسور فيزيائي إيطالي ومُحب للشعر وأحد فلاسفة العصر المعاصر، وأحد المساهمين في تطوير نظرية الجاذبية الكمية، وكتب هذا الكتاب الذي تُرجم لعدة لغات مُختلفة، وحقق مبيعات واسعة، ويكتب روفيللي في فلسفة والتاريخ، وأيضًا يكتب مقالات في كثير من الصحف الرئيسية العالمية، وترجم « Order of Time The» نظام الزمن، إلى العربية  الكاتب والمترجم إيهاب عبد الحميد.

ومن أشهر مؤلفات كارلو روفيللي:Seven Brief Lessons in Physics ، Reality is Not as it seems ،

  

وعن كتاب «نظام الزمن»، يحاول يصف الزمن وارتباطه بحياة الإنسان ارتباطا وطيدا، وهو أحد الألغاز الكون، ولكن ربما لغز الزمن هو الأكثر غموض، وأشار أن حاول الفيزيائيون وصفه وتحديده بشكل دقيق بل وعلماء الفلسفة على حدً سواء، ومن جهة أخرى أوضح أن من الصعب تحديد الوقت ولا يوجد نظرية مؤكدة فريدة يمكن أن تفسر حالة الزمن بل إنها محاولات لاستكشاف الزمن وطبيعته. وينقسم الكتاب إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول تكلم عن تفتت الزمن، ويبدأ بكلمات قصيرة أقرب إلى قصيدة شعرية فلسفية ومنها:

أتوقّفُ ولا أفعلُ شيئاً، لا شيء يحدث، أفكر في لا شيء، أصغي لمرور الزمن، نحُن نسكنُ الزمن مثلما تعيشُ الأسماك في الماء، وجودُنا هو وجودٌ في الزمن"

وأشار إلى أن الزمان والمكان لا يتدفقان بنفس الوتيرة في كل موقع، بل يتغيران باختلاف الموقع والكتلة والجاذبية والسرعة، ومن المثير للاهتمام أن الوقت يبطئ في الأماكن المنخفضة، ويسرع في الأماكن المرتفعة، فإذا نظرنا إلى ساعة على الأرض، ستكون أبطأ من ساعة على طاولة مرتفعة.

وهذه الظاهرة اكتشفها ألبرت أينشتاين قبل مئة عام، عندما لم تكن هناك ساعات دقيقة لقياسها. وافترض أينشتاين أن كتلة جسم مثل الشمس أو الأرض تغير شكل الزمان والمكان، وتؤثر على حركة باقي الأجسام. وعندما فكر أينشتاين في "طريقة جذب الشمس والأرض"، فهم بعد ذلك أن كلاهما يؤثر على الآخر، وأن الكتلة تبطئ الزمان حولها، والزمان يؤثر على السرعة، كلما زادت السرعة تبطئ الزمن والعكس صحيح.  لذلك أول من أدرك كلما زادت السرعة تباطأ الزمن والعكس صحيح أينشتاين، قبل أن يتمكن العلماء يدركون هذا.

وعادةً نستخدم الزمن لقياس التغير الحركة في الكون، وهو يتبدل بحسب عوامل مثل السرعة والجاذبية والحرارة، ويشتمل ثلاثة أزمنة: الماضي والحاضر والمستقبل، والزمن لا يتوقف ويسيل من الماضي إلى المستقبل.  وتم إثبات أن هناك علاقة بين الزمان والحرارة ومسارهم في اتجاه مشترك واحد، فالحرارة تنتقل بالأجسام من مستوى عالٍ إلى مستوى منخفض وليس العكس، ومن خلال تلك الافتراضات التي أسندت إلى "سادي كارنو" تم معرفة انتقال الحرارة من ساخن إلى بارد، ثم أدرك "رودولف كلاوزيوس" هذه الظاهرة التي أدت إلى ابتكار القانون الثاني للديناميكا الحرارية، فصاغوه بعبارة "إنتروبيا" التي تعبر عن التغير باليوناني. وفي القرن التاسع عشر كانوا لا يؤمنون بالذرات والجزيئات ومن آمن بها "لودفيج بولتسمان" حتى أصبحت منهجًا، وكان بولتسمان متشبثا ومؤمن بها، خصوصًا حين رأى كوب ماء ساكن وجد ذرات وجزيئات تتحرك.

 

وعن كلمة "لآن" التي أحدثت جدلًا عن وصفها وإنها لا تتخطى سوى محيط وحاضر كل شخص، وبعبارة أكثر وضوحًا، ما الفرق بين "الآن" على الأرض والآن" على الكوكب "بروكسيما بي" الذي اكتشف مؤخرًا هما لحظتان مختلفتان من الزمن: ويبعد بينهما سنوات ضوئية، لأن لا صفة تعريفية لتوصيف اللحظة الخاصة بالزمان والمكان، وإن الحاضر لا يمتد وأنه كالفقاعة حولنا، فإن حاولت أن ترى شخص على سطح كوكب بروكسيما بي عبر التليسكوب فأنت قد تعلم ما كان يفعله قبل أربع سنوات وليس ما يفعله الآن، ومن صعب أن تدرك الآن بالنسبة اللحظة التي نظرت إلى الشخص من خلال التليسكوب لذلك ما يفعله الآن هو ما سوف يفعله بعد أربع سنوات، وبعد أن أشار أينشتاين بأن لا وجود للحاضر من النظريات الفيزيائية تلاشت، ولا زال الأمر محيرًا إلى لآن ونظير البحث بين الفيزيائيين والفلاسفة.

وأشار أرسطو عن الزمن أن "الزمن ليس إلا قياسًا للتغير"، أما عن نيوتن لا تشغله الدقة بقدر معرفة توصيف حركة الأشياء، وأشار إليها بأن ال "زمن يمر حتى لو لم يتغير أي شيء" وهنا نتأمل في الزمان والمكان نجدهم ظاهرتين حقيقيتين، لكنهم ليسوا مستقلين تماما عما يجري حولهم، واختلف أرسطو ونيوتن وأينشتاين حول الوصف الدقيق، لكن اتفقوا فقط على أن الزمان هو جزء من المكان وأطلق عليها الزمكان. ولكن لم يؤمن بهذا المفهوم المطلق أينشتاين كثيرًا وأضاف أينشتاين عن الزمكان لا محال لوجودها دون خصائص ميكانيكا الكم الفيزيائية. ونأتي لمعرفة التحبب وهي السمة الأكثر تميزًا لميكانيكا الكم، التي تشير إلى الزمن غير متصل بل محببًا، ولا زال يهرب تحديد الزمن التي يعتقد الفيزيائيون أنهم اقتربوا بمعرفته. 

 

وفي القسم الثاني تحدث عن العالم بلا زمن، وقال نحن نعيش في عالم من الأحداث لا في عالم من الأشياء، وإن غياب تحديد الزمن لا يعني أن الزمن لا يتحرك، بل يحدث به مُتغيرات، والساعة زمن مُتغير ليس زمن واحد ثابت، لأن إذا لم يكن الوقت موجودًا بالطريقة التي نعتقد بها، فلا توجد أشياء. ونستطيع ندرك أن الكون مؤلف من أشياء وكيانات وأحداث لا تدوم.

ونستطيع أن نسلط الضوء أكثر على أن الأشياء مُتغلغلة كالنسيج بالزمن والأحداث، ونجد أن الأشياء في العالم مؤلفة من عدة هيئات وكيانات مُتماسكة، وإن كان العالم يتكون من أشياء فماذا سيكون الوصف والشكل الذرات التي تتكون منها، وعندما نتترك إلى  معادلات شرودنغر التي تصف كيفية تحرك الإلكترونات في الذرات وتقسيمها إلى الزمان والمكان، أبدى المتخصصين في ميكانيكا الكم رأيهم يصفون المعادلات بأنها لا تشرح أي شيء لكنها تُستخدم كأداة قوية لتحليل التغيرات في حالات الأنظمة الفيزيائية.

 

وتبقى كلمات الفيلسوف أناكسيمندر مُستمرة، وخالدة للتاريخ التي تصف لنا بعض المفاهيم بأن "نحن نفهم العالم بدراسة التغير، لا بدراسة الأشياء"، وكثير من العلماء والفلاسفة أشادوا بأن من لم يؤمن بها سقط من التاريخ مثل أفلاطون، الذي أخفق عندما حاول كتابة الذرات أشكال ولم يكتبها كحركة، وافترض خمسة أشكال للذرات، لكن وصفت تلك الفرضيات فيما بعد بأنها خاطئة، لتحديد المعرفة الأشياء وليس كحدث، وفيما بعد ستضع علوم الفيزياء بصمتها باستخدام الرياضيات لمعرفة الأشياء وليس كيف ستكون.

ونعود لوصف الحاضر، وما تعنيه كلمة "الآن" لأننا نؤمن بالحاضر، لكن ما هو حقيقي بالنسبة لشخص، ليس حقيقيًا بالنسبة لشخص آخر لأنه لم يمر بنفس الشيء، فالحاضر مختلفا. ويصف الفلاسفة كلمة الأبدية: بأنها فكرة التدفق والتغيير وأن الماضي والحاضر والمستقبل من الحقائق ولديهم وجود بنفس القدر، وأن الأبدية تعادل الزمكان. وكثير ممن يدافعون عن هذه الافتراضات الأبدية يلجؤون لرسالة أينشتاين التي أرسلها إلى شقيقة "ميشيل بيسو" صديقه بعد وفاته وأرسلها بالقرب من نهاية حياته، ويميز بين الحضور والأبدية بهذه الكلمات "الناس مثلنا الذين يؤمنون بالفيزياء، يعرفون أن التمييز بين الماضي والحاضر والمستقبل ليس سوى وهم مستمر بعناد"

 

وفي القسم الثالث يتحدث عن مصادر الزمن، وعن مفهوم الزمن وكيفية قياسه وتأثيره على العالم ومن حولنا، حين نتفقد في كل شيء حولنا سندرك أن لكل شيء له زمن مثل البكاء والمرض والشفاء وغيرها من أزمنة، فلكل شيء له زمن ومتغيرات، وما هو الذي نستطيع قياسه من خلال ساعتنا، والذي يمر أمامنا وما الفرق بين شعورنا بالزمن، وعدم إحساسنا به وهل الزمن يجري أم هو منتظم أم متباطئ، نعتقد أن السماء هي التي تتحرك لكن نحن من نتحرك، وأين تبدأ الأشياء وأين تنتهي وأين يبدأ البحر وأين ينتهي وأين يبدأ الجبال، نحن نبحث ونقيس على حسب المعطيات التي نحن نقيسها.

ثم نأتي لمعرفة الزمن الكمي ويُعتبر "روجر بنروز" أحد أكثر العلماء الذين يركزون على المكان والزمان، واقترح أن ما ينقص هو التفاعل الكمي. وأضاف "آلان كوهن" عالم الرياضيات أهمية الكم للزمان، وإن الترتيب هام لقياس السرعة، والزمن سيتغير لأن الترتيب أحد أشكال الزمن، وهذا ما تتسم به ميكانيكا الكم، والتفاعلات المادية بين الحيز الذي نعيش به والعالم الأخر والمتغيرات، تأخذنا المعرفة لمحاولة وصف الإنتروبيا التي هي من مبادئ الهامة للفيزياء، والإنتروبيا تعتمد على عدم الانتظام والمتغيرات، ولا تعتمد على الشكل لكن على مضمون المتغير، لذلك يتضح لنا في الماضي كانت الإنتروبيا العالم مُنخفضة، لأن كلما يزداد الوقت يزداد الإنتروبي، والعكس الصحيح.

ومن ضمن التفاعلات المادية المُتغيرة، عندما نتأمل قليلًا الشمس إنها مصدر من مصادر الكون، فإن الشمس تصدر الفوتونات ساخنة "جزيئات ضوئية" إلى الأرض، وتعيد الأرض فوتونات أكثر برودة لها طاقة أقل، وبالتالي تتوازن الأشياء، ونعاود إلى زماننا وطبيعة العالم من حولنا الذي نحن جزء منه وإنها ليس كيانات بل أحداث وتفاعلات مع بعضها. وهناك قصة لرواية "البحث عن الزمن المفقود و"الربط بين كعكة مادلين والزمن" الماضي يسكن في ذاكرتنا ويتدفق مع الزمن نحو المستقبل، فهو مجموعة من الآثار التي تستمر من الماضي إلى المستقبل. لذلك، يمكن القول إن الزمن الذي نعيشه ليس فقط زمنًا فيزيائيًا، بل هو زمن يأتي من ذاكرتنا ونعيشه من الماضي إلى الحاضر والمستقبل.

 ونستطيع أن نقول باختصار بعد هذه الرحلة، فنحن في رحلة مع الزمن، وإنه حقا لغز مُحير وصعب تصنيفه ووصفه أو إدراكه بشكل كامل، والفلاسفة والفيزيائيين ما هم إلا علماء ساعدوا بالاجتهاد والتأملات لتفسيره لكن ما زال من الصعب تحديده، فالفيزياء جاءت لتفسر لنا مع من نعيش بالكون وليس من نحن نكون، ونختم بمقولة ديكارت "أنا أفكر، إذا أنا موجود". 

 

Dr.Randa
Dr.Radwa