الجمعة 31 يناير 2025

مقالات

الصورة الذهنية للعامل من خلال الفن


  • 16-5-2023 | 21:58

يسر فلوكس

طباعة
  • يسر فلوكس

● تناولت السينما المصرية قضايا ومشاكل العامل المصري ورصدت دور العامل البسيط والفلاح المصري من خلال عمله ودوره في المجتمع
● كان فيلم "لو كنت غنى" من الأفلام التي ظهرت وقت الاحتلال البريطاني لمصر وكانت تبين صعوبة معيشة العمال في ذلك الوقت و قلة حقوقهم و مواردهم
● ناقش يوسف شاهين من خلال فيلم (الأرض) معاناة الفلاح المصري وهو يتمسك بأرضه ويفديها بدمه، فهو من أهم أفلام السينما المصرية

الإنتاج قائم علي العامل مهما تقدمت التكنولوجيا و الأجهزة الحديثة و الروبوتات لا يوجد مجال عمل لا يحتاج للأيدي العاملة و كلما زاد التعداد السكاني كلما ذاد معها عمال في سوق العمل كل فرد في المجتمع هو عامل مهما كانت وظيفته .. كلنا لنا حقوق و علينا واجبات ... من أكثر الوسائل التي ساعدت في تكوين الصورة الذهنية للعامل كانت السينما و تليها التلفزيون ... لكن لم تنتج أفلام كثيرة تدافع عن مصالح هذه الطبقة بما يستحق؟ وآثرت أن تلف وتدور حول المشكلات الاجتماعية الآمنة لأن دائما الإنتاج الفنى يستثمر فيه من خلال رؤوس أموال رأس مالية و نرى ذلك بوضوح في السينما العالمية ...فمن أكثر الفنانين العالميين الذين اهتموا بالعامل و حقوقه كان شارلى شابلن ففى فيلمه أزمنة حديثة عام 1936 (Modern Times) وهو فيلم أمريكى كوميدى صامت، بطولة وسيناريو وإخراج تشارلى تشابلن، وهو آخر أفلامه الصامتة التي انتقد فيها استغلال المصانع والشركات الكبرى للعمال، وتطرق للكساد الاقتصادى الذي عانته أمريكا في الثلاثينيات من القرن الماضى، وقدم بعض المشاهد المميزة السابقة لأوانها، مثل مشهد آلة إطعام العاملين السريعة، ومشهد الشاشة العملاقة التي يراقب بها مدير المصنع عماله، والتى قد تكون مصدر إلهام الكاتب البريطانى جورج أورويل شخصية "الأخ الأكبر" فى رواية "1984" التى نشرت عام 1949.

 

يقدم الفيلم نقدا لاذعا للآلة وجبروتها وسيطرة الرأسماليين على الحياة، كما يشيد بكفاح الطبقة العاملة تحت هيمنة المؤسسات الصناعية التى تجرد الفرد من إنسانيته، وتدور أحداثه حول شارلى الذى يعمل في شد الصامولات بمصنع عملاق، فى شريط متحرك تفوق سرعة تشارلى وزملائه. 

 

وفيلم “المدرعة بوتمكين” (١٩٢٥) للمخرج السوفييتى سيرغى أيزنشتاين، الفيلم يؤرخ الثورة العمالية في مدينة (سان بطرسبرج) عام 1905، يروى الفيلم قصّة مأخوذة بشكل أمين عن أحداث واقعية، وتبدأ أحداثه في احتجاج عمال السفينة المدرعة بوتمكين على الأوضاع المزرية، الأمر الذي يجعلهم عرضة للعقاب من الضباط، حينها يثور العمال ضد الضباط وهى تمرّد بحّارة المدرّعة بوتمكين وعصيانهم أوامر الضبّاط الذين سينفّذون مجزرة بالأهالى، في مشهد ملحمى، فالفيلم كلّه عبارة عن مقدّمة تُظهر علاقة البحّارة الفقراء بالضبّاط الأغنياء، ثمّ التمرّد عليهم والتحامهم مع تحرّك النّاس في البر. البطولة في الفيلم جماعية، فليس هناك بطل فرد يعود إليه الفضل فى كل ما يحدث...

 

أما إن ألقينا الضوء علي العامل في السينما المصرية سنجد ان اللافت للانتباه أن أول فيلم يتعرض لأحوال العمال كان (الورشة)، وقد عرض في 28 نوفمبر عام 1940، أى بعد 17 سنة على عرض أول فيلم مصرى، وترتيبه رقم (117) في تاريخ إنتاج وعرض الأفلام فى مصر وفقا لما ذكره المؤرخ والناقد السينمائى الكبير الأستاذ محمود قاسم فى موسوعته المهمة (دليل الأفلام في القرن العشرين). الفيلم إخراج استيفان روستي، وبطولة عزيزة أمير ومحمود ذوالفقار وأنور وجدى، ورغم أن الفيلم مرّ على أحوال ورشة صغيرة، وليس مصنعا كبيرا، إلا أن له السبق فى أن يرى الجمهور العامل على الشاشة للمرة الأولى مرتديا الأفرول ويكدح ويعرق وهو يصلح السيارات المعطلة.

 

ويأتي فيلم (لو كنت غنى)، الذي حققه المخرج بركات، وعرض في 26 نوفمبر 1942، فيناقش بخفة ظل قضية الغنى والفقر، أو كما قال بطل الفيلم بشارة واكيم في حواره مع يحيى شاهين إن العالم منقسم إلى طبقتين: أغنياء وفقراء، وفى الفيلم أيضا يشكو عامل المطبعة عبدالفتاح القصرى من غلاء المعيشة (اللحم ارتفع سعره من أربعة قروش للرطل، ووصل إلى ثمانية)، ويطالب صاحب المطبعة أن يزيد راتبه، لكنه يتلقى الرفض والمعاملة الخشنة. وكانت هذه الأفلام وقت الاحتلال البريطانى لمصر  نواة تبين صعوبة معيشة العمال في هذا الوقت وقلة حقوقهم ومواردهم 

 

وفي عام 1943 أنتج فيلم العامل الذى أخرجه أحمد كامل مرسي، حيث قام بالبطولة كل من حسين صدقى وفاطمة رشدى ومديحة يسرى وزكي طليمات، لا توجد أى نسخة من الفيلم على "يوتيوب" أو فى أى موقع آخر، لكن ما ذكرالمؤرخ السينمائى محمود قاسم في موسوعته عن ملخص الفيلم يؤكد أنه فيلم يدافع عن مصالح العمال وحقوقهم، فبطل الفيلم عامل مكافح يطالب بتوفير تأمين على حياة زملائه من العمال وإصابتهم في العمل، ويحرض رفاقه العمال على الإضراب عن العمل باعتباره سلاحا مشروعًا ضد جشع أصحاب المصانع، وفى النهاية ينجح فى مسعاه ويحقق الحياة الكريمة لهذه الطبقة المقهورة.

 

كانت مصر فى ذلك الزمن كان بها حركة وطنية نشطة تدعمها منظمات اشتراكية علنية وسرية تدعو إلى تحقيق العدالة الاجتماعية وتطالب بتخفيف الظلم الواقع على العمال والفلاحين، الأمر الذي يفسر وجود أفكار تقدمية تدافع عن حقوق العمال في الوجدان المصرى العام ... فيلم ابن الحداد عام 1944 ليوسف وهبى من تأليفه وإخراجه وبطولته مع مديحة يسرى وفؤاد شفيق وعلوية جميل، وكعادة الرائد المسرحى الكبير يحتشد الفيلم بعبارات ضخمة تمتدح العامل المصرى ومهارته وصبره وتواضعه وتفوقه على الأجانب، من خلال يوسف وهبى ابن الحداد الذى سافر إلى أوروبا وتعلم فى جامعاتها، وعاد إلى الحارة ليطور ورشة الحدادة الخاصة بأبيه، ويحولها إلى مصنع كبير، حيث شاهدنا العمال وهم منهمكون في تعلم تشغيل الآلات الجديدة (المستوردة من أوروبا)، وكيف يحنو عليهم ويرعاهم صاحب المصنع الطيب  

 

في الجانب الآخر يفضح الفيلم تفاهة الطبقة الأرستقراطية وأن العمل شرف يجب أن يحترم، ولا يخفى عليك الرسالة الخفية التى يطرحها الفيلم، وهى الرضا بالفقر، لأن الثراء مرادف للفساد والخليعة المرأة والأسطى حسن لعل فيلم (المرأة) هو الفيلم المصرى الوحيد الذي صورت مناظره الخارجية (بمصانع الزجاج الأهلية/ محمد سيد ياسين بك) كما كتب فى المقدمة، وزاد صانعو الفيلم بأن كتبوا عقب المقدمة هذه الفقرة الدالة (تدور حوادث هذه القصة فى جو الصناعات المصرية المزدهرة، وقد تفضل الصانع المصرى الكبير محمد سيد ياسين بك فسمح لنا بتصوير بعض مشاهد القصة فى مصانعه بشركة الزجاج الأهلية. وقد أمدنا بجميع التسهيلات التي يسرت لنا إخراج القصة، فلعزته نتوجه بأجمل عبارات الشكر).

 

الفيلم عرض في 25 يوليو 1949، وأخرجه عبدالفتاح حسن، وتقمص الشخصيات الرئيسية كل من المطربة أحلام وكمال الشناوي ومحمود السباع وسميحة توفيق ومارى منيب، ورغم أننا شهدنا بعض اللقطات داخل المصنع إلا أن قصة الفيلم تدور حول صراع شقيقين (واحد طيب، والآخر شرير) من أجل الاستحواذ على قلب فتاة، وكالعادة ينتصر الطيب ويفوز بها، وهكذا ضاعت فرصة لنرى كيف حال العمال ومشكلاتهم وطموحاتهم وآلامهم.

 

أما فيلم (الأسطى حسن) الذي أنجزه صلاح أبوسيف وعرض في 26 يونيو 1952، أي قبل ثورة يوليو بشهر تقريبا، فلم يختلف عن إدانة الأثرياء الذى يقضون حياتهم فى تناول الخمر ولعب القمار، بينما الفقراء ومعهم عمال الورشة طيبون ومتكاتفون، وأنت رأيت كيف أن بطل الفيلم العامل فريد شوقى الذى كان ناقما على فقره كارها للحكمة القائلة (القناعة كنز لا يفنى) عاد بعد تجربة تعيسة مع المرأة (الثرية) نادما على هجره للحارة!

 

يأتى فيلم "الأيدى الناعمة" للفنان أحمد مظهر المأخوذ عن مسرحية للكاتب الكبير توفيق الحكيم تحمل نفس الاسم الأشهر فى الأعمال التى أكدت أهمية العمل من خلال قصة نزع أملاك أحد الأثرياء بعد ثورة يوليو 1952، ويفلس ولا يبقى له سوى قصره فيتعرف بشاب حاصل على درجة الدكتواره لكنه عاطل، فيقترح على الأمير أن يستغل القصر بتأجيره مفروشًا، وللأمير ابنتان ينكر وجودهما لأن الابنة الكبرى قد تزوجت من مهندس بسيط والابنة الصغرى تبيع لوحاتها التى ترسمها ويتفق معهم الدكتور أن يؤجر زوج الابنة ـ الذى لم يره الأمير من قبل مع أخته الأرملة وأبيها ـ القصر وتزول قطيعته مع ابنتيه ويعمل مرشدًا سياحيًّا ويتزوج من الأرملة وأيضًا يتزوج الدكتور من الابنة الصغرى. 

 

كما تناولت السينما المصرية قضايا ومشاكل العامل المصرى ورصدت دور العامل البسيط والفلاح المصرى من خلال عمله ودوره فى المجتمع، ومن الأفلام التى أبرزت دور المرأة العاملة فيلم "للرجال فقط" فقد برز دور المرأة وقدرتها على العمل حتى فى الوظائف المخصصة للرجال فقط والفيلم من بطولة سعاد حسنى ونادية لطفى وحسن يوسف ويوسف شعبان، سيناريو وحوار محمد أبو يوسف، وإخراج محمود ذو الفقار.
ومن الأفلام أيضا التى أبرزت دور المرأة فى العمل فيلم "مراتى مدير عام" الذى يتناول فكرة بث الحماسة فى نفوس العمال من أجل تقديم عمل أفضل وتجسيد الروح الطيبة التى يجب أن تسود بين أفراد العمل من المدير وحتى أصغر موظف، وبرعت الفنانة القديرة شادية فى تقديم شخصية المديرة وشاركها فى الفيلم صلاح ذو الفقار، وشفيق نور الدين، وتوفيق الدقن، والفيلم من تأليف عبد الحميد جودة السحار، وإخراج فطين عبد الوهاب.

 

كما تناول فيلم " أفواه وأرانب " دور المرأة المصرية فى العمل كفلاحة فى الأرض ومهارتها وإخلاصها فى العمل، الفيلم من سيناريو وحوار سمير عبد العظيم، وإخراج هنرى بركات، وبطولة فاتن حمامة ومحمود ياسين وفريد شوقى.

 

وعلى اعتبار أن الفلاح المصرى هو أيضا عامل يخدم وطنه ودوره كبير جدا فى المجتمع قدم المخرج يوسف شاهين فيلم (الأرض) الذى ناقش من خلاله معاناة الفلاح المصرى وهو يتمسك بأرضه ويفديها بدمه، فهو من أهم أفلام السينما المصرية وبرع الفنان القدير الراحل محمود المليجى فى دور أبو سويلم وهو رمز الكفاح ليس لمصر فقط لكنه حول العالم فالفلاح القوى الصلب الذى يقف دوما فى وجه السلطة الغاشمة وينحاز للقضية ويقود أهله للحق، مهما تم التنكيل كان خير دليل على أهمية العامل والفلاح فى المجتمع والفيلم كان مأخوذا عن رواية للكاتب عبد الرحمن الشرقاوى، وإخراج يوسف شاهين، وبطولة محمود المليجى وعزت العلايلى ونجوى إبراهيم.

 

فى العصر الحالى قدم المخرج محمد خان منذ وقت قصير فيلمه (فتاة المصنع)  والفيلم يرصد فى أحد محاوره قضايا ومشكلات عاملات مصانع الملابس والأقمشة والفيلم قامت ببطولته ياسمين رئيس وسلوى خطاب وسلوى محمد على وهانى عادل. 

 

سيظل العامل هو أساس بناء الوطن و هو اهم فرد داخل منظومة الإنتاج ...أنتم ذراع التنمية لكم منا كامل الإجلال والتقدير كل سنه و كل فرد في المجتمع يعمل بضمير وإخلاص تاج على رؤوس أفراد الشعب.



 

أخبار الساعة

الاكثر قراءة