الإثنين 3 فبراير 2025

مقالات

السودان ثنائية السلطة وغياب السياسة

  • 26-4-2023 | 14:15
طباعة

سطر محمد جالي شاب سوداني وشقيق أوسط لكل من مصعب، الأخ الأكبر، ويعقوب، الشقيق الأصغر، عبر موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، رسالة تلخص واقع السودان ذلك الوطن المأزوم، موجهة لأخويه اللذين يقفان على جبهتين مختلفتين في الحرب التي تدور في السودان، إذ يقاتل الأخ الأكبر في صفوف الجيش ضد أخيه الأصغر الذي ينتمي لقوات الدعم السريع.

أمام ذلك الواقع الدرامي، لم يجد «جالي» سوي كتابة تلك السطور البائسة، التي تقطر حزنا وترسم صورة لواقع امتنا، «إلى شقيقي مصعب جالي بالقوات المسلحة، ليلة البارحة رزق الله شقيقنا الأصغر بقوات الدعم السريع يعقوب جالي بولد وحتى الآن لا يعلم بذلك. إذا وقع أسيراً في يدك أو وقعت أسيراً في يديه فأخبره بهذا الخبر. أسأل الله أن يحفظكما جميعاً في هذه المعركة التي أرى أن الخاسر الوحيد فيها أنا». 

تلك الرسالة أصدق تعبير عن واقع الأمة بشكل عام والسودان بشكل خاص، والذي جعلت منه الجغرافيا مطمع للدول الكبري، من أجل السيطرة علي البحر الأحمر، وجعلت ثروة وذهب السودان أيضا هدفا للمغامرين الباحثين عن الثروات دون جهد يذكر، وبإمكانهم صناعة الاتفاقات.. فالمال مقابل السلطة.
عقب سقوط نظام الرئيس جعفر النميري في عام 1985 وتشكيل حكومة انتقالية برئاسة المشير عبد الرحمن  سوار الذهب، كانت البداية في تسليح بعض القبائل ذات الأصول العربية في إقليم كردفان، المعروفة بـ «المراحيل» لمعاونة الحكومة الانتقالية في حربها مع تمرد جنوب السودان وحماية الحدود، و لاحقاً، خاضت  الحرب التي اندلعت خلال عام 2003، في إقليم دارفور، و آنذاك ظهر مسمى ميليشيات «الجنجويد» كمرادف لها، مع تنامي دورها كان لابد من تقنين وضعها، حيث تم إلحاقها بوحدة استخبارات حرس الحدود بالقوات المسلحة، لكن في منتصف عام 2013  انتقلت تماماً من مرحلة الميليشيا إلى قوات الدعم السريع كقوة تابعة للحكومة السودانية تحت قيادة جهاز الأمن والمخابرات الوطني، و تطور الأمر بصدور قانون الدعم السريع في عام 2017 ليجعلها تحت قيادة رئيس الجمهورية مباشرة. 

ذلك الواقع الجديد لميزان القوة داخل المعادلة السودانية، وفي ظل غياب السياسة، خلق ثنائية السلطة بعد سقوط نظام البشير. 

المراقبون لواقع الأزمة الراهنة في السودان لديهم تصور أكبر من الطرفين الفاعلين في الداخل السوداني، بمعني أدق أن هناك أطراف دولية ذات ثقل مثل الولايات المتحدة والتي لديها رعايا داخل السودان يحملون الجنسية الأمريكية يقترب عددهم من 19 ألف مواطن، الأمر الذي يعد ذريعة قوية للتدخل في الشأن السوداني. 
 يعتمد المراقبين للشأن السوداني في ذلك على تصريحات وزير الدفاع الأمريكي لويد اوستن، خلال مؤتمر صحفي في قاعدة «رامشتاين» الجوية بألمانيا: «نشرنا بعض القوات في مسرح العمليات لضمان توفير أكبر عدد ممكن من الخيارات إذا طُلب منا التحرك»، وكانت الولايات المتحدة قد نقلت قوات إضافية لقاعدتها العسكرية في جيبوتي، من اجل عمليات الإجلاء للبعثة الدبلوماسية. 

 اعتقد أن الولايات المتحدة لن تكون بعيدة عن هندسة الوضع في السودان، خاصة في ظل تواجد النفوذ الروسي هناك والمرتبط بعمليات تعدين الذهب، بل أن تصريح سيرجي لافروف وزير خارجية روسيا حول حق السودان الاستعانة بخدمات شركة فاجنر قد أثار رد فعل الولايات المتحدة، حيث عبر انتوني بلينكن وزير الخارجية الأمريكي، في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الكيني، عن قلق بلاده قائلا «نشعر بقلق بالغ لوجود، مجموعة «فاجنر» في السودان». 

ما يجري في السودان نتيجة لغياب السياسة، واعتماد الصراع على السلاح كحل حاسم للأزمة، الأمر الذي يؤدي إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية، خاصة مع انهيار المنظومة الطبية والدخول إلى شبح أزمة غذائية، ويمهد لتدخل من جانب قوي مختلفة في السودان ويظل الشعب هو الخاسر الأكبر من ذلك الصراع. 

أخبار الساعة

الاكثر قراءة