تحقيق : أميرة صلاح – ولاء ياسين
مفردات وأفعال جديدة تطرق أبواب مجتمعنا الشرقي بدأت بـ”السنجل مازر”، فتاة أنجبت بدون زواج رسمي وقررت الاحتفاظ بالجنين وأطلقت على نفسها هذا المسمى، وهو ما فتح المجال أمام أخريات للتفكير في عدم جدوى الزواج، والذهاب إلى أن تحقيق حلم الأمومة يمكن أن يتم بطرق أخرى.
الـ”سينجل مازر” لم تكن الواقعة الغريبة التى شهدها الشارع المصرى مؤخرا، فقد ظهرت فتاة ادعت أن اسمها شريهان، وأنها اضطرت للسؤال عن “تجميد البويضات”، لكنها اكتشفت وجود مشكلة بمعدل التبويض بشكل يقلل نسبة الحمل مع مرور الوقت، ثم فجرت مفاجأة تضرب بأصول وأعراف المجتمع المصري عرض الحائط، حينما طلبت أن يتبرع لها رجل بحيواناته المنوية لتنجب طفلا نظير مقابل مادي، وذلك بعد أن تخطت الثلاثين، وفقدت الأمل في الحصول على زوج مناسب.
ما فعلته «السينجل مازر» والفتاة التى طلبت التبرع بـ»الحيوانات المنوية»، دق ناقوس الخطر، سواء فيما يتعلق بكيفية عمل المراكز الخاصة بـ»الإنجاب»، عن طريق «الأنابيب» أو «الحقن المجهرى»، والقوانين التى تحكم عمل هذه المراكز، ليس هذا فحسب، لكن علم النفس أيضا كان حاضرا بقوة لتحليل تلك الظاهرة، ومحاولة الوقوف على الأسباب الرئيسية الدافعة لها، إلى جانب أن الموقف الشرعى من هذه الظواهر كان واضحا.
من جهته، قال د. أحمد مرزوق، أخصائي نساء وتوليد بمستشفى الجلاء: هناك أسلوبان في مصر للإخصاب الصناعي، أولا أسلوب أطفال الأنابيب، الذى أصبح قديما وقليل الاستخدام الآن، حيث إنه يكون عبارة عن وضع البويضة والحيوانات المنوية فى أنبوب ثم حقنة في رحم الزوجة، فى حين يستهدف الحقن المجهرى حقن البويضة نفسها بالحيوان المنوى ثم وضعهما فى رحم المرأة، لذلك يكون الأكثر فاعلية.
وفيما يتعلق بشروط المراكز الخاصة لـ»التناسل والتلقيح الاصطناعى»، فيما يتعلق بـ»عمليات التلقيح»، قال: المراكز الخاصة والحكومية لا تسمح بعمليات التلقيح إلا فى حالة وجود قسيمة للزواج وقت السحب والتجميد لحين الحقن المجهرى وإتمام الحمل، كما يتحققون من صحة هذه القسيمة، وفي حال وجود بويضات مجمدة دون بيانات للزوجين داخل أحد المراكز، يتم سحب الترخيص الممنوح له وإحالته إلى النيابة العامة، والمراكز لا تقوم بعمليات التليقح إلا بعد التأكد من عمل كافة العلاجات الأخرى، بمعني لا يمكن أن يأتي زوجان بين شهرين فقط من زواجهم، مطالبين بعمل تلقيح، فيجب أن يكون مر عامان على الأقل من تاريخ عقد الزواج، إضافة إلى وجود تحاليل تؤكد استنفاد كافة الحلول الأخرى التي قد تؤدي للإنجاب.
في المقابل.. كشف د. أحمد الغندور، أن بعض مراكز التلقيح الخاصة تكتفي بالمقابل المادي فقط للقيام بعمليات التلقيح، وخاصة التي تكون ذات مبالغ عالية، حيث قال: يذهب الرجل والمرأة مطالبين بعمل العملية، وتجرى التحاليل الخاصة ويتم سحب العينات ويتحدد الموعد، دون وجود اتباع أية إجراءات خاصة بإثبات وجود زواج رسمي بين الطرفين.
غياب التشريع
«لا يوجد قانون ينظم عمل مراكز الحقن المجهرى وأطفال الأنابيب»، هذا ما أكد د. وحيد أمجد، أخصائي أمراض الذكورة والعقم، وأكمل بقوله: إن مراكز التلقيح تحكمها فقط ضوابط وزارة الصحة ولائحة نقابة الأطباء، وهناك من يرفض وضع قوانين واضحة بحجة أن تقنية أطفال الأنابيب نشأت منذ عام ١٩٨٦ وتعمل في ظل القواعد والنظم بطرق العلاج الطبي كغيره من الأنشطة الطبية، ولا يحتاجون إلى تشريع.
مواقع مخصصة للتواصل بين المانحين والمشترين
من جانبه كشف د. محمد إبراهيم أخصائى ذكورة وأمراض العقم أنه هناك مواقع عالمية يتواصل عليها المانحون والمشترون من كلا الجنسين، ويوجد عدد لا بأس به من الحسابات الشخصية للمانحين، ويتضمن الحساب البيانات الأساسية للشخص مثل اسمه وسنه وجنسيته، وكل ذلك ملحق بسببه للتبرع، ويكون في الغالب لمساعدة الأشخاص الذين لا يمكنهم الإنجاب، أو التربح وأغلبهم يعرضون هذه الخدمات للشواذ من الرجال والسيدات و«السينجل مازر».
وتابع: يتكون حساب كل شخص من صورة شخصية في بعض الأوقات والمواصفات الجسمانية والخلفية الثقافية أيضًا، بما فيها مستوى التعليم ومعرفة اللغات، وأسئلة أخرى عن الرغبة في السفر والصحة، وإذا كان لديه خبرة سابقة في منح الحيوانات المنوية، والكثير من أصحاب الحسابات لديهم خبرة في هذا المجال.
استنكار اجتماعي ورفض ديني
وتعقيبا على ظاهرة «السينجل مازر» ومطالبة إحدى السيدات بتبرع رجل بـ«بويضة»، قال د. جمال فرويز، أستاذ الطب النفسى يجامعة القاهرة: هذه الظاهرة تحمل شقين، حيث يتمثل الشق الأول في أن بعض الفتيات مرفهات ماديا يعتقدن أن كل شيء يمكنهن الحصول عليه بالمال حتي إذا أرادت الزواج على الورق فقط، والحصول على طفل من خلال الحقن المجهري ثم تطلب الطلاق، متصورة أن كل ما تفعله شرعي.
أما الشق الثاني – والحديث لا يزال لـ»فرويز»- يعد الأكثر خطورة، لأنه يمكن وصفه بـ»الجيل الرابع للحرب النفسية علي مصر»، بمعنى أن يظهر أشخاص من خلال وسائل الإعلام، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي يحاولون هدم فكر المصريين والعبث بعقائدهم الدينية والاجتماعية، ما يسبب زعزعة في الدين والمجتمع.
فى سياق ذى صلة، قال د. طه أبو حسين، أستاذ الصحة النفسية بكلية التربية بجامعة الأزهر: طلب بعض الفتيات بأن يصبحن أمهات عازبات ربما يكون طلبا غير حقيقي يقوم به بعض الأشخاص لتحقيق أهداف أخرى، ويمكن القول أيضا إنه كذب مؤقت ومحاولة لترويج فكرة الاستغناء عن الارتباط الرسمي أو الشرعي في مجتمع بكل تأكيد لن يقبل بفكرة التلقيح الذكري مدفوع الأجر».
وواصل حديثه قائلا: لا يمكن لطفل في مجتمع شرقي محافظ أن يعيش دون أن يكون لديه ينسب له ولن يتقبل فكرة نسبه لأمه وأن يُدعى بها وهذا أيضا مرفوض من الناحية القانونية، لذلك يجب الحذر من انتشار مثل هذه الأفكار المتطرفة ومواجهتها حتى لا تتفشي وإلا ستصبح سبة للمجتمع بأكمله.
أما د. هالة منصور، أستاذ علم الاجتماع بجامعة بنها رأت أن غريزة الامومة لدى كل النساء فهى شيء فطري ولكن هؤلاء الفتيات لا يعرفن قيمة ومسئولية الأمومة، وقالت: «من أهم مقتضيات وجود الطفل، توفير البيئة الصحية لنموه، تتمثل هذه البيئة في أن يأتي الطفل من علاقة شرعية يقبلها المجتمع، فالطفل بعد أن يكبر سيسأل أمه عن حقوقه وكيف جاء إلى هذه الحياة، وما هى هويته ومكانته داخل المجتمع، وسيشعر دائما أن المجتمع ينظر إليه على أنه شيء غير مكتمل، فهل فكر مثل هؤلاء الأمهات في مدى تقبل المجتمع لهذا الطفل؟!
وأردفت: هذا النموذج ضد الطبيعة الإنسانية، فالله خلق الذكر والأنثى ليكمل بعضهما الآخر، وذلك في إطار العلاقة المقدسة التي حددها والتي تصلح أن ينتج عنها أطفال، أما عن هؤلاء الفتيات فهن ناقصات عقل وفكر ومشاعر، ويعانين من اضطرابات نفسية ولديهن انحراف إنساني؛ لأن هذا المفهوم قبل أن يكون أخلاقيا أو دينيا فهو مرتبط بالهوية الإنسانية».
من جهته قال د. أحمد كريمة، أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر: «هذه جريمة مكتملة الأركان؛ لأن الشرع الحنيف جعل الزواج الشرعي هو الوسيله الوحيدة للإنجاب، حيث قال الرسول الكريم «الولد للفراش» أي للزوجية الصحيحة السليمة، فإذا أتت امرأة بولد ذكر أو أنثى بغير الطريق الشرعي المرسوم فهي خارجة عن إطار الدين إذا استحلت ذلك، ففي الجاهلية قبل الإسلام كان لديهم ما يسمى «نكاح الاستبضاع «، بمعني أن تذهب امرأة لرجل أجنبي ليجامعها حتي تنجب منه ابنا يحمل الصفات الوراثية المرغوبة لها، وهذه الطريقه محرمة ومجرمة.
وأضاف: «نص الفقهاء على أنه إذا استدخلت امرأة مني رجل للإنجاب؛ إن كان زوجها والزوجية قائمة صح ذلك، وإن لم يكن زوجها فلا ينسب إليه هذا الولد في أي حال من الأحوال، وتعاقب هذه المرأة عقابا شديدا لمخالفتها لأحكام الله عز وجل ، فيقول رسولنا الكريم «ايما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم حرم الله عليها الجنة».
كما شدد «د.كريمة»، على أنه لم يوجد في تاريخ الإنسانية كله عامة والتاريخ الإسلامي خاصة أم عازبة إلا الطاهرة البتول السيدة مريم العذراء، مع ملاحظة أن حملها المبارك كان بالكلمة الإلهية (كن) ولم يكن بالمعاشرة أو المضاجعة أو بالمسافحة، أما عن جريمة الأم العازبة فهى مع كونها استبضاعا أو أحيانا تسمى مسافحة فهي تشبه الزنا، فيها الولد لا ينسب إلا لأمه فقط وهي الجانية عليه وليس المجتمع».
وعن قيام بعض النساء بالزواج بشكل مؤقت لتنظيم عملية الإنجاب بشكل شرعي، عقب على الأمر بقوله: الزواج في الشريعة الإسلامية يبنى على التأبيد وليس التأقيت، حيث تقبل جميع العقود في الشريعة الإسلامية تحديد المدد الزمنية، إلا عقد الزواج وذلك في مذهب أهل السنة بمصر وأغلب بلاد المسلمين، ومن تفعل ذلك فهى آثمة وعاصية؛ لأن الله عز وجل قال عن الزواج سواء أثمر عن أبناء أو لم يثمر «ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة».
وفيما يخص قيام بعض السيدات بتجميد بويضاتهن لتأجيل الحمل ولزيادة فرص الحمل في السن المتأخرة، فقد أكد أن هذا حرام شرعا ولا يجوز، فالولد ينسب لأبيه ما كانت الزوجية قائمة، فإذا انتهت الزوجية بالطلاق أو وفاة الزوج، فخلال تسعة أشهر من انتهائها ولم يحدث حمل خلالها، فإن الطفل لا ينسب لهذا الرجل بأي حال من الأحوال.