الأربعاء 26 يونيو 2024

الحفلة التنكرية .. نص عالمى محكم الصنع

17-9-2017 | 11:01

بقلم : د.عمرو دوارة

تقدم حاليا فرقة "المسرح الحديث" بقيادة الفنان القدير أشرف طلبة العرض المسرحي "الحفلة التنكرية" على خشبة مسرح "السلام"، وبالتالي يكون هو العرض الثاني بعد إعادة افتتاح المسرح، حيث سبق للفرقة تقديم عرض "قواعد العشق الأربعون" بنجاح جماهيري كبير أهله إلى إعادة عرضه أكثر من مرة. ومما لاشك أن نجاح الفرقة في تقديم عروضها بانتظام وبنجاح يؤكد جهود وكفاءة الإدارة وقدرتها على مواجهة التحديات وتذليل كثير من العقبات، خاصة مع تخفيض ميزانيات الدعاية وهروب النجوم من العمل بمسارح الدولة لأسباب كثيرة ومن أهمها انخفاض الكبير لقيمة العائد المادي لهم مقارنة بالأجور والمكافآت التي يحصلون عليها مقابل مشاركاتهم بالدراما والبرامج التليفزيونية.

الفنان القدير أشرف طلبة مدير عام المسرح الحديث فنان مسرحي أصيل، وبرغم تألقه ببعض الأعمال السينمائية والمسلسلات التليفزيونية يبقى المسرح ملعبه الأساسي ومجال تألقه الفني، وقد سبق له التألق في عدد من أدوار البطولة المسرحية التي حقت نجاحا جماهيريا وأشاد بها النقاد، (ومن بينها أدواره بمسرحيات: رجل في القلعة، الجنة الحمراء، الطوق والأسورة، قصة حديقة الحيوان، خداع البصر)، ولذلك لم يكن غريبا حينما تولى مسئولية إدارة المسرح أن نجده يعمل في المسرح طوال ساعات الليل والنهار، وأن يحقق بخبراته ودأبه ومثابرته ذلك النجاح النقدي والجماهيري للعروض التي تقدمها الفرقة، ولكنني أرى من واجبي أن أهمس له في إذنه بنصيحة ألا ينسى نفسه كممثل أيضا، خاصة وأنه بمشاركاته المسرحية بعروض الفرقة قد يحقق لها مزيدا من النجاح.

عرض "الحفلة التنكرية" من تأليف ألبرتو مورافيا، وإخراج الفنان هشام جمعة، الذي يعود به للإخراج مرة أخرى بعد توقف أكثر من ثماني سنوات - وبالتحديد منذ أن قدم آخر عروضه لفرقة "مسرح الطليعة" عام 2009 بعنوان "حمام روماني" - يؤكد حرصه على تقديم بعض النصوص العالمية محكمة الصنع، حيث سبق له أيضا تقديم عرض: "برلمان الستات" للكاتب الإغريقي/ أرستوفانيس كأول عروضه الاحترافية عام 1988، ومن المفارقات الطريفة أن يكون "برلمان الستات" هو بداية عمله بمسارح الدولة وأن يكون عرض "الحفلة التنكرية" - والذي ظل منذ عام 1988 يفكر في إخراجه - على نفس خشبة المسرح هو أخر عروضه قبل الوصول للسن القانونية للتخلص من الأعباء الوظيفية والقيود الروتينية كفنان من أعضاء مسارح الدولة، ليتفرغ للإبداع الحر وينطلق في كل من المجالين الإخراج وتصميم الديكورات.

"ألبرتو مورافيا" (28/11/ 1907 - 26/9/1990) هو الاسم الفني للأديب (القاص والروائي والناقد والمسرحي) ألبرتو بنكرلي" الذي شغل ومازال يشغل مكانا بارزا في الأدب الأوروبي والإنساني بصفة عامة، ومن أهم أعماله الروائية "اللامبالون"، "طموحات مغلوطة"، "الاحتكار"، "الملل"، "امرأتان". وقد اقتحم عالم المسرح متأخرا نسبيا وبالتحديد عام 1958، وذلك بعد أربعة عشر عاما من انتهاء الحرب العالمية الثانية وسقوط النظامين الفاشي في إيطاليا والنازي في إيطاليا. وكانت أول مسرحياته عبارة عن معالجة درامية لرواية قديمة له سبق أن قدمها بنفس اسم "الحفلة التنكرية" عام 1941، ثم كانت مسرحيته الثانية والأخيرة بعنوان "بياتريس تشنشي".

جدير بالذكر أن "المسرح الإيطالي" قد اهتزت أركانه وأعلن إفلاسه بعد تمكن النظام الفاشستي وإحكام سيطرته، ثم قضي على البقية الباقية من مرتكزاته تماما بسبب الحرب العالمية الثانية، حتى أصبح من المعتاد أن يجمع النقاد والباحثون بأن المسرح الإيطالي قد مر بفترة خمود وجمود تقدر بعشر سنوات بعد إبداعات المسرحيين القديرين "دانو نزيو" و "بيراندللو"، وذلك قبل أن يعود إليه الدفء المسرحي على يد "أوجوبتي" و"إدوارد دي فيليبو"، قطبي الواقعية التراجيدية والكوميدية اللذين ظهر اسمهما وتأكدا ولمعا مع بدايات الحرب العالمية الثانية.

 

يقول "ألبرتو مورافيا" عن مسرحيته "الحفلة التنكرية": (أنها خليط من الهجائية السياسية والخيال، والدراما العاطفية والنفسية، وأنها أقرب إلى أن تكون هجائية لذلك العالم الذي يرضى ويستقر بوجود الديكتاتورية، من أن تكون هجائية للديكتاتورية ذاتها) ... والمسرحية تتناول - في سخرية مضحكة - ألاعيب مراكز القوى من الأجهزة البوليسية، تلك التي تحرص على إيهام الحاكم الديكتاتور دائما بالكلمات المعسولة بسيطرتها التامة على تقاليد كل الأمور، وأن الأمن مستتب وكل شيء على مايرام، ولكن في أحيان أخرى قد تضطر إلى إيهامه بوجود محاولات للانقلاب والإعداد لسلسلة من الاغتيالات وذلك لضمان بقائها واستمرارها في مناصبها بإثبات إخلاصها له ومدى خبراتها وكفاءتها.

تدور الأحداث الدرامية في قصر دوقة ماريا تيريزا جورينا التي حاولت الجمع بين كل من الحاكم الديكتاتور الجنرال تيريزو والجميلة والأرملة الجميلة "فاوستا سانشيز"، ولا يجد الحكم أي غضاضة ولا إحساس بتأنيب الضمير وهو يأتي لإشباع شهواته تحت ستار وادعاء قيامه بافتتاح أحد المشروعات الجديدة بالمدينة (جسر فوق النهر)، هو يعلم تماما مدى معاناة شعبه من القهر والفقر والبطالة. وتتصاعد الأحداث عندما يشعر باستقرار الأمور فيقوم بعزل رئيس الشرطة خاصة بعدما اكتشف قيامه بالتجسس عليه شخصيا، ولكن رئيس الشرطة بالطبع لا يستسلم لقرار إقالته بسهولة كما حاول إظهار ذلك، بل سرعان ما لجأ للحيلة وأوهم الحاكم بوجود مؤامرة تدبر حاليا بهذا القصر لاغتياله، فلا يجد الحاكم مفرا من السماح له بالاستمرار في مزاولة مهامه لكشف أبعاد تلك المؤامرة والقبض على المتآمرين.

قام بتصميم الديكورات الفنان المتميز محمد هاشم، الذي استطاع أن يقوم بحل كثير من المشاكل الفنية ولعل من أهمها كثرة عدد المناظر مع ضرورة سرعة تغييرها، وذلك بالإضافة إلى ذلك المشهد المزدوج بغرفة نوم الحاكم، حيث تجرى الأحداث الدرامية في نفس الوقت بين كل من غرفة النوم والحمام الملحق بها. والحقيقة ان الديكورات قد تميزت بجمال وروعة تصميماتها وبتناسب ألوانها ودقة تنفيذها، وذلك بالإضافة إلى مراعاة ترك مساحات كبيرة في منطقة وسط المسرح حتى يمكن استغلالها وتوظيفها في تقديم الاستعراضات.

الفنان القدير محمد رياض عاشق المسرح قام بتجسيد شخصية رئيس الدولة الديكتاتور الجنرال تيريزو أورانجو بوعي حقيقي بأبعاد الشخصية، وقد تميز أداؤه بالرصانة بصفة عامة، وبقدرته على توظيف جميع مفرداته الفنية لتجسيد الشخصية، وفي مقدمتها أداؤه السليم والمتقن للغة العربية الفصحي، وأيضا قدرته على الانتقال بين المشاعر المختلفة دون الانزلاق إلى محاولات الإضحاك المفتعلة، وقد شاركه الأداء الرصين والجدية أيضا الفنان خالد محمود في تجسيده لشخصية الشاب الريفي سباستيانو ريفاز المحب والعاشق للماركيزة الجميلة "فاوستا سانشيز".

جسدت الفنانة لقاء سويدان شخصية الماركيزة الجميلة والأرملة الشابة "فاوستا سانشيز"، والتي تطلبت منها طبقا لرؤية الإخراجية المشاركة في الرقص والغناء، كذلك جسد الفنان محمد محمود شخصية رئيس الشرطة تشينكو والذي تحمل بمفرده مسئولية محاولة إثارة الضحكات بوصفه الممثل الكوميدي، فاجتهد كل منهم في أداء دوره طبقا لضرورة المحافظة على الأبعاد المختلفة لكل شخصية درامية وبما يتفق أيضا مع الرؤية الإخراجية.

يعد هذا العرض شهادة ميلاد للفنان الشاب محمد سمير والذي جسد شخصية الخادم الدون جوان دوروتيو جامع كرات لعبة "الجولف"، المعتد بنفسه والمعتاد على إرضاء شهوات بنات الطبقات الراقية، ويحسب له بالرغم من قصر قامته وعدم تمتعه بالمواصفات التقليدية للشاب الوسيم الجذاب إلا أنه قد استطاع بأدائه الواعي وخفة ظله أن يقنع الجميع بقدراته ومهاراته وجاذبيته، وأن يعيد إلى أذهاننا خفة ظل وجاذبية ومهارات الفنان حسن يوسف خلال فترة شبابه وتألقه.

الفنانة جيهان سلامة اجتهدت في أداء دورها بإخلاص وإن كانت الرؤية الإخراجية قد ظلمتها كثيرا، حيث إن شخصية دوقة ماريا تيريزا جورينا التي جسدتها من المفترض أنها لسيدة عجوز مسنة متصابية وليست لشابة جميلة تشارك في الرقص والغناء وتنافس في أنوثتها وجاذبيتها الماركيزة الجميلة "فاوستا سانشيز"، وإلا لحاولت بنفسها إرضاء شهوات الجنرال بدلا من قيامها بالعمل كقوادة ومحاولة إرضائه بتدبير اللقاء له مع جميلة أخرى!!

الفنانة نجاح حسن ممثلة قديرة ومجتهدة جدا، تحرص على معايشة أدوارها بمنتهى العطاء والتفاني والإخلاص، وهي بالفعل تتطور كثيرا من عرض لآخر حتى تمكنت من جميع مفراداتها الفنية، وفي هذه المسرحية تقدم دورا من أهم وأجمل أدوارها وهو دور "جوستيا" وصيفة (أو خادمة) الماركيزة الجميلة "فاوستا سانشيز"، فقدمته بفهم ووعي والتزام كامل مع مزيد من الحرص على تقديم جميع التفاصيل الدقيقة للشخصية.

مجموعة الفنانين أبناء مسارح الدولة: جميل عزيز، أحمد يوسف، همام عبد المطلب، أشرف عبد الفضيل، محمد سعيد عبودة، وليد أبو ستيت لم تتح لهم أدوارهم فرصة إثبات مهاراتهم الأدائية والتي سبق أن شهدنا لهم بها في عروض سابقة، وإن كان يحسب لكل منهم التزامه بحدود دوره دون أي محاولات مفتعلة للفت الأنظار أو جذب الانتباه، خاصة وأن العرض بطول فترة عرضه والإضافات التي هدفت الإضحاك والأغاني التي أعادت شرح وتأكيد ما سبق وصوله من معان يحتاج - من وجهة نظري - إلى ضرورة التدخل بإجراء بعض الاختصارات والحذف لضبط الإيقاع بصورة أفضل.