الإثنين 27 مايو 2024

ممر التنمية الشرقى

16-2-2017 | 11:21

بقلم – سفير دكتور محمد حجازى

مساعد وزير الخارجية الأسبق

دكتوراه فى نهر النيل والموارد المائية

طرحت دوما فى محاضرات ومقالات رؤيتى لـ»ممر التنمية الشرقي» كإطار تعاونى شامل للنيل الأزرق بين مصر والسودان وإثيوبيا، والذى إن أحكمنا صياغة أسسه وتبنيه كاستراتيجية موثقة من الدولة والجهات الفنية, فمن شأنه أن يتعامل بأسلوب أشمل مع قضية أزمة سد النهضة بأسلوب يحقق مصلحة الدول الثلاث، بحيث يتم التنسيق المائى بين سدود الدول الثلاث، وفقا لمعدل تخزين وأمد زمنى متفق عليه لسد النهضة بما لا يضر بمصالح مصر المائية، كما يصاحب ذلك مشاريع مصاحبة من ربط بطريق بري، وسكك حديدية، وربط كهربائى بين البلدان الثلاث. والأهم أن دولة حبيسة جغرافيا مثل اثيوبيا ستجد لنفسها منفذا عبر موانئ البحر المتوسط المصرية، وبحيث يصبح التعاون جاذبا لإثيوبيا بالذات وللسودان، ومحققا لمصالح الأطراف الثلاثة، فمن خلال منظومة التعاون تلك سوف تتحول المياه لجزء من جوانب التعاون، وستصبح حسب مشروع ممر التنمية الشرقى الكهرباء والنقل البرى والبحرى وانتقال الأفراد والسلع والبضائع جوانب من آفاق أشمل لمنظومة علاقات قائمة على الربح المتبادل وعلى التعاون بدلا من الفرقة والانقسام.

نهر النيل شريان أوحد للحياة فى مصر

فالثابت علميا أن أحواض الأنهار هى نظم ووحدات متكاملة، فنهر النيل نظام متكامل لابد وأن يتم التعامل معه كوحدة طبيعية يجب أن تدار موارده المائية بشكل جماعى متناسق وكذلك تنمية موارده الزراعية والصناعية بل والاجتماعية والبشرية والثقافية، فالتنمية المتكاملة لأحواض الأنهار الدولية باتت من ضروريات الحفاظ على موارد النهر وحماية بيئته وتهيئة الأجواء من أجل عملية تنمية يتحول فيها النهر لأداة ربط وتعاون، لا أداة توتر ومواجهة، وتتحول المياه كجزء من خطة تنمية شاملة تتم بشكل متناسق بين دول الحوض بما يحفظ لكل طرف حقوقه؛ وكى يستفيد الجميع من مزايا التنمية المستدامة والاستفادة من الدعم الدولي، والواقع أن إستراتيجية إدارة الموارد المائية فى ظل تخطيط متكامل وشامل هو وحده الكفيل بحفظ النظام الطبيعى للنهر، ويحقق مصالح كافة دول الحوض ويحول دون الصراع والمواجهة.

والمعروف أن الظروف الطبيعية تقسم المصالح المختلفة لدول النهر فى تنمية واستخدام موارده، ففى حين تهتم مصر والسودان بالرى أساسا حيث تقل نسبة الأمطار، تهتم أثيوبيا وأوغندا بشكل رئيسى بتنمية الطاقة المائية الكهربائية، بينما يعد النقل من أكثر اهتماماتها أيضا مع باقى دول وسط القارة لأن أغلبها دول حبيسة مثل أوغندا وبوروندى ورواندا وإثيوبيا ذاتها.

وأمامنا فى هذه المرحلة من عمر النهر وتاريخه المجيد منعطف تاريخى هام فى علاقة مصر والسودان بدول المنابع، وإثيوبيا على وجه الخصوص، وما أكدته فى مقالات لى سابقة أن لها الحق فى التنمية ولكن لمصر كل الحق فى الحياة، فالنهر بالنسبة لها والسودان ضرورة وجودية قبل أن يكون رافدًا تنمويًا، لذا فعلينا فى هذه المرحلة أن تتكاتف جهودنا الدبلوماسية والبرلمانية وقدراتنا القانونية والفنية لصياغة موقف مصرى مستقر وثابت، يأخذ فى حسبانه إيجاد الصيغة الأمثل للتعامل مع سد النهضة من خلال قيام الدول الثلاث معا وبمساندة من باقى دول الحوض كله لصياغة معادلة مرضية تسمح برؤية متكاملة للتنمية العادلة تضع مصالح الأطراف الثلاثة فى الحسبان، ووفقًا للقواعد القانونية الراسخة، وبما يسمح بتنمية النيل الأزرق لصالح دوله، ويكون واضحًا أن مصر لا تقف ضد أى مشروع تنموى ما دام لا يضر بمصالحها، وعليه يتم السعى وفى إطار متابعة دراسة الشركتين الفرنسيتين اللتين تعكفان حاليًا على دراسة الآثار البيئية والأضرار التى يمكن أن يسببها السد لدولتى المصب والسودان، وتحديد معدلات التخزين المثلى والمدة الزمنية المطلوبة بحيث لا يضر لا حجم تخزين ولا معدله بشكل مجحف بالدولتين مصر والسودان، وكذلك معدلات التصريف المثلى والتى تراعى مصلحة البلدين وتسمح لأثيوبيا بمعدل تخزين يسمح بتوليد الكهرباء الممكنة وفقًا للتدفق الطبيعى للنيل الأزرق حاليًا natural flaw وبقدر الإمكان نفس معدل التصريف خلف سد الرصيرص بالسودان، وقبل تلاقى النيلين عند الخرطوم، كما يلزم أيضا قياس مواز لمعدل التدفق الحالى خلف سد مروى فى السودان قبل وصول النيل عند أسوان ضمانًا أيضًا لالتزام السودان باتفاقية ١٩٥٩ واستمرار معدل التصريف الحالي، وهو مايجب أن تقوم به بعثات فنية ثلاثية مقيمة بمواقع السدود تدير وتشرف على تطبيق نظام تشغيل متناسق ومتفق عليه للسدود فى البلدان الثلاث وفقا لاتفاق قانونى وفنى ملزم.

يمكن أيضًا ومن خلال المشاورات الثلاثية وفى تداولنا مع الشركتين الفرنسيتين الإيعاز بإمكانية البناء والتشغيل والتخزين على فترتين زمنيتين حتى لو تم الانتهاء من البنيان الخرسانى، الأولى الآن وتشمل معدل تخزين ملائم وليكن كما كان مخططًا لسد الحدود Border فى حدود ١٤ مليار متر مكعب تدير المرحلة الأولى، وهى المواصفات التى وضعها مكتب الاستصلاح الأمريكى عام ١٩٦٤ لمشروع سد (الحدود) الأثيوبى من حيث سعة التخزين، مما يسهل السيطرة على آثاره عند الضرورة، ومايسمح باستيعاب الأطراف للآثار الناجمة والتعايش المتدرج مع آثار السد واحتواء آثار مائية أو بيئية له، والمرحلة الثانية قد تكون بعد عدة سنوات، وذلك بالقياس على عملية بناء سد أوين فى أوغندا والذى بنى بين أعوام ١٩٤٩ – ١٩٥٣ بتعاون وتمويل مصرى مشترك (سددت مصر آنذاك ١٠ ملايين استرلينى)، ثم تمت التعلية عام ١٩٩١ بموافقة وتشاور واتفاق مع مصر، حيث تم تبادل مذكرات رسمية بين وزارتى الخارجية فى البلدين وهو نموذج يمكن تكراره.

ويجب على مصر أن تسعى من أجل أن يكون خيار التعاون جاذبًا للجانب الأثيوبى وللسودان من خلال التقدم بمشروع للتعاون الإقليمى أو «ممر التنمية الشرقي»، فإذا ما تم الاستقرار على مقاييس بناء وتخرين وفقًا لنطاق زمنى مناسب ودون الإضرار بالمنشآت الهندسية والسدود فى السودان ومصر، وفقًا لنظام محاكاة على الكمبيوتر يحقق التوازن ويحدد نسب التخزين التى لا تضر وتتكامل بين السدود فى البلدان الثلاث. فيتم الاتفاق على إقامة مشروع تنمية تكاملى يهدف لربط البلدان الثلاث نسميه «ممر التنمية الشرقي» ويبدأ من سد النهضة والمتفق على التنسيق بينه وسدود السودان ومصر والتعاون فى إدارته بمقاييس ومعدلات متفق عليها، بشبكة ربط كهربائى بين البلدان الثلاث، وستكون ذات عائد للسودان ولمصر يسمح باستخدام طاقة نظيفة وتوظيفها فى صناعاتهما أو تصديرها، وإنشاء طريق برى وخط للسكك الحديدية عابرًا للحدود حتى الخرطوم ثم لأسوان فى حدود ٩٤٠ كيلو مترا (٤٠ كيلو متر من موقع سد النهضة – ٩٠٠ كم حتى أسوان مارا بالخرطوم) مما يسمح لأثيوبيا كدولة حبيسة بتصدير سلعها وباقى الأنحاء وعبر موانى الأحمر والمتوسط وهى ميزة لدولة حبيسة جغرافيًا مثل أثيوبيا، بل ونطرح هنا امكانية استخدام المنطقة الاقتصادية الخالصة فى قناة السويس كمنطقة تخزين وتصدير لوجستية من قبل أثيوبيا والسودان بل وباقى دول الكوميسا كنافذة لصادرات تلك الدول من لحوم ومنتجات زراعية وصناعية أخرى للاسواق العربية والأوربية والأمريكية وغيرها.

ما يشجع على هذا الطرح أيضًا أن حديثًا عمليًا وجديًا بات اليوم يشمل إنشاء طريق نقل بحرى عبر بحيرة فيكتوريا للمتوسط وتدرس مصر مع بيوت خبرة عالمية هذا الملف، مما يجعل ربط النيل الأزرق بهذا المشروع أقصد أثيوبيا حيث سيمر المشروع القادم من فيكتوريا بالسودان لتستقبل أيضًا «ممر التنمية الشرقي» المقترح، أى المشروع القادم من أثيوبيا وعليه تكون الخرطوم نقطة التلاقي، للمشروعين الإقليميين، ممر التنمية الشرقى القادم من الأراضى الأثيوبية ومشروع ربط بحيرة فيكتوريا بناقل بحرى للمتوسط خاصة مع ما أبدته إثيوبيا من اهتمام بمشروع فيكتوريا- المتوسط .

ومن الضروري، إذا ما تم التوافق بعد عمل الشركات الفرنسية على أسلوب إدارة وتشغيل والبناء بمعايير ومقاييس متوافقة وهو ما نأمله، يتم صياغة اتفاق قانونى جامع ملزم للأطراف الثلاثة فى النيل الشرقي، على غرار اتفاقية ١٩٥٩ بين مصر والسودان أن يكون ممكنًا توسيع نطاقها لتشمل أثيوبيا مع إجراء التعديلات القانونية اللازمة بحيث تحكم العلاقة بين الأطراف الواقعة على النيل الشرقى (الأزرق) اتفاقية قانونية ملزمة، وهذا هو شأن الاتفاق على الموارد المائية بالذات، كما قد تنشأ حتمًا الحاجة كما ذكرنا لإيفاد بعثات متابعة مشتركة لأسلوب إدارة سد النهضة، وفقًا للمعايير المتفق عليها وكذا الحال بالنسبة لباقى سدود السودان لضمان التزام الأطراف.

والرؤية المتكاملة تلك لتنمية وإدارة حوض النيل الشرقى متفقة فى أهدافها ومضمونها مع توجهات وآليات عمل مبادرة حوض النيل والتى اختصت دول حوض النيل الشرقى بآلية تنسيقية خاصة بالنيل الأزرق ENTRO -Eastern Nile Technical Office

ولاحقا وضمن رؤية التعاون الإقليمى الشامل تلك يكون من بين أهداف التعاون مع جنوب السودان هو الانخراط فى مشروعات تقليل فواقد مياه النيل وإقامة مشروعات تنموية فى الجنوب، وأخذا فى الاعتبار ما يمكن تنفيذه هناك فى إطار مبادرة حوض النيل الأشمل.

وتتفق رؤية التعاون الإقليمى المقترحة فى إطار مشروع تكاملى يجمع دول شرق النهر مع إعلان المبادئ الهام الذى وقعه الرؤساء المصرى عبد الفتاح السيسي، والسودانى عمر البشير، ورئيس وزراء إثيوبيا هايلى ماريام ديسالين خلال قمتهم فى الخرطوم فى ٢٣/٣/٢٠١٦ وتضمنت وثيقة إعلان المبادئ تلك لسد النهضة التى قال عنها وقتها إنها تؤكد على توافر الإدارة الطيبة للأطراف الثلاثة للتغلب على العقبات، وأكد البشير أن التعاون هو السبيل للتفاهم بين شعوبنا وأنه بدون التعاون ستفوت الفرصة فى حياة كريمة، وأكد رئيس الوزراء الإثيوبى أن سد النهضة لن يضر بمصالح مصر، ويرى وزير الخارجية أن هذه المبادئ تعد بداية لمزيد من التعاون بين الدول الثلاث فى المسار السياسى والفني، وأكد الوزير الإثيوبى أن الاتفاق يفتح فصلًا جديدًا بين الدول الثلاث وسنلتزم به.

ويتفق ما نطرحه بشأن التعاون الإقليمى مع دول حوض النيل الشرقى ودول حوض النيل عمومًا مع التوجه الدولى لتمويل مشروعات متعددة الأغراض وكذلك التى تخدم أكثر من دولة، ويترقب المانحون منذ إعلان مبادرة حوض النيل لتوافق دول المبادرة وهو ما لم يكتمل حيث أصرت دول المنابع على التوقيع منفردة على اتفاقية عنتيبي، مما أبقى الاتفاق الذى كان منشودًا أن يتحول لاتفاق إقليمى شامل لدول المنابع والمصب معًا لمجرد اتفاق حاليا يمكن وصفه بأنه بات شبه إقليمى للتنسيق فقط بين دول المنابع مما جعله قاصرًا عن جذب استثمارات دولية ودعم كان مرتقبًا من الشركاء.

وقد مرت مفاوضات عنتيبى لصياغة الإطار القانونى والمؤسسى للتعاون بين دول حوض النيل تمر عام ٢٠٠٦ بصعوبات جمة، حيث تم التوافق تقريبا على كافة بنود الاتفاقية عدا ثلاث نقاط أساسية مرتبطة بالأمن المائي، والإخطار المسبق، والتعديل بأغلبية الثلثين، وكان موقف مصر المبدئى من النقطة الأولى والأهم هو الحفاظ على حصة مصر المائية الراهنة، ومساعدة للأطراف تقدم الوفد الأوغندى باستفسار مباشر وقتها للوفد المصرى عن جوهر تمسكنا بالاتفاقيات القائمة، وهل من الممكن تأمين هذا الموقف فى الصياغة الجديدة المقترحة للأمن المائي، فأوضح وفدنا أن مفهومنا للاتفاقيات القائمة هو الحفاظ على حصة مصر الحالية، والتى قامت عليها الحضارة المصرية منذ الأزل وتعيش على ضفاف النهر منذ نشأة الشعوب، ولا يمكن القبول بأى مساس بها.

عاد الوفد الأوغندى بمقترح وسط يجمع بين مصالح وأهداف مصر على النحو الذى أوضحناه، ومواقف باقى دول المنابع المتطلعة للتنمية والتى تأمل ألا يؤثر عليها تقديم أى تنازل قد ينال من طموحاتها، وقدم الوفد الأوغندى آنذاك صياغة مفهوم الأمن المائى بالفقرة رقم (١٤ ب) قائمة على أساس عدم الإضرار بالاستخدامات الحالية (مصر والسودان- اى حصتنا المائية) وأضاف الأوغنديون والاستخدامات المستقبلية (حق دول المنابع فى إقامة مشروعاتها التنموية المستقبلية).

بدا أن هناك رضا وموافقة من كافة الوفود بما فيها الوفد الإثيوبي، وكنا فى ذلك الوقت فى العاصمة البوروندية بوجمبورا والتى استضافت الدورة السابعة للتفاوض، بل وأطلق على هذا الحل الوسط التاريخي، بتسوية وإجماع بوجمبورا، وحيا الوزراء وأعضاء الوفود بعضهم البعض بعد جولات من التفاوض الصعب فى مشهد رائع ومفعم بالأمل، وكان متوقعا أن يتم الدعوة لقمة تالية للقادة للتوقيع بالإسكندرية.

مرت أسابيع قليلة وصدرت مؤشرات سلبية من أديس أبابا وأنها لم تكن راضية عن هذا الحل الوسط وأنها ليست جزءا من هذا الإجماع، ودعت دول المنابع مجددا لاجتماع فى رواندا، مما أعاد الوضع لما هو عليه وجذر للخلاف القائم حتى اليوم دون حل للفقرة ١٤ب الخاصة بالأمن المائي، وبدأت الفرقة الناشبة بين مصالح دولتى المصب ودول المنابع والتى حالت دون تصديق مصر والسودان على الاتفاق الإطارى وتجميد نشاطها داخل مبادرة حوض النيل والتى اتخذت مقرها فى مدينة عنتيبى الأوغندية، وبعد أن كان مأمولا أن تتحول المبادرة لمنظمة شبه إقليمية جامعة لكافة دول حوض النيل، قبعت فى المساحة المحدودة الراهنة كمعبر عن مصالح دول المنابع دون دول المصب، وهو ما أدى لإحجام واضح فى المساندة والدعم الدولى الذى كان مقررا لتعزيز فرص التعاون الإقليمى الشامل فى إطار حوض النيل كله لا بعض أجزائه.

والجديد فيما أطرحه الآن وقد يحدث الفارق ويؤدى لانفراجة، هو أنه ما كانت الأحداث قد توالت، وجدت أمور وطرأت مستجدات فى العلاقات المصرية الإثيوبية، والمصرية الأوغندية ومع باقى دول حوض النيل، ومنها أن إثيوبيا فى طريق استكمال مشروعها التنموى المتمثل فى سد النهضة (والجارى بحث آثاره على مصالح مصر والسودان من قبل الشركتين الفرنسيتين) والمأمول أن تسهم تلك الدراسة فى المواءمة بين مصالح إثيوبيا ومصر والسودان، وهو أمر ممكن بل وحتمي، وقمنا من خلال عرضنا السابق لفرص وإمكانيات المشروع الإقليمى الشامل لممر التنمية الشرقي، تقديم تصور لتلك المواءمة وهذه الرؤية المتبادلة لحق الحياة لمصر والسودان وحق التنمية فى إثيوبيا على السواء.

ترتبط تلك النقطة أيضا بالتفاهم الاستراتيجى المتنامى بين مصر وأوغندا، واللقاء الأخير للرئيسين عبد الفتاح السيسى ويورى موسيفينى فى كمبالا، وتولى موسيفينى رئاسة مبادرة حوض النيل وتعهد ببذل مساعيه لتقريب وجهات النظر بين دول حوض النيل، لإطلاق طاقات المبادرة الأهم فى تاريخ الحوض.

وحتى تنطلق منظمة إقليمية جامعة للنهر تسعى من أجل تنمية دولة، فقد يرى مفاتحة الجانب الأوغندى فى إمكانية معاودة النظر فى طرح المقترح الأوغندى مجددا وفقا للصيغة التى تم اعتمادها فى بوجمبورا، فى ضوء تغير الظروف وما تم إنجازه فى مسار العلاقات النيلية، والعلاقات المصرية الإثيوبية رغم كل ما يعتريها أحيانا من حساسيات فقد قطعت أشواطا فى بناء الثقة والجسور، حيث إن رفض إثيوبيا وقتها للمقترح كان مبنيا على توجه أن يرتب التزاما عليها قد يحول دون إقامتها مشروعاتها المستقبلية، ولما كان الأمر الآن قد حمل لها أسانيد للاطمئنان لنوايا مصر وقدرتها على السير فى مشروعاتها التنموية، فإن معادلة احترام مصالح مصر المائية دون إضرار، وهو ما يمثل الأمن المائى للسودان ومصر، يمكن أن تسير بالتوافق والتنسيق مع احترام حق أثيوبيا وباقى دول المنابع فى التنمية، وهو مايمثل الأمن المائى لتلك الدول، وظنى أن جهدا مصريا أوغنديا سودانيا مع أثيوبيا بعقلية ما بعد سد النهضة (المتوافق مع عدم الإضرار بمصالحنا المائية والبيئية والاجتماعية بحسب دراسة الشركتين الفرنسيتين المتوقعة)، قد يحدث انفراجة تعيد التماسك والتوافق لمبادرة حوض النيل مما يخلق المناخ الإيجابى والثقة بين أطراف الحوض منبعا ومصبا، ويسهم أيضا فى ترطيب الأجواء بين مصر وأثيوبيا، لاسيما وأن داخل مبادرة حوض النيل يوجد شق تنموى رئيسى يتعلق بالتنمية المتكاملة لحوض النيل الأزرق المعروف باسم ENSAP وهو برنامج عمل مشترك بين مصر والسودان وإثيوبيا، بينما برنامج إطار التعاون الثانى هو لدول البحيرات الاستوائية NELSAP ويشمل بوروندي، الكونغو، كينيا، رواندا، تنزانيا، وأوغندا، وجنوب السودان، ومصر والسودان بالطبع.

الخلاف الراهن بين دول المنابع والمصب حول صياغة الفقرة الأهم ١٤ ب من الاتفاقية الإطارية- عنتيبيولوضع المقترح موضع التنفيذ تبدأ الجهات الفنية بمراجعة الصيغة الأوغندية، وتضمينها فى خطاب أو من خلال مبعوث لطرحها على الرئيس موسيفينى أو الجانب الأوغندى بعد تشاور مصرى سوداني، كأسلوب جمع لدوله، وللنهر ذاته وبيئته، للتعاون الإقليمي.

ويمكن فى توقيت مناسب معاودة طرحها على الجانب الإثيوبى كصيغة ملائمة أسهمت التطورات الزمنية والفنية والسياسية المتلاحقة فى توفير مناخ أكثر إيجابية من توقيت طرحها، بالإضافة إلى أنها تراعى بتوازن مصلحة دول المنابع والمصب على حد سواء، ودون افتئات أى جانب على الآخر، مع إبراز جدوى إطلاق احتفالية التوقيع لجذب المانحين والتعهدات الدولية الهامة بما يعود بالخير على الجميع، خاصة على الأقل نموا اقتصاديا ومائيا وأغلبها من دول المنابع، حيث يمكن لسلطة مياه النيل أن تحقق فى محيط النهر بنفس القدر مثلا الذى حققت فيه سلطة نهر الميكونج فى جنوب شرق آسيا مشاريع تنموية للدول المتشاطئة (كمبوديا-لاوس-فيتنام-تايلاند) بما يفوق قيمته نحو ٢٢ مليار دولار لخدمة خطط تنمية كافة دول النهر، والذى أضحى رابطا للتعاون وليس سببا للخلاف والتوتر، فالمكسب للجميع وتحسنت اقتصاديات دول الميكونج وتحسنت بيئة النهر ذاته، والنيل أعز من يترك نهبا للخلافات، والحل يكمن فى المواءمة فى المصالح كما عرضنا وفى صياغة تسير فى هدى الاقتراح الأوغندى المشار إليه وهو فى جميع الأحوال اقتراح صدر عن دولة منابع لصالح الكل ولم تسمح الظروف وقتها بتمريره، فهل تسمح الآن جهود الدبلوماسية الثنائية والإقليمية وتواصل حكماء وقادة القارة حتما سيساهم فى الوصول لاتفاق، ويمكن إثارة هذا الطرح خلال زيارة وفد مبادرة حوض النيل المرتقبة للقاهرة وهى زيارة هامة للغاية وتواصل بعد انقطاع وتأكيد على أهمية مصر كشريك رائد فى تنمية الحوض ودوله وكذلك إدراك الجميع أن انضمام مصر سيفتح طريق التعاون والاستفادة من مجتمع المانحين المتردد بسبب غياب مصر، وبالإضافة لما يخص الحل الوسط الأوغندى لاتفاق عنتيبى يمكن كذلك التشاور حول الصلة التى يمكن أن تنشئ بين مقترح ممر التنمية الشرقى ومشروع فيكتوريا المتوسط؛ كى يتحول النهر بكل روافده لواحة للخير والنماء بدلا من أن يكون ساحة للصراع ومع بعض الإصرار والمثابرة يمكن تحقيق أمل ممر التنمية الشرقى ويبقى النهر باعثا للحياة والنمو للجميع.