نحتفل اليوم بذكرى ميلاد الإمام الأكبر الشيخ عبد الحليم محمود، شيخ الأزهر الأسبق، أحد أبرز من ساهم في بناء مدرسة الفكر الإسلامي والتصوف في العصر الحديث، بإصداره أكثر من 60 كتاب في هذا المجال، فاجتمعت عليه الفرق والمذاهب، حتى أطلق عليه «أبو التصوف».
حلم والده منذ نشأته
ولد عبد الحليم محمود في 12 مايو 1910 بقرية السلام بمركز بلبيس بمحافظة الشرقية، من أسرة ميسورة الحال، وكان والده أحد الدراسين بالأزهر الشريف، لكنه لم يحقق حلمه وينهي دراسته فيه، حتى حققه ابنه فيما بعد.
حفظ الشيخ القرآن الكريم ثم التحق بالأزهر عام 1923، وحصل على العالمية عام 1932، وسافر بعد ذلك إلى فرنسا على نفقته الخاصة؛ لاستكمال تعليمه العالي، والتحق بجامعة السربون ودرس فيها علم النفس والأجتماع وعلم الأديان وحصل علي شهادة الدكتوراه سنة 1940 في الفلسفة الإسلامية عن الحارث المحاسبي، وقد نجح بدرجة امتياز مع مرتبة الشرف وقد طبعت الشهادة ورسالته في باريس وبالفرنسية.
التدرج الوظيفي
عمل «عبد الحليم» مدرسًا لعلم النفس في كلية اللغة العربية بالأزهر، ثم عميدًا لكلية أصول الدين سنة 1964، ثم عضوا ثم أمينا عامًا لمجموع البحوث الإسلامية، واستطاع أن ينهض به وأعاد تنظيمه، حتى عُين وكيلًا للأزهر عام 1970، ثم وزيرًا للأوقاف وشؤون الأزهر.
وتولى الشيخ عبد الحليم محمود مشيخة الأزهر عام 1973، واستطاع الشيخ عبد الحليم محمود أن يسترد مكانه منصب شيخ الأزهر بعد قانون 1961 الذي قلص هذه المكانة لصاحب وزير الأوقاف، ثم قام بالتوسع في إنشاء المعاهد الأزهرية على نحو غير مسبوق.
نشاطه الإصلاحي
بدت بوادر الإصلاح واضحة في سلوك الشيخ عبد الحليم محمود بعد توليه أمانة مجمع البحوث الإسلامية الذي حلَّ محل جماعة كبار العلماء، فبدأ بتكوين الجهاز الفني والإداري للمجمع من الأزهر الشريف، وتجهيزه بمكتبة علمية ضخمة استغل في تكوينها صداقاته وصلاته بكبار المؤلفين والباحثين.
وعمل على توفير الكفايات العلمية التي تتلائم مع رسالة المجمع العالمية، وفي عهده تم عقد مؤتمر مجمع البحوث الإسلامية، وتوالى انعقاده بانتظام، كما أقنع المسئولين بتخصيص قطعة أرض فسيحة بمدينة نصر لتضم المجمع وأجهزته العلمية والإدارية، ثم عني بمكتبة الأزهر الكبرى، ونجح في تخصيص قطعة أرض مجاورة للأزهر لتقام عليها.
استقالته من مشيخة الأزهر
وأثناء توليه مشيخة الأزهر صدر قرار جمهورى من الرئيس السادات امتدادًا لقانون 1961 يقيد من سلطات شيخ الأزهر أكثر، فقدم الشيخ استقالته فى يوليو 1974، بعد أقل من ثلاثة أشهر فقط على توليه المنصب، وقدم خطابًا إلى السادات يشرح فيه أسبابه فتراجع السادات عن قراره، فعاد شيخًا للأزهر بدرجة لا تقل عن وزير الأوقاف.
مؤلفات شيخ الأزهر عبد الحليم محمود
صدر للشيخ عبد الحليم محمود أكثر من 60 مؤلف في التصوف والفلسفة، ترجم بعضها، وبعضها الآخر صدر باللغة الفرنسية، ومن أشهر كتبه: «أوروبا والإسلام»، و«التوحيد الخالص» و«الإسلام والعقل»، و«أسرار العبادات في الإسلام»، و«التفكير الفلسفي في الإسلام»، و«القرآن والنبي»، و«المدرسة الشاذلية الحديثة وإمامها أبو الحسن الشاذلي».
لماذا التصوف؟
تظهر رحلة الشيه إلي عالم التصوف في إشارة الإمام الأكبر عن نفسه بعد إعداده رسالة الدكتوراه: "بعد تردد بين هذا الموضوع أو ذاك، هداني الله - وله الحمد والمنة - إلى موضوع التصوف الإسلامي، فأعددت رسالة عن (الحارث بن أسد المحاسبي) فوجدت في جو (الحارث بن أسد المحاسبي) الهدوء النفسي، والطمأنينة الروحية، هدوء اليقين، وطمأنينة الثقة، لقد ألقى بنفسه في معترك المشاكل، التي يثيرها المبتدعون والمنحرفون، وأخذ يصارع مناقشا مجادلا، وهاديا مرشدا؛ وانتهيت من دراسة الدكتوراه، وأنا أشعر شعورا واضحا بمنهج المسلم في الحياة، وهو منهج الاتباع. لقد كفانا الله ورسوله كل ما أهمنا من أمر الدين، وبعد أن قر هذا المنهج في شعوري، واستيقنته نفسي، أخذت أدعو إليه كاتبا ومحاضرا، ومدرسا، ثم أخرجت فيه كتاب "التوحيد الخالص" وما فرحت بظهور كتاب من كتبي، مثل فرحي يوم ظهر هذا الكتاب؛ لأنه خلاصة تجربتي في الحياة الفكرية.
وفاته
توفى الإمام في 17 أكتوبر 1978، بعد إجرائه عملية جراحية بالقاهرة عن عمر يناهز 68 عامًا، كان له فيها مشوار علمى ودعوى عظيم، كما كان له دور كبير فى حفظ الأزهر لهيبته وتطويره واستمرار مسيرته.