الثلاثاء 4 يونيو 2024

هيكل.. سنة على الغياب

16-2-2017 | 09:41

بقلم –  يوسف القعيد

صباح الجمعة تكون قد مرت سنة على رحيل الأستاذ، وقبل أسبوعين جاءنى اتصال من زميلتنا منى سراج، الكاتبة الصحفية المعروفة وزوجة محمد تيمور، شقيق السيدة هدايت تيمور، كان الاتصال عبر صديقتنا المشتركة المثقفة العربية المعروفة: ليلى عبد المحسن الرشيد، تطلب منى أن أحاول تأجير مسرح الأوبرا لتأبين الأستاذ مع اكتمال العام الأول على رحيله.

قلت لمنى سراج ما أتصوره الصواب – مع استحالة أن إدراك الصواب المستحيل – أن إقامة التأبين بهذه المناسبة مكانه الطبيعى مؤسسة الأهرام، حلم هيكل الكبير، فهيكل هو الذى أنجز مبنى الأهرام الحالى، وتلك قصة حكاها لى الأستاذ قبل سنوات خلال حوارى الطويل معه، والذى صدر فى كتاب: محمد حسنين هيكل يتذكر،، عبد الناصر والثقافة والمثقفون، حيث حكى لى وباستفاضة حكاية الأهرام من الكلمة الأولى وحتى الكلمة الأخيرة.

عرفت أن السيدة الجليلة هدايت تيمور، رفيقة درب ومشوار وتجربة هيكل أكثر من كونها زوجته وأم أولاده، ترحب أن يكون التأبين فى الأهرام، ولكنها لا تفضل أن تطلب من أحد – حتى لو كان رئيس تحرير الأهرام – أى شىء، وهذا ما تعلمته من هيكل خلال سنواتها معه.

اتصلت بالصديق محمد عبد الهادى علام، رئيس تحرير الأهرام، وقد رحب بلا مناقشة بإقامة التأبين فى الأهرام، ويمكن أن يكون فى قاعة خصصها الأهرام تحمل اسم هيكل، أو أى قاعة أخرى، أكثر من هذا، قال لى أنه سيتصل بالسيدة هدايت بنفسه ويدعوها لأن يكون التأبين فى الأهرام، وهو بذلك يحقق لهيكل ما كان يمكن أن يحلم به لمثل هذا التأبين.

عندما كنت أتصل بالدكتور أحمد هيكل، قال لى أنه لن يكون هناك تأبين للوالد – هكذا يحب أن يصف الأستاذ هيكل – وفى يوم الجمعة هذا ١٧/٢/٢٠١٧ ستذهب الأسرة إلى المقابر التى تقع بالقرب من مقابر الكومونولث فى المسافة الواقعة بين مدينة نصر ومصر الجديدة، وستكون هناك تلاوة للقرآن الكريم، حاولت أن أشرح حكاية أن يكون التأبين فى الأهرام، قال لى: قولًا واحدًا، التأبين سيكون فى مقابر العائلة، أما المناسبة القادمة فستكون فى الثالث والعشرين من سبتمبر القادم – عيد ميلاد هيكل – فالرجل مولود فى ٢٣/٧/١٩٢٣، وفى هذا اليوم ستوزع جوائز مؤسسة هيكل على الصحفيين.

ما قاله الدكتور أحمد هيكل فيه أكبر رد على تساؤلات كل من يقابلوننى ويتخوفون ألا تكون هناك جوائز لمؤسسة هيكل بعد رحيله عن الدنيا، لتصورهم أن الأمر ربما كان مرتبطًا بوجوده، أكثر من الجوائز هل هناك تدريب فى مؤسسة هيكل للصحافة؟ وهل ستوفد مبعوثين، من الصحفيين المصريين الشباب، للعالم لدراسة التطور الحادث فى الصحافة العالمية الآن، كما كان يحدث فى وجود الأستاذ؟ ثم هل ستقوم المؤسسة باستقدام صحفيين كبار ليحاضروا الصحفيين المصريين الشباب فى أصول المهنة وتطوراتها ومستقبلها؟

كان أحمد هيكل على سفر، قال لى أنه مسافر إلى الجزائر، ومنها إلى لندن، وبعد عودته إلى مصر ستكون هناك اجتماعات لبحث موضوع المسابقة والأعمال المقدمة، والتوصل إلى الجوائز حتى تكون الأمور جاهزة قبل أن نصل إلى الثالث والعشرين من سبتمبر القادم.

٣٦٥ يومًا على الرحيل، ٣٦٥ ليلة على الغياب، وما زالت مشروعات كثيرة لم تنفذ، متحف الأستاذ هيكل لم تتم إقامته، ومؤسسته الصحفية لا نعرف عنها سوى تاريخ توزيع جوائزها القادمة، أما استكمال وتطوير حلم هيكل بإقامة مؤسسة هيكل للصحافة العربية، وهو المشروع الذى أسسه وسعى إليه بكل قوة فى أيامه الأخيرة، لكنه رحل وتركه، هذا الموضوع يجب أن يكون مطروحًا على العائلة وعلى محبيه وتلاميذه وأصدقائه ومن ارتبطوا به ومن لديهم رغبة فى أن تستمر المؤسسة فى غياب الأستاذ، كما كانت فى حضوره، ربما تمكنوا من إضافة الجديد لها مستقبلًا.

مكتبة هيكل حكاية أخرى، ناقشته فى حياته أن تؤسس مكتبة، ليس مكتبة للقراءة، ولكن المكتبة تكون عبارة عن طبعة كاملة ومعتمدة من مؤلفاته، وهى نقطة كانت خلافية فى حياته، لم يكن متحمسًا لإعادة إصدار الكتب الأولى المبكرة باعتبارها كانت تعبر عن بواكير حياته الشابة، وهذه الكتب هى: إيران فوق بركان، وهو الكتاب الذى يتحدث فيه عن ثورة مصدٌّق فى إيران، وكان قد قام برحلة صحفية إلى إيران إبان هذه الثورة، وكتب تحقيقات صحفية نشرت فى وقتها، ثم جمعت فى كتاب، وكتابه: نار فوق الأراضى المقدسة، الذى نقرأ فيه رحلة هيكل لفلسطين خلال حرب ١٩٤٨، وكتابه: أزمة المثقفين، الذى تناول فيه الجدل والنقاش الذى دار فى مصر فى نهاية خمسينيات القرن الماضى عن أزمة المثقفين، وقد عبَّرت عن اختلافى معه فى ذلك فى حياته أكثر من مرة، هذه الكتب تعبر عن الزمن الذى كتبت ونشرت فيه، وهى جزء من تراثه الفكرى والصحفى.

هذه المكتبة من المفترض أن تحتوى على الكتب الصادرة عنه، حتى التى اختلف مؤلفوها معه، أو هاجموه بطريقة تصل لحدود التجريح، وما زلنا ننكر الحملة أو الهوجة التى طالته عقب خلافه مع السادات وخروجه المدوى من الأهرام بقرار منه، حيث صدرت كتبًا متزامنة لمؤلفين مجهولين، كان هدفها الوحيد الهجوم عليه والنيل منه.

فى هذه المكتبة تحفظ النسخ الأصلية من الصحف التى كتب فيها وتحدث إليها وتولى إصدارها، ويضاف لهذا ألبوم صوره ابتداءً من الصور الشخصية والعائلية، وصولًا إلى صورة مع رموز عصره من المثقفين والأدباء والكتاب والفنانين والساسة، وكل من ذهب إلى مكتبه كان يجد على يده اليمنى على الحائط المؤدى لباب مكتبه صورًا كثيرة معلقة لمن قابلهم أو رآهم أو اجتمع بهم من رموز عصره، ابتداءً من السياسيين، وصولًا إلى الكتاب والأدباء والفنانين، داخل مصر وفى الوطن العربى والعالم الخارجى.

خلال مناقشاتى مع الأستاذ فى حياته، اقترحت عليه أن يكون مقر هذه المؤسسات برقاش، فيها إمكانيات كثيرة قد تسمح بكل هذا النشاط، كان هذا الكلام قبل تدمير برقاش وحرقها ونهبها وسرقتها، فى يوم فض اعتصام رابعة، مما اعتبر أنه رسالة من الجماعة الإرهابية، ولكن إرادة الحياة التى كان يتمتع بها الأستاذ مكنته من إعادة ترميم ما احترق ومحاولة إعادة برقاش إلى ما كانت عليه المبانى والمنشآت، أما خسارة الأوراق الخاصة والمجلدات والكتب فهى خسارة لا تعوض.

بمناسبة الكتابة عن أوراق هيكل، فمن المؤكد أنه نقل بعضها إلى لندن بعد خلافه الشهير مع السادات، فهل أعيدت الأوراق إلى مصر سواء فى حياته أو بعد رحيله؟ وإن كانت قد أعيدت فأين هى؟ وأعتقد أن مكانها الطبيعى هو متحفه سواء كان فى برقاش أو فى غيرها.

أستاذ الأساتذة: أوحشتنا.