بالرغم من تشارك اليهود والأكراد في تاريخ من انعدام الجنسية والتشرد وإرسال إسرائيل أصواتا داعمة قبل استفتاء 25 سبتمبر الجاري؛ إلا أن تل أبيب لا تستطيع تحمل التكلفة الحقيقية لولادة دولة كردستان والتي وصفها الصحفي الإسرائيلي "دانيال عامير" في مقاله بصحيفة هآرتس الإسرائيلية اليوم الثلاثاء بأنها ستكون بمثابة "إيران جديدة".
نشر "عامير" مقالا يتناول الموقف الإسرائيلي تجاه إجراء استفتاء حول استقلال كردستان العراق المقرر في 25 من الشهر الجاري قائلا :"إنه يجب على إسرائيل أن تتعامل مع موقف الدعم – ولو المؤقت - لاستقلال الأكراد بحذر"، مشيرة إلى الجهود التي يبذلها الأكراد في الحصول على الدعم الإسرائيلي من خلال التواصل مع الجالية اليهودية في إسرائيل.
ويرى "عامير" إن مصالح إسرائيل في إقامة كردستان مستقلة من المحتمل أن تنبع من المصلحة الذاتية أكثر من الالتزام الأيديولوجي الأوسع نطاقا تجاه مجتمعات الأقلية في الشرق الأوسط، أو مفاهيم السرد الوطني المشترك.
وأضاف "عامير" قائلا :" إنه من غير المفاجئ دعم المسؤولون الإسرائيليون في عدة مناسبات خلال السنوات الخمس الماضية تشكيل كردستان العراق المستقلة، ففي الآونة الأخيرة دعا رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" إلى إقامة دولة كردية مستقلة "للشعب الكردي"، وأعلنت وزيرة العدل الإسرائيلية "إيليت شاكيد" هذا الأسبوع :" أن إسرائيل ودول الغرب لديها مصلحة كبيرة في إنشاء دولة كردستان "، مشيرة إلى أنه مع كل هذا الدفء في العلاقات لا يجب على إسرائيل أن تتناسى مصالحها الخاصة بعيدا عن شعارات القومية الواسعة النطاق، ففي الوقت الذي تتعثر فيه العلاقات الأمريكية الإيرانية، ويكتسب تنظيم "حزب الله" مزيدا من القوة على، فإن فكرة أن قيام دولة كردستان العراق المستقلة ستعزز أهداف الأمن القومي الإسرائيلي في المنطقة، "هي فكرة جذابة"، يعود ذلك إلى إدراك أن قوة داعش تتلاشى في العراق بعد سقوط الموصل، فإن كردستان يمكن أن توفر حصنا فعالا ضد التهديد الأعلى لمصلحة إسرائيل في المنطقة وهو إيران.
لاسيما أن موقف إيران تجاه الاستفتاء الكردي يعزز هذا الانطباع، فقد وصف اللواء "محمد باقري" رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية الاستفتاء بأنه "غير مقبول"، إضافة إلى تصريحات زعيم الحكمة الوطنية في العراق "عمار الحكيم" إلى أن إسرائيل نفسها لها دور في التحريض على الاستفتاء، فبالنسبة لإسرائيل، قد تكون كردستان العراق المستقلة قوة معطلة ضد إيران، ولكنها بعيدة كل البعد عن حل المعضلة الأمنية الإيرانية.
من جهة أخرى، قد اكتسب المقاتلون الأكراد شهرة دولية كبيرة لمقاومتهم الشجاعة ضد داعش، ولكن الدولة الكردية المستقبلية ستقف على قدميها ضد إيران وربما ستكون أكثر عدوانية أيضا، كما أن الدولة المخطط لها مستقبلا لا تحظى بدعم أي من الجهات الدولية، هذا إضافة إلى أنها ستكون دولة غير ساحلية وليس لديها أي وسيلة لنقل النفط الذي يعتمد عليه الاقتصاد الكردي، هذا إلى جانب الرفض التركي أيضا لإجراء الاستفتاء، ومن المرجح أن تؤدي هذه المعارضة المشتركة بين إيران وتركيا إلى تعقيد الأمور من منظور إسرائيلي.
ففي الشهر الماضي، التقى رئيس تركيا "رجب طيب أردوغان" مع "باجيري الإيراني" في إسطنبول حيث أكد الزعيمان على أهمية الوحدة الإيرانية التركية على المعارضة نحو كردستان المستقلة، هذا إلى جانب أن المنهج الإسرائيلي الذي يؤيد الاستقلال الكردي يتجاهل تأثير إيران السياسي الحالي في العراق، كما أن سياسة "دونالد ترامب" الرئيس الأمريكي في إعطاء الأولوية لهزيمة "داعش" في الشرق الأوسط من المرجح أن تعمل أكثر لتعزيز يد إيران من كردستان المستقلة، وهذا من شأنه أن يضعف الموقف الكردي أمام إيران.
حذر أيضا "عامير" من أن الدعم الإسرائيلي للأكراد يفتح الباب أمام استمرار التعاون بين إيران ووكلائها في المنطقة، وسحب تركيا بعيدا عن تقاربها الوليد مع إسرائيل، ففي كل الأحوال كردستان العراق أقوى في موقفها الحالي من الوضع الذي ستجد فيه نفسها بعد استفتاء ناجح للاستقلال، حتى وإن نجح ذلك فإنها ستكون دولة محاصرة من قبل خصوم أكثر قوة، لن ينجح في منع التهديدات الإيرانية التي تمثل مخاوف إسرائيل الرئيسية، ففي النهاية على إسرائيل التخلي عن مصطلح "إيران الإسلامية" الذي أطلقه "نتنياهو" وتحاول الحفاظ على حلفائها الحاليين بدلا من أن تمد يد العون إلى من سيحطم ذراع مصالحها في المنطقة من جهة ومن جهة أخرى لن يساعدها في إنهاء أية تهديدات.