الخميس 23 مايو 2024

إنها عائلة الدكتورة لطيفة «التشجيعية».. جائزة الأم والابنة

11-9-2017 | 14:56

حوار: نرمين جمال

عدسة: سارة جاد

وهى تصعد درجات سلم المسرح، لتتسلم تكريم المجلس القومى للمرأة، ضمن من تم تكريمهن من عالمات مصر، لم تكن الدكتورة رحاب عبد السلام حجازى، الأستاذ المساعد بكلية طب قصر العينى، تفكر فى أى شىء، خاص ، لم تخش الجمهور الذى لاحقها بالتصفيق باعتبارها أنها المرأة الوحيدة التى حصلت على جائزة الدولة التشجيعية هذا العام، ولم تقدم ملخصا لـ«سجل إنجازاتها»، ولم تلق الضوء حتى على واحد من أبحاثها المتعددة فى مجال تخصصها، لكنها تركت كل ماسبق، تجاهلت الأمر تماما، واكتفت بأن ذكرت أنها ابنة الدكتورة لطفية فهمى، أول طبيبة جراحة بيطرية فى مصر والشرق الأوسط والتي حصلت على نفس الجائزة قبل ٢١ عاماً .

د. رحاب أحمد ثمار عائلة الدكتورة لطيفة العاشقين للعلم ، ثلاث بنات راهبات فى محراب الطب ، وإذا كانت رحاب فازت بالتشجيعية قبل والدتها، فالجائزة ليست بعيد عن شقيقتهما

 

 

الـ ٢١ عاما، التى تفصل لحظة تكريم الدكتورة رحاب، عن لحظة تكريم والدتها الدكتورة لطفية، ممتلئة بذكريات وحكايات كثيرة، قالت عنها الأستاذة الدكتورة لطفية فهمى الرئيس الأسبق لقسم الجراحة والأشعة بكلية الطب البيطرى جامعة القاهرة: أنا ابنة أسرة عريقة من القاهرة، ووالدتى كانت الأم المثالية على مستوى الجمهورية لعام ١٩٦٣، لأن والدى توفى فى وقت مبكر وتحملت أمي المسئولية وحدها إلى أن أخرجت للمجتمع خمسة أبناء جميعهم خريجو جامعات فى مجالات الطب والزراعة والهندسة والطب البيطرى، لكن أهم مكسب فى حياتى بناتى الثلاث، الكبرى الأستاذة الدكتورة رانيا حجازى، أستاذ قلب الأطفال بكلية طب قصر العينى، مدير مستشفى أبو الريش حالياً، والثانية الدكتورة رحاب حجازى الأستاذ المساعد للأمراض الجلدية بكلية طب قصر العينى، وهى محبة جدا للبحث العلمى وواحدة ممن شاركوا فى وضع البروتوكول العالمى لعلاج البهاق، كما أنها السيدة الوحيدة التى حصلت على جائزة الدولة التشجيعية لعام ٢٠١٧ وابنتى الصغرى أميرة مدرس مساعد بطب المجتمع بطب قصر العينى، وأنا ووالدهم ربيناهن على الثقة وحب العلم والانتماء للوطن، وطبق زوجى فى تربيتهم معادلة صعبة للغاية محبة شديدة جداً وحزم عظيم بمنتهى الهدوء.

الدكتورة لطيفة تضيف : دائما كنت أعلم بناتى وتلميذاتى أنه يجب ألا يطغى النجاح في جانب من الحياة على حساب الجانب الآخر، بمعنى ألا يكون نجاحى فى حياتى العلمية والعملية على حساب حياتى الزوجية وأبنائى، فمسئولية ترتيب وتنظيم المنزل مهمة المرأة بالدرجة الأولى وإذا انتهيت من ترتيب أمور بيتى وأولادى يكون للعمل منتهى الأهمية ولو على حساب راحتى الشخصية، إلى جانب ترسيخ مبادئ الانتماء وحب الوطن، فدائما أحكى لهن عما ساهمت به أنا وزميلاتى فى المجهود الحربى والتطوع لعلاج المرضى، وأحاول تربية أحفادى حاليا بالطريقة ذاتها، وعلى نفس المبادئ.

د. لطفية : خريجة فى كلية الطب البيطرى جامعة القاهرة، وكانت أول طبيبة جراحة بيطرية فى مصر والشرق الأوسط، وتقول .. وكنت لمدة ٢٥ عاماً السيدة الوحيدة بقسم الجراحة والأشعة بكلية الطب البيطرى، حتى عينت أربع من تلميذاتى، ووجودى وحيدة فى القسم جعلنى أضاعف من جهدى لإثبات أننى جديرة بهذه المكانة إلى أن أصبحت رئيسة قسم الجراحة والأشعة بأكمله، وعينت لمدة ٢٦ عاماً بلجنة الترقية بالكلية عضوا ثم أمينا ثم مقررا.

وأضافت: لم أبدأ حياتى العملية فى علاج الكلاب والقطط، مثلما يتوقع الناس عن أى طبيب بيطرى، لأننى كنت أريد العمل على كيفية زيادة نصيب الفرد من البروتين الحيوانى لأن الفرد فى مصر نصيبه قليل جدا، مقارنة بالنسب العالمية من البروتين الحيوانى، فركزت أبحاثى وجهودى على زيادة أعداد الحيوانات المنتجة مثل الأبقار والجاموس والماعز والخرفان، وبعد زواجى من الأستاذ الدكتور على حجازى، أستاذ علم الأمراض بكلية الطب البيطرى جامعة القاهرة ركزنا عملنا وأبحاثنا على الإبل لأن جميع الحيوانات مهتم بها فى أوربا والولايات المتحدة الأمريكية، أما الإبل فلا توجد لديهم وموطنها الرئيسى الوطن العربى وإفريقيا، وتوجد بنسب قليلة فى آسيا واستراليا.

تقول د. لطيفة : بالفعل أنجزنا مشروعات ضخمة عن الإبل، ووضعنا الأسس عن كل ما يخص هذا الحيوان، وأذكر أننا فى عام ١٩٩٠ نظمنا دورة تدريبية للأطباء من كل البلدان العربية عن الإبل، ووضعنا نموذجا لإبل السباقات مثلما يوجد نموذج لخيول السباقات، وكان يقال عنه الحيوان الذى لا يمرض ، لكننا كشفنا كل الأمراض التى تصيبه وأن حياته لا تزيد على ٢٥ أو ٣٠ عاماً، ولم يكن فى مصر عندما بدأنا العمل عنه ١٩٦٧ تربية إبل فاستعنا بإبل من السعودية ومربين من السودان لتعليمنا كيفية تربيتها بطريقة صحيحة، وكشفنا أسباب نفوق الحيران (أبناء الإبل) لأن نسبة النفوق فى المزارع كانت عالية جداً فى ذلك الوقت.

وعن رحلتها العلمية فى «سلك التدريس»، تقول د. لطيفة : قمت بالعمل والتدريس فى معهد جوستاف للطب البيطرى بروسيا والمعهد القومى لأبحاث السرطان بباريس ومعامل البحوث والتطوير وقسم الجراحة بكلية الطب البيطرى جامعة أوتريخت هولندا وقسم الجراحة طب بيطرى جامعة جيسن ألمانيا ، وأخيراً كلية الطب البيطرى جامعة كاليفورنيا أمريكا، وتوجنا أنا وزوجى أعمالنا فى مجال الإبل بعضوية هيئة تحرير مجلتى علوم الإبل وأخبار الإبل الصادرتين عن مركز «أكساد» التابع لجامعة الدول العربية أثناء مشوارى العلمى والعملى سجل اسمى وتاريخى العلمى فى موسوعة الشخصيات المصرية البارزة عام ١٩٨٠، ثم حصلت على جائزة الدولة التشجيعية الأولى فى مجال العلوم البيولوجية عام ١٩٩٦، ثم نوط الامتياز من الطبقة الأولى من رئيس الجمهورية عام ١٩٩٧، ولم يكن ممكنا أن أصل إلى هذا المستوى العلمى والعملى لولا دعم زوجى وتقديره لعملى ودعمه الإيجابى لى دائما، كان عالماً معطاء صاحب سيرة عطرة خالدة حتى الآن فى العائلة والكلية.

الحديث مع «د. لطيفة» امتد أيضا إلى أوضاع الجامعة الآن البحث العلمى»، وقالت: للأسف دور الجامعة تراجع لأن الطلاب قبل ذلك كان لديهم حماس شديد للجامعة وكل طالب يعلم أنه إذا تعلم فيها سيكون له شأن وبعد التخرج فيها سيجد فرصة عمل فى مجال دراسته، لكن الأسف عندما تراجع دور الدولة فى دعم الخريجين وتوفير فرص العمل لم يعد لدى الشباب نفس الحماس لأنه حتى لو وجد فرصة عمل لن تكون فى تخصص دراسته، فمثلاً فى إحدى المرات دخلت السوق الحرة بالمطار وجدت إحدى تلميذاتى تعمل بائعة فسألتها معقول بعد كل هذا التعب والجهد، لذلك فى بداية كل عام دراسى أقول لطلابى فى أول محاضرة «أنا أعطيكم حرفة فلا تنتظروا العمل الحكومى أو التعيين افتحوا عيادات ومركز علاج بيطرى فى النجوع بالاشتراك مع زملائكم، إذا أثبتم جدارة سيكون مجال دراستكم مصدر دخل كاف للمعيشة».

د. لطيفة ترى أن منظومة البحث العلمى حالياً أفضل كثيرا مع التطور ووجود «الإنترنت» ووسائل الاتصال والبحث الحديثة، فنحن كنا «ننحت فى الصخر» لعمل بحث واحد كان يتطلب قراءة كل الأبحاث الأخرى التى تمت حول نفس الموضوع، لعدم تكرار البحث ومقارنته بالأبحاث الأخرى، وكنا نرسل الأبحاث بالبريد ونتلقى الرد بالبريد بعد مدة طويلة جدًا، لذلك كانت فرصة النشر فى المجلات العلمية بالخارج ضعيفة ، لكن مشكلة البحث العلمى الحقيقية الآن تتمثل فى عدم توافر إمكانيات مادية فأنا لولا وجدت تمويلاً من جامعة الدول العربية ومركز «أكساد» والولايات المتحدة ضمن مشروع تمويل الزراعة لأن أبحاثى كانت تحتاج لشراء «جمال» وأعرف باحثين ينفقون أموالا طائلة لاستكمال أبحاثهم لدرجة «بيع سياراتهم»، فمثلاً فى عام ٢٠٠٥ آخر عام أشرفت فيه على رسائل ماجستير ودكتوراه كان مخصصاً فيه ١٠ آلاف جنيه لعدد من الباحثين و هو مبلغ قليل للغاية.

رحاب .. و٧ جوائز

الابنة الدكتورة رحاب عبدالسلام حجازى، الأستاذ المساعد بكلية طب قصر العينى للأمراض الجلدية، السيدة الوحيدة التى حصلت على جائزة الدولة التشجيعية لعام ٢٠١٧ ، التقطت طرف الحديث من والدتها «د.لطفية»، لتقول ان والدتها هى مثلها الأعلى ، وتراها دائما أمامها لتحفزها على النجاح ، د، رحاب تعيش مع والدتها فى بيت واحد ، لكن الاسرة مكتملة تجتمع بالكامل مرة علي الأقل اسبوعيا ليلتفوا حول والدتهم ليستمعوا اليها يتعلموا منها ويسألونها النصيحة ، فكما تقول د. رحاب فوالدتهم ربتهم على الحرية وان يواجهوا مشاكلهم بشجاعة فلا تفرض عليهم نصيحة او قرار وانما تتركهم يختارون قراراتهم حتى يتحملوا المسئولية.

د. رحاب تكشف فضل والدتها التي علمتها المعني الحقيقى للمسئولية وتقول: عندما أصبت بسرطان فى الثدى العام الماضى وكنت أتلقى جرعات شديدة من الكيماوى، ورغم ذلك كنت أذهب لعملى واستكمل أبحاثى، لأن والدتى علمتنا أن المرأة المسئولة عن كل شىء فى بيتها إلى جانب مسئولية العمل ومسئولية تربية الأولاد وملاحظتهم، بمعنى أدق أمى هى كل شىء فى الحياة هى المثل الأعلى وهى السند هى أول من أخبره بنجاحاتى، فأنا منذ طفولتى كنت أفكر متى سينتهى اليوم الدراسى أو وقت الامتحان لأذهب للمنزل، لأحكى لها عن اليوم الدراسى وعما حصلت عليه من درجات، فأمي كانت أول من تمنى حصولى على جائزة الدولة التشجيعية مثلها.

د. رحاب تقول: منذ دخولى كلية الطب لم أتعامل مع دراستى كونها مهنة فقط لأننى عاشقة للبحث العلمى، هذا ما ورثته عن والدتى، وحتى الآن قمت بعمل ٧٢ بحثاً منها ٦٠ بحثا عالميًا ، وشاركت فى وضع الخريطة العالمية لعلاج البهاق، وحصلت على ٧ جوائز عن أبحاثى العلمية منها ٥ جوائز دولية من السعودية وإيطاليا وفرنسا والاتحاد الأوربى والولايات المتحدة الأمريكية، ثم تكريم المجلس القومى للمرأة، وحصولى على جائزة الدولة التشجيعية، والتى كانت تشترط تقديم خمسة أبحاث أثرت فى مجال العلم فقدمت بحثين عن سرطان الجلد وواحدا عن علاج البهاق وآخر عن علاج الصدفية والأخير عن الوحمات الدموية لدى الأطفال.

د.رحاب: تكشف أن ٩٠ فى المائة من أبحاثها كانت بتمويل ذاتى، وتقول لكى لا نظلم الجامعة أو قصر العينى السبب فى ذلك أننى تخصص أمراض جلدية وهذا التخصص على مستوى العالم من تخصصات الرفاهية، وبالتالى تكون الأولوية لأبحاث القلب أو الكبد أو الأورام، حتى أن ٩٠ فى المائه من أدوية الجلدية غير مدعمة وعلى مستوى العالم علاج الأسنان والجلدية لا تدخل فى تغطية التأمينات، لذلك لا يجب أن أحمل الدولة ضغوطاً وأعباء مالية ، وعند إجراء أي بحث أقوم أنا وزملائى بتجميع الأموال من بعضنا البعض ، ولتخفيف الأعباء المالية أيضاً قمنا أنا وزملائى بافتتاح عيادة لعلاج البهاق بقصر العينى بالتمويل الذاتى، وبفضل حب أطباء قصر العينى للبحث العلمى تقدم قصر العينى فى أصعب تقييم عالمى خلال الثلاث سنوات الأخيرة من المركز ٥٢٠ إلى المركز ٢٤٥.

تردى مستوى الخدمة الطبية، والأزمات المتلاحقة التى تطارد القطاع، أمر آخر تحدثت عنه «د.رحاب» قائلة: هناك تسليط ضوء دائم على الأطباء، وإذا سُلط الضوء بنفس الطريقة على مجالات أخرى مثل المهندسين أو القضاة أو المحامين سنجد أن الطب أفضل كثيرًا ويبذل جهدا كبيرا لتطويره، فحالياً تم تعديل وتطوير مناهج الطب ليدرس النظرى مع العملى والامتحانات لم تعد تعتمد على» الصم» فقط، وحتى من درسوا بالنظام القديم -وأنا منهم- تخرجنا لدينا مهارات ومعلومات كثيرة جدا، وهناك زملاء لنا هاجروا للعمل فى الدول الأجنبية واستكمال الماجستير والدكتوراه ووصلوا لمكانة كبيرة هناك، كما أننا يجب ألا نغفل أن الطب فى جميع الدول العربية قائم على الأطباء المصريين ،كم كبير من العروض للعمل فى الخارج، يتلقها الأطباء المصريون والمغريات علي ذلك كثيرة، ورغم ذلك النسبة الأكبر منهم تفضل البقاء فى البلد وخدمة أهلها. ولكن فى النهاية الأطباء بشر منهم أصحاب الضمائر ومعدومو الضمير، وللأسف السيئة تعم وهناك من يعملون بالطب وهم ليسوا أطباء، وأذكر أننا اكتشفنا سيدة افتتحت عيادة لعلاج البهاق، وكتبت أنها رئيس الجمعية المصرية لعلاج البهاق والصدفية، وهى بالأساس خريجة «تربية رياضية» وعندما أبلغنا الشرطة عادت بعد فترة وافتتحت العيادة من جديد، وأبلغنا النقابة قالت ليس لى أى دور رقابى والعيادات بمثابة أعمال حرة.

د. رحاب تري ان عودة قيمة العلم لابد ان تكون محل اهتمام المجتمع من اجهزة الدولة والاعلام فليس معقولا ان تسخر بعض الأعمال الفنية من المجاهدين من أجل العلم وتقديمهم علي أنهم حالات شاذة أو انهم أشخاص معقدون .

د. رحاب تري أن: دور وزارة الصحة متراجع وتعمل بقوانين «مشلولة» وتتساءل.. أين القوانين التى تحمى المهنة والاسم العلمى والمريض وتجرم المدعى، كما أن راتب الطبيب الشهرى قليل مقابل علمه وعدد ساعات عمله، لذلك يبتعد الطلاب عن دراسة المواد العلمية منذ الصف الثانوى لأنهم يعلمون أن المردود المادى سيأتى متأخراً وأن الالتزام فى الدراسة والعمل سيكون صعباً للغاية.