في مثل هذا اليوم العاشر من أبريل من عام 1931 وبالتحديد في نيويورك رحل الأديب اللبناني جبران خليل جبران، بعد إصابته بمرض تليف الكبد والسل، حيث دفن في لبنان بعد نقل رفاته بدير مار سركيس، والذي تحول بعد ذلك لمتحف جبران خليل جبران.
إذ يحوي المتحف الأدوات التي كان يستخدمها جبران خلال حياته في نيويورك إلى جانب بعض من رسوماته والتي بلغت في المتحف 440 لوحة.
وقد ولد جبران خليل جبران في السادس من يناير لعام 1883، لأسرة فقيرة في قرية "بشري" شمال لبنان، لكن ما لبثت أسرته ان هاجرت إلى الولايات المتحدة لتستقر بها.
وقد بدأ جبران حياته الفنية قبل الأدبية، وذلك حين كان عمره خمسة عشر عاما، حين كان يسكن في بوسطن، فقد كان فنانا قبل ان يصبح أحد أهم وأشهر أدباء المهجر، حيث وصل عدد أعماله الفنية لـ 600 عمل فني متنوع بين لوحة ودراسة ومخطط، تركزت معظمها حول موضوعات الحب والشاعرية السحرية، كما خاض تجربة النحت لفترة وجيزة.
ومع بداية المرحلة الباريسية واطلاعه عن كثب على محترفات الفنانين الفرنسيين في بداية القرن، حيث كانت باريس محط أنظار فناني العالم وعاصمة الفن التشكيلي بلا منازع، تطورت لوحة جبران خليل جبران بشكل ملحوظ وتطورت تقنياته وموضوعاته وقدرته على تكثيف التعبير داخل اللوحة، وبدأت العلاقة تتضح أكثر بين اللون الذي يستخدمه في اللوحة والطبيعة الروحانية التي يريد توكيدها في اللوحة.
هكذا استمر التحول في لوحة جبران خليل جبران بعد عودته إلى بوسطن أيضا، فتحول البورتريه مثلا من نزوعه الواقعي الكلاسيكي إلى اختصار المسافة أكثر بين الشكل وداخله، بين الوجه ونفس صاحبه، بين المرئي المحسوس من جهة والمتخيل أو الروح من جهة ثانية، وفي تلك المرحلة اختبر وجوها كثيرة والتقى شخصيات عظيمة فتفرس وجوههم وحادثهم واختبر انفعالاتهم ليصورهم شكلا ومضمونا وجها، ليصور الانفعالات والأفكار.
وفي المرحلة الأمريكية الأخيرة والتي استمرت حتى وفاته عام 1931، انطلق جبران خليل جبران متحررا من الأمثلة والأشكال المرئية والوجوه والشخصيات المحددة التي تحبس الفنان عن بوحه الداخلي وتوجهه نحو اختبار الآخر، فصور الوجوه بأشكال هيولية شعرية وسحرية، رسمها من داخله وكما يتخيلها، بل أحيانا رسم انفعالاته على هيئة وجوه، ورسم أفكاره على هيئة أجساد، وطهرانيته على شكل نساء عاريات مصلوبات بالحب والأمومة والعذاب والثورة والشهادة.
أقيم أول معرض له وهو في الـ21 من عمره، بعدها بدأ بالكتابة حيث كتب أولًا بالعربية وبعدها بالإنجليزية، دمجت كتاباته بين ثقافتيه الشرقية والغربية وجلب ذلك له شهرةً كبيرة ودائمة.
أقام معرضه الأول في استوديو معلمه داي في بوسطن، وهنا التقى جبران بماري إليزابيث هاسكيل، وهي المعروفة بمساعدتها لعدد من الناس الموهوبين.
في عام 1905 نشر جبران أول أعماله "نفثة في فن الموسيقى" وقد كانت تميل إلى العاطفية والانفعالية كانت عملاً غير ناضج عن الموسيقا، وفي الوقت نفسه بدأ يدرس الإنجليزية مع هاسكيل.
أسس جبران الرابطة القلمية وهي جمعية تعنى بتشجيع الكتاب و الآداب العربية، لم تساعد هذه الجمعية الكتاب العرب فقط وإنما ساعدت جبران نفسه بشكل كبير من خلال صلاتها وجماهيريتها، بعد إصدار كتابه الأجنحة المتكسرة بدأت شهرة جبران بالانتشار، عندها أصبح واحدًا من أشهر أدباء وشعراء المهجر كما بدأ يدعى بالإصلاحي.
ولقد كان في حياة جبران خليل جبران عدد من النساء ومنهن:-
ماري هاسكل
ماري هاسكل الأولى في حياة جبران، أو الملاك الحارس، فقد تعرف عليها عام 1904، وذلك أثناء افتتاح معرضه الأول ببوسطن في استوديو الناشر والرسام فريد هولاند دايكان، كان في 21 من عمره وكانت هاسكل في 31.
فتحت هاسكل - رئيسة معهد للإناث في بوسطن - الطريق أمامه لعرض رسوماته في مدرستها، وعرضت إرساله إلى باريس لتعلّم الرسم في أكاديمية جوليان. وسرعان ما وجد نفسه مُعجباً بمواقفها وآرائها وطروحاتها في الفن والأدب والنقد.
كانت هاسكل بمثابة الملاك في حياة جبران فهي الأم والحبيبة والراعية له ولأخته، أحبها جبران وطلب الزواج منها ولكنها رفضت الزواج بشكل رسمي وظلت الحبيبة والأم لآخر لحظة في حياة جبران.
جوزفين بيبودي
شاعرة وكاتبة مسرحية أميركية، كانت أولى النساء اللواتي أسهمن في توجيه جبران وشحذ مواهبه. ولدت في أسرة وافره الثروة، تعرف عليها جبران وهو في سن الـ 15 من عمره، ولكن لظروف ما عاد جبران للبنان ودون أن يتمكن من وداعها، ورغم فقدان جبران لان يكون هناك تواصل بينه وجوزفين إلا أن جاءت أولى رسائلها له تقول فيها: "إن صانعي الجمال مثلك يهبون الآخرين خبز الحياة. لا أرى كيف هي بلدك، وهل لديك مكان هاديء تنمو فيه؟
رغم الإعجاب المتبادل بين الطرفين إلا أن جوزفين بيبودي كانت مرتبطه بغيره، ورغم محاولات جبران الكثيرة لدرجة إهدائه لها خاتم مادته، وهو خاتم عمادته وعلى حد قوله هو ما بقى له من جده وأمه، ولكن هذا لم يمنح جوزفيين من توطيد علاقتها بليونيل ماركس ومن ثم الارتباط به وترك جبران.
حلا ضاهر
هي المرأة الأولى فعليا وواقعيا في حياة جبران هي الحب الأول الذي نبض له قلب جبران البكر. لأنه عندما عاد إلى لبنان من بوسطن كانت معرفته بجوزفيين معرفة سطحية يلفها الضباب، في خريف 1898، وأثناء وجوده في لبنان، وفي طريقه من بشري إلى بيروت للالتحاق بالمدرسة، التقى في طريقه بحلا الضاهر وهي ابنة أسرة إقطاعية.
أحبها جبران وتطورت علاقتهما لدرجة أنها كانت تستضيفه في بيت العائلة، مما جعل أخوها إسكندر الضاهر يقطع العلاقة ويرفضها، ومع ذلك كانت حلا تقابل جبران في غابة دير"مارسركيس"
تقول سعيدة الضاهر أخت حلا: إن حلا ظلت تحتفظ بتذكارات جبران إلى آخر أيام حياتها، كأعز أثر من أعز حبيب، وبقيت حلا عانس لم تتزوج، وماتت عمياء في منتصف عام 1955. وظل حبها لجبران مشتعلا في قلبها. هذا الحب، أوحى لجبان بكتابة قصة الأجنحة المتكسرة.
مي زيادة
لم تتوقف سيرة الحب في حياة جبران عند ماري هسكل. فقد كان يؤمن بقضاء وقدرية الحب، ومن أشهر قصص الحب في حياة جبران. تطل قصة مي زيادة لتكون القصة الأبرز والأشهر في المشهد الثقافي العربي. وقد سجل جبران عبر كتابه "الشعلة الزرقاء" الرسائل المتبادلة بينه وبين مي زيادة في 37 رسالة ما بين الإعجاب والصداقة وصولا إلى إعلان جبران لحبه لمي زيادة.
ومن أبرز أعمال رائد أدب المهجر جبران خليل جبران:-
الأرواح المتمردة
مجموعة قصصية صدرت بالعربية في عام 1908 بنيويورك، ويتحدث كما يدل عنوانه عن أرواح تمردت على التقاليد والشرائع القاسية، تضمنت المجموعة أربعة حكايات اجتماعية وهى "وردة الهاني، صراخ القبور، مضجع العروس، خليل الكافر" ويتخذ من تلك القصص الواقعية الظاهر ثورته على الزواج القهري والاستبداد الاقطاعي، فالاشخاص عنده اجمالا دمى يحركها على هواه، وابواق تنقل صوته القوي الحاد.
الأجنحة المتكسرة
تعتبر من أشهر قصصه بالعربية وصدرت في 1912، وتتحدث عن شاب بعمر الـ 18 يحب فتاة من الاثرياء، ولكن تلك الفتاة تخطب من شخص آخر غني يطمع في ثروة والدها وتحدث المشاكل، وكشف الكاتب عن موقف رجال الدين من حبهما وقام بإظهار وقوفهم في وجه ارتباطهما ببعضهما البعض، وتزوجت "سلمى" من رجل آخر رغما عنها، وعاشت حياتها تعيسة حتى توفيت عقب ولادتها لطفلها الذي توفى هو الآخر بعد ولادته، وظل جبران حزين على فراقها ويتذكر أحلامه وآماله معها.
دمعة وابتسامة
هذا الكتاب له مذاق خاص في ألسنة قارئيه، صدر في 1914، وهو بمثابة أول نغمة من نوعها في العالم العربي الحديث، فقد خالفت تراكيبه ودقة بيانه المألوف في الكتابة الأدبية العربية، حيث جاء كتمهيد لحركة عربية رومانسية جديدة، ابتدعه المؤلف واستطاع من خلالها أن يقدم لونا جديدا من ألوان الأدب، تطرب لجمال لفظه الآذان، وترقى لجلال معانيه القلوب، وتذهل لروعة خياله العقول.
عرائس المروج
مجموعة قصصية صدرت في 1922، تتكون من 3 قصص تعتبر ثورة على الجهل والظلم والقمع، وتعتبر ثورة أيضا في الأسلوب واللغة والألفاظ، وحاول المؤلف أن يلعب على أكثر من وتر، ولكن في النهاية نجح أن يجذب انتباه القارئ لفكرته كذلك لا يخلو أي كتاب من مؤلفاته لمحة فلسفية رائعة تجعل القارئ يفكر تفكيرا عميقا في كل سطر من الكتاب.
النبي
يعد من أشهر كتبه صدر في 1923، وكتب بالإنجليزية وترجم إلى أكثر من خمسين لغة، ذلك الكتاب يعتبر بحق رائعته العالمية، ومضمونه اجتماعي، مثالي وتأملي فلسفي، وهو يحوي خلاصة الآراء الجبرانية في الحب والزواج والأولاد والبيوت والثياب والبيع والشراء والحرية والقانون والرحمة والعقاب والدين والأخلاق والحياة والموت واللذة والجمال والكرم والشرائع وغيرها.