الجمعة 24 مايو 2024

القواعد الست بين الرادع والمرتدع من يردع من؟ أمريكا أم كوريا الشمالية

16-9-2017 | 23:55

بقلم – لواء .د. نصر سالم

هل يمكن أن يستيقظ العالم على شروق بلا غروب؟

هل يمكن أن يشهد العالم غروبا لا يرى بعده شروقاً؟

حتماً ستكون الإجابة إنه يوم القيامة.. والقيامة التي أعنيها هي التي يفعلها الإنسان بنفسه.. وكل شىء بقدر الله وبقدرته، ولكن ربما ما أعنيه هو ما حذرنا منه المولي عز وجل فى قوله “ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة” (سورة البقرة: (آية ١٩٥)

 

وهو ما جبلنا الله عليه وهو حب الحياة والمحافظة عليها، حتي إنه عندما أمرنا بالقتال، قال “كتب عليكم القتال وهو كره لكم” (سورة البقرة: آية ٢١٦)

أي أن الأصل هو تجنب القتال إلا للضرورة، مثل الدفاع عن النفس والمال والعرض والأرض.

لهذا اجتهد الإنسان منذ نشأته فى حماية نفسه والحفاظ عليها من أي اعتداء وظهرت نظريات القتال وتطورت على مر العصور، حتي وصلت إلى ما يعرف بنظرية “الردع”، والردع فى اللغة هو المنع، أما مدلول الردع كاصطلاح استراتيجي فهو “اتخاذ مجموعة من الإجراءات من جانب الرادع، توصل المرتدع إلى حالة من الاقتناع الذهني الذي يؤثر على سلوكه النفسي، لاتخاذ قرار يحقق أهداف الرادع”.

• وعناصر الردع ثلاثة:

١ - الرادع: وهو جهة ما (دولة أو شخص أو مجموعة) لديها أهداف محددة تريد تحقيقها - قد تكون أهدافاً مشروعة مثل التحرر أو الدفاع عن مصالحها... إلخ.

وقد تكون غير مشروعة، مثل اغتصاب حق الغير أو حرمان الغير من استرداد حقه... إلخ.

-٢ المرتدع: وهو الجهة المستهدفة بالردع من جانب الرادع، وتتباين أهدافها مع أهداف الرادع ويراد منعها من القيام بعمل ما..

-٣ إجراءات الردع:

الأعمال التي ينفذها الرادع فى مواجهة المرتدع لإيصاله للحالة (الذهنية والنفسية) التي تجعل قراره يحقق أهداف الرادع، وتشمل هذه الإجراءات ما يبعث على الخوف، أو فى المقابل ما يعطي الطمأنينة ويغري المرتدع، سواء كل فعل على حدة، أو كلها معاً.

• شروط ومتطلبات الردع:

لكي يحقق الرادع أهدافه فى مواجهة المرتدع فعليه القيام بالآتي:

-١ تحديد مواطن الضعف لدى المرتدع، هل هي مادية أو معنوية، عامة أم شخصية ومدى قبوله للمجازفة ومدي حرصه وتدقيقه للحسابات وقدرته على تحمل الخسائر أو تجنبها.

٢ - يجب توخي الحذر تجاه التعامل مع الأشخاص الذين لديهم الصفات التالية:

أ - الذين لا يدركون حجم الخسائر.

ب - لديهم القدرة على تحمل التكلفة.

جـ - يميلون إلى القرار الإدراكي السلطوي دون قبول للحسابات أو المعارضة.

د - اتخاذ قرارات يائسة أقرب إلى الانتحار، بمبدأ “عليَّ وعلي أعدائي”.

-٣ تحديد واختيار طريقة وحجم الردع التي تناسب حالة المرتدع قول معاوية بن أبي سفيان: لا أضع سوطي حيث يكفيني صوتي، ولا أضع سيفى حيث يكفيني سوطي.

-٤ توصيل رسالة الردع إلى المرتدع، سواء كانت تهديداً، أو إغراء بمكافأة أو طمأنة.

٥ - إقناع المرتدع بمدي جدية الرادع وقدرته على تحقيق رسالته.

٦ - إظهار ما يقنع المرتدع بقدرة الرادع.

• وقد خلصت تطبيقات نظرية الردع عبر العصور إلى حقيقة لا تنكرها عين رغم محاولة البعض تجاهلها من موقع الغطرسة والإحساس بالقوة: وهذه الخلاصة هي:

“إن قوة الرادع تكمن فى عدالة حقه، وضعف المرتدع يكمن فى ظلمه والتعدي على حق غيره”.

• وبعد هذه المقدمة العلمية النظرية، نأتي إلى التطبيق العملي على الواقع العالمي حولنا، لنجد أن دول النادي النووي بصفة عامة والولايات المتحدة ومعها حلف شمال الأطلنطي )الناتو( وفى المقابل روسيا وإلي جوارها الصين يمتلكون من الرءوس النووية ما يكفى لتدمير الكرة الأرضية بكاملها وكل طرف منهما قد وزع ما يمتلكه من رءوس فى عدة أماكن منتشرة فى شتي أرجاء الكرة الأرضية وتم تجهيز رءوس كل دولة بحيث إذا تمكن الطرف المعادي لها من تحقيق المفاجأة وتنفيذ الضربة النووية الأولي ضدها، تستطيع باقي الرءوس المنتشرة خارج أراضيها من الانطلاق بشكل “أتوماتيكي” وتوجيه الضربة الثانية إلي الطرف المعادي فى توقيت متزامن مع الضربة الأولي. أي انتهاء كل أثر للحياة على كرتنا الأرضية.

ومن نعم الله علينا أن هذا التوازن هو الذي يشكل رادعا فعليا لكل القوى النووية (توازن الرعب).

أما فى حالة دولة كوريا الشمالية الماثلة أمام العالم الآن، فقد نشأت كنتاج طبيعي لسياسة “ ازدواج المعايير ” التي يتبعها المجتمع الدولي تحت ضغط القوي الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية التي غضت الطرف عن بعض الدول مثل الهند وباكستان، وساعدت دولة أخرى هي إسرائيل فى تصنيع وامتلاك أسلحة نووية فتاكة. فى حين حرمت ذلك على دول أخرى مثل العراق بل وادعت امتلاكها لأسلحة نووية ودمرتها عن آخرها، لتكون عبرة لأي دولة أخرى تحاول امتلاك هذه الأسلحة.

لقد أدت ازدواجية المعايير إلى شعور دولٍ كثيرة بالظلم الذي تحملته بعضها وهي صاغرة، ولكن الظلم إذا زاد عن حده أدى إلى نتائج أقرب إلى الانتحار ذاته أي إلى اتخاذ القرار “عليّ وعلي أعدائي” فليس فى الإمكان أفضل مما كان وهناك من يفضل الموت وسيفه فى يده عملا بقول الشاعر “إذا لم يكن من الموت بدٌ. فمن العجز أن تموت جباناً”. ولأسباب عدة ربما من بينها سوء التقدير الأمريكي للإرادة الكورية الشمالية وعدم التقدير الصحيح لمدى النجاح الذي يمكن أن تحققه، وتخيل أن الأمر يبقي فى النهاية رهن الإرادة الأمريكية التي لم تكف عن التهديد والتلويح بمسح كوريا الشمالية من فوق الأرض كما قال الرئيس الأمريكي الأسبق (بيل كلينتون) فى أحد تصريحاته النارية، بل ربما لو كان الأمر يشكل خطورة على إسرائيل لتم شحذ كل الهمم الأمريكية والعالمية ضد “بيونج يانج”.

ولكن الذي لا يمكن عدم إدراكه وتفهمه جيداً هي تلك القيادة المتفردة للشاب صغير السن المتضخم الأنا، إدراكي النزعة “كيم جونج أون” زعيم كوريا الشمالية الذي يتمسك بإرث أبيه النووي ويصر على استكماله حتى النهاية مهما كلفه من أخطار ويرى فيه ذاته ويرى ذاته فيه - بكل مثابرة وعناد، بل إنه مقتنع بأن صوت القوة هو الذي يحدد مكانه بين جيرانه من الدول المتقدمة صناعياً واقتصادياً مثل الصين واليابان وكوريا الجنوبية.

وبخطي ثابتة تجري كوريا الشمالية تجربتها النووية السادسة بتفجير قنبلة هيدروجينية فجر الثالث من سبتمبر ٢٠١٧ تفوق مثيلتها التي تم تفجيرها فى سبتمبر من العام الماضي بعشر مرات على أقل تقدير، ويمكن تحميلها على صاروخ باليستي عابر للقارات من تلك الصواريخ الكورية الجاري تطويرها باستمرار لتطال كل الأهداف فى شتى بقاع المعمورة.

وتتطاير ردود الفعل الغاضبة فى كل مكان وتدفع بعض الدوائر فى الولايات المتحدة الأمريكية فى اتجاه توجيه ضربة استباقية للمنشآت الصاروخية والنووية الكورية ولا تخلو تصريحات الرئيس الأمريكي ترامب من ذلك بل ويعلن وزير دفاعه صراحة أن هذا هو الخيار المطروح. ثم.. ثم يخبو الشرر وتهدأ التصريحات.. ونسمع الرئيس الأمريكي يصرح بأن الخيار العسكري ليس هو الخيار الوحيد.. ولسان حاله يقول ولن يكون مطروحاً فى أي وقت من الأوقات” - ترى لماذا؟

لأن بعض التقارير المخابراتية الأمريكية تتحدث عن صعوبة بل واستحالة القضاء على البرنامج الكوري الشمالي المحض داخل كهوف الجبال ويلزم لاختراقها نوعية خاصة من القنابل لا تتوفر حالياً فى الترسانة الأمريكية.

كما أن أي تصرف عسكري سوف يؤدي إلي رد انتقامي من جانب حكومة بيونج يانج ولن تكون كوريا الجنوبية أو اليابان بل والشاطئ الغربي للولايات المتحدة الأمريكية فى مأمن منه. هكذا قالت التقارير.

ولكن ما لم تقله التقارير هو ما قلناه فى متن مقالنا هذا من شروط ومتطلبات الردع وأهمها البند رقم (٢) الذي يحذر من التعامل مع الأشخاص الذين علي شاكلة الرئيس الكوري “كيم جونج أون”.

وهكذا راح العالم يبحث عن خيارات أخرى أكثر فاعلية وأقل خطراً مثل المذكورة مثل الإغراء بمكافأة أو الطمأنة.

أما إذا استمر العالم وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية فى سياسة ازدواجية المعايير - فلن يمر وقت طويل حتي يقتنع الجميع “أن قوة الرادع تكمن فى عدالة حقه وضعف المرتدع يكمن فى ظلمه والتعدي على حق غيره”.