تحل اليوم ذكرى ميلاد الكاتب الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل، الذي ربطته بكوكب الشرق أم كلثوم علاقة وطيدة، فكل منهما كان جنديًا في تخصصه، هو في الكتابة والرصد والتحليل السياسي، وهي في شحذ الهمم ورفع الروح المعنوية للجيش على جبهته وللشعب من خلال ما قدمته من أغانٍ وطنية وما جمعته من أموال للمجهود الحربي والتسليح.

في ذكرى ميلاد الأستاذ هيكل.. نلقي الضوء على سابقة مبتكرة تبادلت فيها أم كلثوم دور المحاور مع هيكل.

يمن الله كل فترة زمنية على مصر بشخصية عبقرية في مجالها، تصنع الأمجاد وتضفي على العصر إبداعاً، وبما لا يدعو للشك، كانت فترة الأربعينيات والخمسينيات بزوغ فجر العبقريات في عدة مجالات، فتعد تلك الحقبة من أزهى العصور في مصر في كل من المجالات السياسية والثقافية والفنية والأدبية وغيرها.

في شهر رمضان عام 1955، طرأت على ذهن العبقري الإذاعي محمد حسن الشجاعي فكرة رائعة وهي أن يصبح الفنان مذيعاً، بدلاً من أن يكون مصدراً للأخبار، فعليه أن يكون هو جالباً للأخبار ومحاوراً للساسة والأدباء والفنانين.

عرض الشجاعي على كوكب الشرق أن تتبادل الأدوار مع الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل، وأن تجري معه حوراً إذاعياً حول حدث هام، وهو حركة عدم الانحياز التي كانت في مهدها آنذاك، ووافقت أم كلثوم أن تجري الحوار مع الكاتب والمحلل السياسي المحنك هيكل، وقد كانت تربطهما صداقة قوية، فقد وصفها هيكل بأنها من أكبر عناصر قوة مصر الناعمة لما لها من براعة في التأثير على الجنود والجماهير من خلال فنها، وقد كانت ترى فيه العقلاني القريب من الساسة ودائرة صنع القرار السياسي والعسكري.

وصف هيكل "المحاورة" أم كلثوم بأنها شديدة الدقة في فترة الإعداد قبل أن تحاوره، فقد سألته في الكواليس أولاً عن مضمون حركة عدم الانحياز، حتى تبدو مُلمة بجوانب الحركة وأهدافها عند إذاعة الحديث، فأخبرها هيكل بأن عدم الانحياز هو موقف مستقل تتحرك فيه الدولة في كل قضية بمقتضى رأيها الخاص بدون انحياز سابق لمعسكر أو موقف معين، وقد أشاد هيكل بقوة أم كلثوم وبراعتها كمحاورة وإصراراها أن تلم بجوانب الموضوع بكل دقة، وقد أذيع الحوار البديع الرامي إلى إخبار الجماهير بأحداث العصر من خلال "محاورة"، فالناس يعشقون صوتها وهي تغني، فما بالك عندما تنخرط حبيبة الجماهير في مهنة الصحافة لتصبح هي المحاورة وهيكل هو من يجيب على تساؤلاتها؟.

وتنشر “الهلال اليوم” صورًا شديدة الندرة جمعت أم كلثوم وهيكل أثناء تبادلهما الأدوار وتسجيل هذا الحوار الهام.