هناك مسافة كاشفة بين الإبداع، الذي يمثل أحد العناصر الجوهرية لـ«القوة الناعمة» وبين الأفكار المنسوخة ومحاولة تسويقها باعتبارها أعمالا إبداعية بينما هي تفتقد عنصر الأصالة، وهنا تكون انعكاساتها على قوة الدولة الناعمة سلبيًا.
في العام 1990 ظهر مفهوم «القوة الناعمة» في مقال بمجلة السياسة الخارجية لـ«جوزيف ناي» أستاذ العلوم السياسية بجامعة هارفارد، يحمل عنوان «القوة الناعمة»، وبحسب «ناي» تعني «دفع الآخرين إلى الرغبة في ما ترغب»، وبالرغم من ظهور المصطلح في الولايات المتحدة، وارتباطه بمستقبلها وقيادتها للعالم، إلا أن المراقبين والسياسيين يدركون أهمية «القوة الناعمة» في صناعة القرار السياسي إقليميا وعالميا، وهنا تكتسب العناصر التي تشكل «القوة الناعمة» أهميتها الخاصة.
ولكل دولة في العالم ما يمنحها مصادر لقوتها الناعمة، على سبيل المثال لا الحصر الصورة التي تصنعها السينما الأمريكية عن الولايات المتحدة كقوة مهيمنة في مواجهة «محور الشر» وفق رؤيتها، وقوتها التي تكتسبها من منصاتها الإعلامية، وشركات التكنولوجيا التي تعد المصدر الأول لبرامج التكنولوجيا، حتى أصبحت حلما لدى العديد من الشباب.. الهجرة والحياة في أمريكا والانخراط في ثقافتها.
هنا دعني عزيزي القارئ أن أطرح سؤالا، هل بإمكان الدول أن تدفع بنماذج وشخصيات تضيف إلى قوتها الناعمة؟
بالتأكيد نعم لكن يجب أن يكون هناك معايير حقيقية للدفع بهؤلاء، وأهم ما يجب أن يتوفر فيهم أصالة إبداعاتهم ومدى أهميتها وتأثيرها في المجتمع، على غرار شخصية السير مجدي يعقوب، أمير القلوب غير المتوج، الرجل العظيم الذي يقدم درسا مع كل قلب يكتب له الله الحياة على يده ومع كل نقطة خبرة وعلم تنتقل للطاقم الذي يعمل معه.
وفي الرياضة هناك أسماء عديدة تمثل مكونا جوهريا من مكونات «القوة الناعمة» مثل محمد صلاح لاعب ليفربول والمنتخب الوطني الذي تربع على قلوب الشعب الإنجليزي، بمهارته المتفردة وتحطيمه للأرقام التاريخية للاعبين التاريخيين.
والواقع إن أردت تقديم إحصاء بحجم «القوة الناعمة» لن أتمكن من ذكرها في كتب متعددة ومتنوعة، وليس بضعة سطور، لكن المحطة التي يجب أن أتوقف فيها هي الفن التشكيلي، كونه أحد أبرز الفنون المرتبطة بتاريخ مصر القديمة، وهو الذي قدم لنا العديد من مشاهد حضارة كيمت وفلسفتها في البعث والخلود.
الحقيقة أن تاريخ الفن التشكيلي المصري به أسماء كبيرة وعظيمة على غرار «محمود مختار»، و«راغب عياد»، وغيرهم من جيل الرواد، وفنانين حاليين، أهم ما يميز الفنان إبداعه الذي يعد بصمة لا تتكرر ولا تتشابه مع أعمال أخرى.
لا يمكن لفنان مبدع ابن لثقافة وحضارة مصر القديمة، أن يقدم عملا فنيا دون أن يتأثر بتكوينات المصري القديم، وأن يكون لديه فهم لتلك الرموز وما تعني في تلك الحضارة.
إن التشابه في الأعمال الفنية أمر يضع العديد من علامات الاستفهام على العمل الفني؟! ويجعله مسار نقد يدفعه خارج دائرة الأعمال الإبداعية، ويضع مقدمه على مسافة بعيدة عن دائرة أصحاب المشروعات الفنية الإبداعية، بل إن أخطر من ذلك ما ينتج من تأثير سلبي على القوة الناعمة للدولة.
علينا أن ندرك أن الإبداع موهبة، أما التجارة بما يتشابه مع الأعمال الفنية أمر آخر لا يمكن أن نضع «المهرجانات» إلى جوار الأغاني التي كانت السبب في رقي الذوق العام، وترديد قصائد الشعر على شفاه العامة.