الخميس 18 ابريل 2024

أبدًا لم يكن وهمًا .. أوراق من حكايا الدرويش

مقالات11-5-2023 | 11:37

تبدو طيفا من نور، يتخلل قلبه أناء الليل وأطراف النهار، تجلس إليه في خلوته، تطوف به ويطوف بها، وكأنه شرب من كأس العشق حتى الثمالة، مسكون بعشقها، وأن كانت تقبع خلف حجاب تلك المشربية العتيقة، لا يلمح منها إلا تلك الملامح النورانية التي تطل من مقلتيها الساحرتين، ما بين شروق وغروب عينها يذهب «الدرويش» إلى عوالم خفية، وتدور في عقله أسئلة بلا إجابات هل هي حقيقة أم وهم؟ ويجيبه قلبه المسكون بعشقها.. «أبدا لم يكن وهمًا». 

كان صوت الموسيقى الصوفية يملأ الخلوة، وطيفها تملك روح «الدرويش»، لم يعد يرى سوى مقلتيها الساحرتين، فتخفف من جسده المثقل بالهموم، متمايلا في دوائر منتظمة، بينما كانت هي تنظر إليه من خلف المشربية العتيقة، ولا يزال السؤال المطروح.. حقيقة أم وهم؟ 

ينخفض صوت الموسيقى تدريجيا، لكنه يظل في خلفية تلك اللوحة البديعة، يفتح الدرويش عينيه ليجد نفسه في حضرتها، وكأن روحها تعانق روحها الشفافة، كانت نظرات «الدرويش» لها كاشفة عن مكنون قلبه العاشق، بينما كان اِحمرار وجنتيها وابتسامتها الرقيقة تنم عن أسئلة لا يملك «الدرويش» عنها إجابات منطقية لها؛ 
لم يكن يريد «الدرويش» لتلك اللحظة أن تنتهي، فهو عاشق، أراد كتابة تاريخ العشق وإن لم يكن يملك أبجدية نزار قباني أو قلم إحسان عبد القدوس، وهي كانت أجمل نساء الأرض، وأرق من «بلقيس».. لم يكن يمنحها فرصة للخروج من عالم لا يحكمه سوى العشق، لم يكن يؤمن سوى بالحب. 

ارتدى «الدرويش» عباءة الراوي، ليحكي لها قصة «بيت الكريتلية»، الذي يقبع في حي السيدة زينب، ولا يزال يحمل على جدرانه العتيقة قصصًا بل وأساطير.. لكن ما أرويه لك الآن قصة الطبيب العاشق، جابر أندرسون.

 
 كان يعيش في مصر بحكم خدمته في جيش الاحتلال الإنجليزي آنذاك، وأثناء مروره في أحد شوارع السيدة زينب تقع عيناه على فتاة مصرية ترتدي البرقع وتقف خلف المشربية، فوقع أسيرًا في حبها، واحتلت قلبه. 

آنذاك كانت الحكومة المصرية (1930-1935) بصدد اتخاذ قرار بهدم «بيت الكريتلية»، وعلم «أندرسون» بالقرار، ولأنه قرر الإقامة في ذلك الحي عقد اتفاقًا مع الحكومة المصرية لعيش في المنزل وتئول كل ما يملك من المقتنيات الأثرية التي جمعها إلى الحكومة المصرية ويتحول بعده المنزل إلى متحف، وشاهد على قصة الحب الصامتة. 

اصطحبها «الدرويش» من خلوته إلى «بيت الكريتلية» قائلا لها إن المسكون بالعشق لا يملك قرارًا، العشق قدر لا يوجد منه فرار، كانت تنظر إليه للمرة الأولى دون أن تخفض مقلتيها سريعا، لكن في تلك المرة أرادت أن تعلم ماذا تقول عيون «الدرويش»، كانت الاجابة الأثيرة «أبدا لم يكن وهمًا». 
 
وبالرغم من فترات صمتها عن الحديث، وإن تحدثت عيناها إلا أنها سألته لماذا يزعجك غيابي؟!

 
أفاق «الدرويش» من غفوته مدركا أنه كان في عالمه مع صاحبة الطلة الملائكية، وعادت الموسيقى الصوفية ترتفع تدريجيًا، وإن اختلطت بصوتها. 

وظل طيفها ملقيًا بظلاله علي «الدرويش»، بينما هو يجيب عليها، وماذا عن الوطن إذا غاب؟ «أبدا لم يكن وهمًا»