خفت الضجيج حول تجديد الخطاب الديني، وانحصرت القضية في الصراع بين الأزهر والأوقاف، والمفتي السابق، حول من سيقود الأمة نحو هذا التجديد الذي لا نعرف ملامحه وما المقصود منه حتى الآن.
نحن بالفعل في أمس الحاجة لأفكار تزيح الركام ، لكن الصورة لا تبشر بالخير.
أستاذ شيوعي غير مؤمن بالدين أساسا، يتحدث كل يوم عن هذا التجديد، وكأنه خاله، وكأنه أيضا لا يعرف أن هناك فرقا بين التجديد والإلغاء، مما يزيد الاحتقان في نفوس الناس، والغريب أن هؤلاء الذين يحاربون الدين ويدافعون عن الإلحاد، صاروا الأعلى صوتا، في مولد سيدي تجديد.
ولا أعرف عكس العبارة - التجديد - لكن عندما يتقدم السلفيون بكل كتبهم الصفراء وميراثهم الداعي للعودة إلى ما وراء الوراء، ويقاتلون ليصبحوا أعضاء في لجان التجديد، تبدو الحكاية وكأنها نكتة، لأنهم يريدون التجديد بجرجرتنا للخلف.
تنقية كتب التراث – وهي أحد ملفات هذا الموضوع - تبدو وكأنها قضية حق أريد بها باطل، في كتب التراث قصص وخزعبلات وحكايات ضد العقل، تتنافى مع قواعد الدين، عن رضاع الكبير ومضاجعة الزوجة الميتة وحديث الذبابة الشهير، لكن البعض بدلا من التركيز على الحل، يجدها فرصة، لتصفية الحسابات، سواء من المتشددين أو الكافرين.
مصر أم العجائب تتصرف بطريقة أخرى، الناس في الشوارع تسب الدين، وتخرج في مظاهرات حاشدة للدفاع عن الرسول، ولا تسأل نفسك كيف يسبون الله ( سبحانه وتعالى) ويغضبون من الإساءة لرسوله؟
ولتكتمل العجائب، ينتج الفلكلور المصري نبيا جديدا كل ستة أشهر، وأحيانا مهديا منتظرا، هذا بخلاف منتجات أولياء الله الصالحين، مصانع الصعايدة والاسكندرانية، الأكثر إنتاجا للأنبياء في مصر، أحد هؤلاء الأنبياء ( أمير عبد العظيم) اعترض المفتي على جمعه وأوسعه لكما ولطما، وتلقى على جمعة اللكمات ومنها واحدة على عينه، قبل أن ينقذه الحرس، وأشهر هؤلاء امرأة (منال مناع) كان أتباعها ومعظمهم من كبار تجار الذهب يحتسبون عند الله حجة عند زيارة بيتها الحرام، وفي الإسكندرية ظهر مهدي منتظر لطيف المزاج، ولاقت رسالته رواجا، فقد أحل المخدرات وطلب شعبان عبد الرحيم لينصبه داعيا لأفكاره .
وللصوفية شأن آخر، في مصر، يصل لدرجة الإيمان في ( بهنباي) شرقية بشيخ يتهافت أتباعه من المشاهير (فنانون وقضاة ولواءات) على تقبيل التراب تحت قدميه، العارف بالله ( كما يدعي ) صالح أبو خليل شيخ الطريقة الخليلية يقدم نفسه باعتباره من أحفاد الرسول صلى الله عليه وسلم ومؤخرا أثار ( سيدي صالح ) الذعر بحوار فهم منه الناس أن الرجل وصل لمراحل النبوة، لكنه أنفق عشرات الألوف لتكذيب ما قال.
ومن تلك النوعية المباركة تجد شيخا في كل ركن في مصر، يتحلق حوله الأتباع، ولعل من أبرز هؤلاء الشيخ عبد الرازق في أسيوط.
وأغلب هؤلاء من صناعة أوهام الناس والأمن، فقد حرص عباقرة مباحث أمن الدولة على تذكية وصناعة دين على هواهم، وعضدوا السلفيين، وجماعات التبليغ والدعوة، معتقدين أنهم البديل عن عنف الجماعات الإسلامية وطموحات الإخوان في الحكم، وهم لا يدركون بغبائهم ( الميري) أنهم يهدمون أحد ثوابت الأمة، وينفخون في النار .
الدين تجارة في مصر تحقق أرباحا، أفضل من تجارة المخدرات والسلاح، ونظرة واحدة على ما آل إليه حال شيوخ السلفية، من أمثال عماد عبد الغفور وبرهامي والحويني، من سكان عشوائيات الإسكندرية سابقا، وانتقالهم للسكن في القصور والسفر للعلاج في أرقى المنتجعات العالمية، وما يحصى الآن من ثروات للشاطر ومالك ورؤوس الإخوان، وما يقال عن كميات الذهب والتبرعات التي تلقى تحت أقدام المشايخ والأولياء من المريدين، يثير الذعر في بلد فقير مثل مصر.
أعرف علماء أجلاء من الأزهر، ماتوا دفاعا عن إعلاء كلمة الدين، بكل سماحة، ولا أعرف شيئا عن علاقة كل هؤلاء الذين يتحدثون عن تجديد الخطاب الديني بالإسلام.
كنت في الخليج على سجادة صلاة المغرب، حارس جديد للبناية من الفلبين، يؤذن بصوت رخيم، كان شابا في مقتبل العمر، وجاء صاحب العمل، وكنا أنا وهو نتناقر كل يوم، يقول أموال النفط تدافع عن الإسلام وأنا أقول مصر، ولما استمع للعامل فرك يديه مزهوا وسأله: هل تجيد قراءة القرآن؟ فقال: نعم، فأجاب على الفور: إذن أنت إمامنا.
ولم يخلف الشاب الظن، وقرأ من قصار السور في صلاة المغرب بصوت ولا أعذب، وعقب الصلاة استرخينا، للتسابيح القليلة، وانتهزها صاحب العمل فرصة ليلكزني قائلا:" هل رأيت ما يفعل الخليج في المسلمين؟" العبارة وصلت لأذن الشاب الفلبيني فانتفض قائلا: " لا .. أنا تعلمت اللغة العربية وقراءة القرآن هناك في الفلبين على يد الشيخ سيد البنا، هذا الرجل القادم من الأزهرأستاذنا، كان يحبنا كأولاده ويعلمنا القرآن والحياة، وكان فقيرا ويتقاسم معنا الحياة ويعطينا من راتبه".
وضحكت يومها كما لم أضحك من قبل، وقلت لصاحبي، إشرب ولا كل أموال الخليج تساوي كلمة مما قال.
ماذا جرى لمصر؟
وماذا جرى للأزهر تحديدا ليخترق صفوفه المتشددون والوهابيون والمرتزقة؟
أوقن جيدا أن على رأس الأزهر رجل صالح، يحب دينه ووطنه، لكن المهمة ثقيلة، وسط كل هذه الفوضى الدينية، التي صنعها الأمن بتكوين الجماعات الدينية لضرب الناصريين والشيوعيين، أو تعزيز السلفيين والمتصوفة، لإبعاد الناس عن المتشددين.
وأرجو أن يستعيد الأزهر مكانته، على يد الطيب، ولن يتحقق هذا إلا باستقلاله عن الدولة، ليعود كما كان قبل تلك الخطيئة التي ارتكبها عبد الناصر.
زمان كان هناك وقف عشرة فدادين، لبغلة شيخ الأزهر، وأوقاف أخرى للأزهر وعلماء المسلمين، وكان هؤلاء نموذجا للرفعة والوسطية والإنصاف، ويقومون بدورهم في مكافحة التشدد والتطرف عن اقتناع، وبرسائل علمية قمة في التبحر الفقهى والحداثة، لكن كل هذا ضاع يوم أن أحال عبد الناصر الأزهر بجرة قلم لمجموعة من الموظفين وصادر أوقافات المسلمين.
فهل نطمع في أن نستعيد الأزهر الذي كان؟
تخيلوا معي: نستعيد الأزهر ونستغني عن الإخوان والجماعة الإسلامية والدعوة السلفية وأولياء الله غير الصالحين وشيوخ أمن الدولة.
لك الله يامصر.
خفت الضجيج حول تجديد الخطاب الديني، وانحصرت القضية في الصراع بين الأزهر والأوقاف، والمفتي السابق، حول من سيقود الأمة نحو هذا التجديد الذي لا نعرف ملامحه وما المقصود منه حتى الآن.
نحن بالفعل في أمس الحاجة لأفكار تزيح الركام ، لكن الصورة لا تبشر بالخير.
أستاذ شيوعي غير مؤمن بالدين أساسا، يتحدث كل يوم عن هذا التجديد، وكأنه خاله، وكأنه أيضا لا يعرف أن هناك فرقا بين التجديد والإلغاء، مما يزيد الاحتقان في نفوس الناس، والغريب أن هؤلاء الذين يحاربون الدين ويدافعون عن الإلحاد، صاروا الأعلى صوتا، في مولد سيدي تجديد.
ولا أعرف عكس العبارة - التجديد - لكن عندما يتقدم السلفيون بكل كتبهم الصفراء وميراثهم الداعي للعودة إلى ما وراء الوراء، ويقاتلون ليصبحوا أعضاء في لجان التجديد، تبدو الحكاية وكأنها نكتة، لأنهم يريدون التجديد بجرجرتنا للخلف.
تنقية كتب التراث – وهي أحد ملفات هذا الموضوع - تبدو وكأنها قضية حق أريد بها باطل، في كتب التراث قصص وخزعبلات وحكايات ضد العقل، تتنافى مع قواعد الدين، عن رضاع الكبير ومضاجعة الزوجة الميتة وحديث الذبابة الشهير، لكن البعض بدلا من التركيز على الحل، يجدها فرصة، لتصفية الحسابات، سواء من المتشددين أو الكافرين.
مصر أم العجائب تتصرف بطريقة أخرى، الناس في الشوارع تسب الدين، وتخرج في مظاهرات حاشدة للدفاع عن الرسول، ولا تسأل نفسك كيف يسبون الله ( سبحانه وتعالى) ويغضبون من الإساءة لرسوله؟
ولتكتمل العجائب، ينتج الفلكلور المصري نبيا جديدا كل ستة أشهر، وأحيانا مهديا منتظرا، هذا بخلاف منتجات أولياء الله الصالحين، مصانع الصعايدة والاسكندرانية، الأكثر إنتاجا للأنبياء في مصر، أحد هؤلاء الأنبياء ( أمير عبد العظيم) اعترض المفتي على جمعه وأوسعه لكما ولطما، وتلقى على جمعة اللكمات ومنها واحدة على عينه، قبل أن ينقذه الحرس، وأشهر هؤلاء امرأة (منال مناع) كان أتباعها ومعظمهم من كبار تجار الذهب يحتسبون عند الله حجة عند زيارة بيتها الحرام، وفي الإسكندرية ظهر مهدي منتظر لطيف المزاج، ولاقت رسالته رواجا، فقد أحل المخدرات وطلب شعبان عبد الرحيم لينصبه داعيا لأفكاره .
وللصوفية شأن آخر، في مصر، يصل لدرجة الإيمان في ( بهنباي) شرقية بشيخ يتهافت أتباعه من المشاهير (فنانون وقضاة ولواءات) على تقبيل التراب تحت قدميه، العارف بالله ( كما يدعي ) صالح أبو خليل شيخ الطريقة الخليلية يقدم نفسه باعتباره من أحفاد الرسول صلى الله عليه وسلم ومؤخرا أثار ( سيدي صالح ) الذعر بحوار فهم منه الناس أن الرجل وصل لمراحل النبوة، لكنه أنفق عشرات الألوف لتكذيب ما قال.
ومن تلك النوعية المباركة تجد شيخا في كل ركن في مصر، يتحلق حوله الأتباع، ولعل من أبرز هؤلاء الشيخ عبد الرازق في أسيوط.
وأغلب هؤلاء من صناعة أوهام الناس والأمن، فقد حرص عباقرة مباحث أمن الدولة على تذكية وصناعة دين على هواهم، وعضدوا السلفيين، وجماعات التبليغ والدعوة، معتقدين أنهم البديل عن عنف الجماعات الإسلامية وطموحات الإخوان في الحكم، وهم لا يدركون بغبائهم ( الميري) أنهم يهدمون أحد ثوابت الأمة، وينفخون في النار .
الدين تجارة في مصر تحقق أرباحا، أفضل من تجارة المخدرات والسلاح، ونظرة واحدة على ما آل إليه حال شيوخ السلفية، من أمثال عماد عبد الغفور وبرهامي والحويني، من سكان عشوائيات الإسكندرية سابقا، وانتقالهم للسكن في القصور والسفر للعلاج في أرقى المنتجعات العالمية، وما يحصى الآن من ثروات للشاطر ومالك ورؤوس الإخوان، وما يقال عن كميات الذهب والتبرعات التي تلقى تحت أقدام المشايخ والأولياء من المريدين، يثير الذعر في بلد فقير مثل مصر.
أعرف علماء أجلاء من الأزهر، ماتوا دفاعا عن إعلاء كلمة الدين، بكل سماحة، ولا أعرف شيئا عن علاقة كل هؤلاء الذين يتحدثون عن تجديد الخطاب الديني بالإسلام.
كنت في الخليج على سجادة صلاة المغرب، حارس جديد للبناية من الفلبين، يؤذن بصوت رخيم، كان شابا في مقتبل العمر، وجاء صاحب العمل، وكنا أنا وهو نتناقر كل يوم، يقول أموال النفط تدافع عن الإسلام وأنا أقول مصر، ولما استمع للعامل فرك يديه مزهوا وسأله: هل تجيد قراءة القرآن؟ فقال: نعم، فأجاب على الفور: إذن أنت إمامنا.
ولم يخلف الشاب الظن، وقرأ من قصار السور في صلاة المغرب بصوت ولا أعذب، وعقب الصلاة استرخينا، للتسابيح القليلة، وانتهزها صاحب العمل فرصة ليلكزني قائلا:" هل رأيت ما يفعل الخليج في المسلمين؟" العبارة وصلت لأذن الشاب الفلبيني فانتفض قائلا: " لا .. أنا تعلمت اللغة العربية وقراءة القرآن هناك في الفلبين على يد الشيخ سيد البنا، هذا الرجل القادم من الأزهرأستاذنا، كان يحبنا كأولاده ويعلمنا القرآن والحياة، وكان فقيرا ويتقاسم معنا الحياة ويعطينا من راتبه".
وضحكت يومها كما لم أضحك من قبل، وقلت لصاحبي، إشرب ولا كل أموال الخليج تساوي كلمة مما قال.
ماذا جرى لمصر؟
وماذا جرى للأزهر تحديدا ليخترق صفوفه المتشددون والوهابيون والمرتزقة؟
أوقن جيدا أن على رأس الأزهر رجل صالح، يحب دينه ووطنه، لكن المهمة ثقيلة، وسط كل هذه الفوضى الدينية، التي صنعها الأمن بتكوين الجماعات الدينية لضرب الناصريين والشيوعيين، أو تعزيز السلفيين والمتصوفة، لإبعاد الناس عن المتشددين.
وأرجو أن يستعيد الأزهر مكانته، على يد الطيب، ولن يتحقق هذا إلا باستقلاله عن الدولة، ليعود كما كان قبل تلك الخطيئة التي ارتكبها عبد الناصر.
زمان كان هناك وقف عشرة فدادين، لبغلة شيخ الأزهر، وأوقاف أخرى للأزهر وعلماء المسلمين، وكان هؤلاء نموذجا للرفعة والوسطية والإنصاف، ويقومون بدورهم في مكافحة التشدد والتطرف عن اقتناع، وبرسائل علمية قمة في التبحر الفقهى والحداثة، لكن كل هذا ضاع يوم أن أحال عبد الناصر الأزهر بجرة قلم لمجموعة من الموظفين وصادر أوقافات المسلمين.
فهل نطمع في أن نستعيد الأزهر الذي كان؟
تخيلوا معي: نستعيد الأزهر ونستغني عن الإخوان والجماعة الإسلامية والدعوة السلفية وأولياء الله غير الصالحين وشيوخ أمن الدولة.
لك الله يامصر.
كتب : عادل سعد