الأحد 19 مايو 2024

تنتشر فى المناطق الشعبية: «الصوفة» .. ابتزاز باسم الإنجاب!

16-2-2017 | 10:29

عادت ظاهرة إنجاب «الصوفة» (جمع السائل المنوى من رجل ووضعه فى رحم امرأة بهدف الحمل) لتشكل خطرا أخلاقيا كبيرا على المجتمع المصري، لا يقف فقط عند حدود تحدي إرادة الله في قضائه وقدره، وإنما يمتد، حسب علماء الأزهر، إلى التشكيك في صحة نسب المولود، ومما يزيد من خطورة الظاهرة أنها تتم في المناطق الشعبية بعيدا عن أعين المجتمع ودون رقابة، وتعود جذور الظاهرة إلى اتباع موروث ثقافي شعبي ينتمي إلى عوالم الجهل والشعوذة.

 

علي الرغم من علم بعض الزوجات بحال الزوج من عدم قدرته علي الإنجاب، إلا أنهن لا يتورعن عن الانسياق وراء تحقيق حلم الأمومة حتي ولو كان بقطعة من القطن مغموسة بسائل رجل غريب عنها، معللة لنفسها ذلك المنطق بكونها «لم يمسسها بشر»، ولم ترتكب الرذيلة مع رجل غريب عنها، وفي اعتقادها أن هذا ليس بحرام، ولا يقع تحت طائلة القانون، ولا يجرمه الشرع.

بعض الأعمال الفنية تناولت ظاهرة «الصوفة»، وكان آخرها مسلسل «السبع وصايا» الذي عرض في رمضان قبل عامين نفس الظاهرة، وقدم المسلسل لشريحة مجتمعية مفتقرة إلي الثقافة أو العلم تمثل فيها الزوجة التي تشكو من عقم زوجها، نموذجا صارخا للجهل بالثوابت والأحكام الشرعية باللجوء إلي إحدي الدجالات المشهور عنها علاج الزوجات اللائي لا يحملن من الزوج مباشرة بخداعهن بقدرتها علي تحقيق حلم الأمومة لديهن بالقطنة المغموسة بسائل زوج الدجالة و زرعها في رحم كل سيدة تلجأ لها لشهرتها في علاج السيدات المستعصي حملهن، بعد فشل الطب والأطباء في علاجهن مما يدعم صيتها ليس فقط عند الجهلاء، وإنما أيضا عند الزوجات المثقفات والحاصلات على شهادات علمية مرموقة مثلما عرض فيلم «عتبة الستات» الذي قدمته الفناة نبيلة عبيد، والفنان فاروق الفيشاوي، وعرض لحالة الطبيبة زوج ضابط الشرطة التي ألجأتها خادمتها إلي الاستعانة بـ «المبروكة» لقب الدجالة المشهورة (جسدت الشخصية الفنانة صفية العمري) التي تتمتع بقدرة شيطانية بتحقيق حلمها في الحمل ببعض العقاقير والوصفات الشعبية حتى تم حمل الزوجة من «الصوفة» التي تحصل مقابلها على أموال طائلة من اليائسات من الإنجاب من الزوج، حتي ولو بطرق غير مشروعة.

علماء الدين قالوا إن «الصوفة» وسيلة غير شرعية من أجل الرغبة في الإنجاب، حسب الدكتور أحمد عمر هاشم، أحد علماء الأزهر الشريف، والذي قال بأن الذهاب إلى الدجالين والمشعوذين مهما كانت الظروف ومهما كانت الحاجة الملحة في الرغبة في الإنجاب ليست من الشرع بأي حال من الأحوال، وإن رب العزة سبحانه وتعالي خلق خلقه بما أراد وبما يصلح لدينهم، وإن خلق الله عقيماً هذا بإرادته وحده جل شأنه، فلا يصح أن يغير أو يتحايل الإنسان على هذا، وعلى هذا فإن محاولة العلاج وجوبية شرعا في الحدود الشرعية والمسموح بها، فإن لم يستجب الشخص للعلاج، فلابد وأن يعلم بأنها إرادة الله في خلقه كما ذكر في كتابه العزيز «لله ملك السموات و الأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثاً و يهب لمن يشاء الذكور أويزوجهم ذكراناً و إناثاً ويجعل من يشاء عقيماً إنه عليم قدير»، فعلى من يحاول اتباع غير ذلك وعدم الإيمان المطلق بأن الله المانح والمانع، فقد أتى إثماً عظيماً.

ويشير الدكتور «هاشم» إلي أن من ترتاد مثل تلك الأماكن المشبوهة و تأتي بحمل سفاح فإن الولد ابن زني تماما مثل الإنجاب من الزنى، وعليه يجب أن تتقي ربها وأن تحتاط لأمر دينها، وعلى من يمارسون ذلك من الدجالين أن يتقوا الله فإنه سيحاسبهم حسابا عسيراً، وألا يوقعوا الناس في التهلكة وينسبوا إنساناً لغير نطفة أبيه.

وعلي الرغم من عدم تفشي «الصوفة» في صورة ظاهرة مجتمعية، إلا أنها واقع يخشي مع مرور الوقت أن تتحول إلى ظاهرة يرى فيها عديمو الإيمان حلاً لمشكلة الإنجاب التي طفت على السطح بصورة حثيثة في تقليد أعمي للغرب المعروف بالحرية والتحرر من القيود الشرعية والدينية التي تحمي المجتمع بتنزيل الله عز وجل، حيث يري الشيخ جمال قطب، رئيس لجنة الفتوي الأسبق بالأزهر الشريف، بأن العلماء تستنكر هذا العمل ولا تبيح اقتران إنسان لغير والده، فهذا يعد جريمة نكراء وعبارة عن غش أخلاقي وخلط للأنساب وهو كذب علي الله، و فوق ذلك فإن الجنين يعتبر ابن زنى، حيث لا يوجد عقد بين صاحب النطفة والأم، لذلك يحذر الشرع تحذيراً يجب الالتفات إليه والأخذ به معافاة من الوقوع في الإثم، و عقابا من الله إن أصروا على ذلك.

اتفاقا مع ما سبق، تقول الدكتورة سامية خضر، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، إن ما لفت نظرها في هذه الظاهرة هو جرأة المجتمع حاليا في تعريض بعض السيدات والفتيات بسمعتهن وبأنفسهن للقيل والقال واللغط في أمور لا جدال فيها ولا فسوق مثل تلك الفعلة الغريبة المسماة بـ «الصوفة»، وتضيف «كيف وصلت بنا الجرأة إلى التعدى على الحرمات وانتشار سلوكيات غير مقبولة شرعا وعُرفا ويعاقب عليها القانون؟، أين دور الجهات المعنية من ذلك والعمل على توعية وتحذير الشريحة البسيطة من السيدات بخطورة إتيان الصوفة التي كانت محصورة قديماً في المجتمعات الجبلية المنعزلة عن المجتمع النامي والقبلية التي تنتهج أعرافا وعادات يتبعونها بحسب قوانينهم التي تنظم حياتهم بعيدا عن القوانين المأخوذ بها في كل مكان».

«خضر» لفتت إلي ضرورة تفعيل كل المؤسسات المعنية بالثقافة وتحريك الفكر نحو العمل بالأهداف التربوية السليمة في الأسرة من أجل نشأة صحية لمجتمع صحي متوازن، وكذلك دور الفن والدراما التليفزيونية التي تدخل كل بيت، لا يجب أن نهمش قوته في تثقيف وتنوير المجتمع لأنه ذو تأثير بليغ على توعية الفرد من مغبة الوقوع في الجريمة، وأيضاً له من القوة دق نواقيس الخطر لمثل تلك السلوكيات التي تدمر المجتمع وتخلق فيه أجيالاً مشوهة فكرياً ترى الأخلاقيات استثناء والرذيلة فضيلة !!.

و أردفت «خضر» بأن طبيعة البشر وتكوينهم مكتسب من السلوكيات التي اعتادوها أو المحيطة بهم، وعلى الفرد أن ينقي سريرته من كل الشوائب التي تعلق بمكتسباته لكي يتمكن من التعايش بين المجتمع بما جبلته الطبيعة الربانية عليه وهو الخلق القويم، أما من يعتاد التعريض بكل ما هو مشروع و متواز مع ناموس الطبيعة فحتما مصيره السقوط.