الثلاثاء 28 مايو 2024

سراج منير .. محرر في مجلة «السمير»

13-9-2017 | 20:52

 

عملاق مسرحي، استطاع أن يجنح إلى شاطئ النجاة بفرقة الريحاني بعد رحيله لعدة سنوات، وهو أيضًا عملاق سينمائي، فقد أجاد في أدوار الشر بدور "بدران" في فيلم "أمير الانتقام" وأجاد أدوار الباشا ومنها دوره في فيلم "القلب له أحكام" واستطاع أن ينتزع البسمة من الجماهير في أدواره الكوميدية ومنها دوره في فيلم "شمشون ولبلب".

  إنه الفنان المبدع سراج منير الذي تحل ذكرى رحيله اليوم،  وتكشف "الهلال اليوم" جانبًا من حياته بوثيقة دونها بقلمه في مجلة الكواكب في 9 إبريل 1957.

 

المحرر النحرير في مجلة السمير

لا تعجبوا فقد كنت صحفيًا.. وكنت المحرر النحرير في مجلة السمير،  ولي في ميدان صاحبة الجلالة ذكريات ومتاعب وأشواق،  وصدقوني أنني إذا اعتزلت المسرح فسأعمل صحفيًا.

كنا في المدرسة الخديوية،  يتوزع نشاطنا بين مختلف الرياضات ونقضي فترة الغداء في شقاوة لا مثيل لها، وكان لي زميل هادئ الطباع ينافسني في الحصول على أعلى الدرجات في الإنشاء،  وكان هذا التنافس يبلغ في بعض الأحيان حدًا عنيفًا،  وكان أستاذ اللغة العربية يتدخل ليفض ويحاول أن يقنعني بأن هذا الزميل أكثر براعة مني،  ولكي أفوز عليه يجب أن أقرأ كثيرًا حتى تزيد حصيلتي من لغة الضاد الفصحى.

 

وكنت أذهب إلى المكتبة لأقرأ، وفي الإجازة السنوية أذهب إلى دار الكتب لأواصل القراءة، وحدث أن التقيت بزميلي المنافس هناك،  ولما أحسسنا أننا في مكان بعيد عن المدرسة وحصة الإنشاء،  تصافحنا في شوق وتناسينا الخصومة ورحنا نتجاذب أطراف الحديث،  وكانت في يدي مجلة قلبها زميلي بين يديه وقال أنه يستطيع أن يكتب أحسن من نصف الكتاب الذين يكتبون في تلك المجلة،  ونظرت إليه بدهشة تظهر تفاخره،  فأردف أنني أيضًا أستطيع أن أكتب بنفس الطريقة.

واتفقنا وتعاهدنا أن نصدر مجلة في العام القادم،  وكنا نلتقي في دار الكتب لترسم صفحات المجلة ونعد لها العناوين ونتخير لها المقالات،  واخترنا أن تكون المجلة أسبوعية وتصدر كل ثلاثاء وآثرنا أن نترجم لها موضوعات من الكتب والمجلات الأجنبية..  وفي بداية الهام الدراسي ألصقنا على حائط المدرسة إعلاناً عن المجلة..  وأطلقنا عليها اسم "السمير المصور"،  وكنا نقصد بالسمير أنها تؤنس وحدة القارئ وأما كلمة المصوّر فقد جاءت من بضعة رسوم تتخلل المجلة .

كانت المطبعة التي نطبع فيها مجلتنا في درب خلف دار الكتب وكانت مدرستنا في درب الجماميز،  وكنا ننتهز فرصة فسحة الغداء فنقفز من السور أنا وزميلي الذي سلمت بأن يصبح رئيساً للتحرير في حين أكون أنا المحرر الأول،  ونذهب إلى المطبعة التي تلتهم كل مصروفنا،  ونضطر أحياناً أن نجمع ثمنها من زملائنا الذين ينتظرونها بلهفة لنكمل ثمن الطباعة..  وفي يوم الثلاثاء كنت أخرج من المدرسة منتفخ الأوداج، فقد قمت بتوزيع المجلة على الباعة وكنا نطبع منها ألف نسخة أسبوعياً .

كانت مقالاتي في الصفحة الأولى تذيل بالتوقيع الذي اشتهر عني "بقلم الكاتب النحرير سراج منير"،  وكانت المجلة تلاقي رواجاً عظيماً،  وكنا نجمع ثمنها ونسرع إلى المطبعة لندفع عربون العدد الجديد،  وظللنا نصدر المجلة لمدة ثلاثة أعوام كاملة،  شجعنا فيها أساتذتنا وأثنى عليها ناظر المدرسة،  ولما تغير الناظر،  أقبل ناظر آخر له عقلية مختلفة فقد رأى في المجلة خطرًا عليه قد تزيحه من مقعده لأن المجلة تتعرض لبعض شئون السياسة وقد تشتم حاكماً،  فاستدعانا الناظر وطلب منا عدم الكتابة مرة أخرى في تلك المجلة،  وعدنا إلى الفصل وفي أعيننا دموع على صاحبة الجلالة التي صفعها ناظرنا،  وفي قلوبنا حسرة على السمير المصور التي كانت مبعثاً للفخر ومتنفساً للرأي وفرصة تعلم الكاتب النحرير سراج منير.