الأحد 2 يونيو 2024

انهيار العقارات جريمة قتل عمد

16-9-2017 | 17:49

 بقلم – فريدة الشوباشى

غير مقبول ولا معقول أن نظل نبكى على أطلال «الضمير» في بلدنا دون التوجه عما يمكن أن يقوم بدور الضمير وبأجلى صورة،وتفعيل القانون وتطبيقه بصرامة ونزاهة مطلقة.لا يمر شهر تقريبا دون أن نفجع بحادث انهيار عقار من فصيل الأبراج ونعاني من تبعاته المؤلمة والمحزنة ..

 

كان الحادث الأخير في هذا المسلسل الأليم،في مدينة الإسكندرية حيث انهار أحد الأبراج السكنية .وهنا لا بد لنا من التوقف و طرح الأسئلة الواجبة ومحاولة الرد عليها بعد أن تفشت ظاهرة البناء العشوائي،دون ضابط أو رابط،بكل ما سببته من خسائر فادحة ،ليس أقلها العدوان على الأراضي الزراعية والتهامها دون «الاعتداء !؟» على الأراضي الصحراوية المتاخمة لها . نعرف وتعرف الدولة أيضا أن تصاريح البناء تصدر عن المحليات نظير « دفع المعلوم» دون أدنى رقابة من المحافظين أو الحكومات المتعاقبة ،ويكفي أن يقوم أي مسئول بجولة على الطريق الدائري والمحور ليشاهد بنفسه كيف استشرى سرطان البناء العشوائي بصورة شديدة القبح، والأدهى أن البناء ،بتواطؤ المحليات ،متواصل وبوتيرة محمومة ،منذ عام ٢٠١١ وحتى اليوم.وبطبيعة الحال أن من يدفع رشوة لمسئول يعرف تماما أن أحدا لن يسائله ،أو يفرض عليه احترام قواعد البناء. وهنا يتعين علينا التحلي بالشجاعة لمواجهة هذا الوباء،الذي يهدد الأجيال المصرية القادمة وأن تتسم المواجهة بالموضوعية والأمانة،حيث إن كلا من الطرفين، الراشي والمرتشي ،يعلمان تمام العلم أن الأبنية المخالفة لشروط البناء معرضة للانهيار ومن ثم مقتل معظم ساكنيها ،إن لم يكن كلهم.والجريمة هنا تكون وفقا للواقع والمنطق،جريمة قتل مع سبق الإصرار والترصد، وأظن أنه لو كانت الأجهزة الرقابية المنوط بها تطبيق القانون «نصا وروحا» قد حاكمت المرتشين المتسببين مباشرة في قتل ضحايا انهيار العقارات ،محاكمة جادة ومن منطلق مسئوليتهم عن إغماض العيون  وفقا للمثل القائل «اطعم الفم تستحي العين»..ويستحيل بطبيعة الحال أن يحتج أحد بعدم العلم بالجريمة ،لأنها ماثلة للعيان لكل الناس ولا تحتاج إلى «جهد»لكشفها،ولو أنهم تصدوا للجريمة وهي في مرحلة الشروع،ما وصلنا إلى هذا المعدل المفزع من الانهيارات العقارية.لقد تراجع القانون والعلم أمام تفشي الشعارات المتمسحة في الدين ،مثل « أن كل ما يحدث لنا مكتوب ويتم بإرادة إلهية»،ولو كان الأمر كذلك لتوقفت الحياة بالبشر ،إذ لماذا يحاسبنا الخالق عز وجل على ما قرره علينا ،بينما الحساب ،عقابا أو ثوابا،يتم على ضوء أفعال كل إنسان ،إن التواكل الأعمي والخبيث أحيانا يشجع البناء المخالف لكل شروط الأمان ،وعلى أساس «أن المكتوب مكتوب» وهو بذلك خداع وتدليس لتبرير الرشاوي والفساد . بقدر ما تدمي حوادث انهيار العقارات وما تخلفه من مآس إنسانية فادحة ،دون رادع أو وازع ،بقدر ما يحدونا الأمل بأن تتنبه الدولة بكافة أجهزتها إلى تطبيق القانون وفرض احترامه،حيث إن إهدار القانون والاستهزاء به،على مرأى ومسمع من الدولة ،يهز ثقة الشعب في مؤسسات بلاده ،ويدفع المواطن إلى اتخاذ موقف سلبي من كل أشكال إهدار القانون،وهو ما جعل شوارعنا عنوانا للإهمال والقبح ،حيث لا يلمس أحد أية جدية في التصدي للمعتدين على القانون ومن ثم على حق المجتمع في حمايته من كافة أنواع التهديد ،ومنها تهديد سمعة مصر الحضارية ،فهل يعقل مثلا،أن يصدق السائح الذي جاء إلى مصر منبهرا بما سمعه وما قرأه عن عظمة الحضارة المصرية القديمة ،أن بناة عشوائيات الدائري،هم أحفاد بناة الأهرام ،إحدى عجائب الدنيا السبع..إن تطبيق القانون بجدية واحترام هو السبيل الأول نحو عودة مصر إلى مكانها ومكانتها ،والى إشاعة الأمان والطمأنينة بين أبنائها