تقرير: أشرف التعلبى
قد يكون لوزير التربية والتعليم د. طارق شوقى أن يتباهى بمشروعه لتطوير التعليم وإنهاء معاناة الأسر المصرية مع بعبع الثانوية العامة، قد يكون من حقه الحديث عن نجاح ولو جزءا ضعيفا فى ملف ترقية المعلمين، والذى تعدى النصف مليون معلم دفعة واحدة، ويمكن أن نناقش ونتجادل فى هذه الأمور ونقبل من الوزير، ونرفض على أرضية مشتركة هدفها الأساسى رغبته المؤكدة والتى لا ينكرها أحد فى تطوير التعليم ورغبتنا أيضا فى مستقبل تعليمى متميز لأبناء مصر، بعيدا عن التعقيدات والانتهازية التى تمارسها بعض المؤسسات التعليمية فى مصر، وهذا هو الأهم، فلم يكن مقبولا ولا منتظرا من الوزير وهو يتحدث مرارا وتكرارا عن حق الطالب فى التعلم أن يرضخ أو يستسلم بهذه السهولة أمام مافيا المدارس الخاصة واللغات، التى لم تستجب لقراراته ولم ترتدع لتهديداته ولم تلبِ حتى طلباته، فقد أثبتت المدارس الخاصة فعلا أنها مافيا أقوى من الوزير، وأنه ليس من السهل عليه أن يعاندهم أو يفرض عليهم رأيا أو قاعدة.
الوزير عندما بدأ مهمته فى وزارة التربية والتعليم وعد بأنه سيردع جبروت المدارس الخاصة، وسيلزمهم بالانصياع لقرارات الوزارة، وسيفرض عليهم قرارات تحديد المصروفات، كان كلام الوزير يبدو واضحا فى قوته وصراحته، حتى إن الجميع استبشروا خيرا، وانتظروا أن يجبر الوزير فعلا المدارس الخاصة بالقانون على الرضوخ للوزارة ويلزمهم بما سيفرضه عليهم من نسب للمصروفات، لكن ما حدث عكس ذلك تماما، المدارس الخاصة فعلت ما تريد وفرضت الرسوم والمصروفات التى تريدها رغما عن الوزير والوزارة، ووصلت نسب الزيادات فى أغلب المدارس الخاصة ما بين ٢٠ بالمائة و٤٠ بالمائة، رغم أن قرارات الوزارة جعلتها فى حدود الـ٧ بالمائة.
الفارق بين القرار الوزارى وقرارات المدارس ضخم، ومع ذلك لم يجد أولياء الأمور تحركا من الوزارة أو حتى مناشدة للمدارس بأن تلتزم بالزيادات المحددة، لجأ الآباء والأمهات إلى الوزارة وإدارات التربية والتعليم يشكون انتهازية بعض المدارس، التى لم تراعِ قانونا، ولم تحترم وزارة؛ لكن أحدا لم يسأل عنهم، رغم أن الوزير كان يتحدث فى قراراته عن أن أى مدرسة ستخالف ستوضع تحت الإشراف المالى والإدارى، لكن لم يحدث أن وضعت أى مدرسة تغالى فى المصروفات تحت أى إشراف أو حتى وصلها تحذير بذلك، بل وزاد الامر أن الوزير نفسه تراجع عن الاشراف المالى واكتفى بالحديث عن الغرامات المالية . وحتي هذا لم يحدث فلم تعاقب مدرسة باى طريقة والدليل أن إدارات المدارس التى زادت مصروفاتها واجهت الأسر بكل عناد.
الغريب أن الوزارة تتحجج بأنها حتى تتحرك لابد أن تتلقى شكاوى من أولياء الأمور بمخالفة المدارس للقرار الوزارى، وهذا فى حد ذاته كما يطلق عليه كثير من أولياء الأمور شرطا تعجيزيا؛ لأن تجربتهم مع هذه المدارس، أنها لا تتورع عن ممارسة الأساليب الانتقامية، فمن يشكو عليه أن يتحمل ولن تحميه الوزارة من انتقامية المدرسة.
أولياء الأمور طالبوا بل ناشدوا الوزارة بعدم الاعتماد على هذه الشكاوى أو على الأقل لا تفرض عليهم ذلك؛ خشية ترصد المدارس لأبنائهم، لكن الوزارة اعتبرت الشكاوى هى الشرط للتحرك، رغم أن الزيادات على عين الوزارة ومسئوليها ويعرفونها جيدا، وكان الأولى بالوزارة أن تحرك لجانا مفاجئة للتفتيش على المدارس ولم يحدث هذا.
الأغرب أيضا أن عبير ابراهيم مديرة إدارة المدارس الخاصة التى تعهدت بأنها لن تترك مدرسة تفعل ما يروق لها، وأعلنت أنها مستعدة للتحرك فورا فى حالة أى مخالفة، هى الأخرى لم يُسمع لها صوت، صمتت بلا مبرر وكأنها عاجزة عن مواجهة المافيا، بل حتى تليفونها لم تعد ترد عليه.
ما أعلنته السيدة عبير بنفسها فى مؤتمر صحفى فى مايو الماضى حدد شرائح الزيادات بوضوح حسب القرار رقم ١٧٣ لعام ٢٠١٧، تضمن أن نسب الزيادة المسموح بها كالتالى:
بالنسبة للمدارس التى تقل مصروفاتها عن ٢٠٠٠ جنيه تزيد بنسبة ١١ في المائة، المدارس التى تبلغ مصروفاتها من ٢٠٠٠ لـ ٣٠٠٠ تزيد بنسبة ٨ في المائة، والمدارس التى تبدأ مصروفاتها من ٧ آلاف فيما فوق تزداد ٥ في المائة، موضحة أن إجمالى عدد المدارس الخاصة ٦٦٦٤، وعدد المدارس الدولية ٢١٧، ومدارس اللغات ٦٤٤٧.
هذا ما أعلنته السيدة عبير بالحرف فى مؤتمرها الصحفى فى مايو الماضى وكانت تشديداتها واضحة بأن المصروفات ستسرى على كل المدارس دون تفرقة ودون تلاعب من أحد، لأنه لن يسمح بالتلاعب أو زيادة المصروفات كما تريد أى مدرسة على مزاجها، لكن كلام وتهديدات السيدة عبير وكأنها ذهبت أدراج الرياح، حتى عندما أرادت وزارة التربية والتعليم فرض شبه سيطرة على الأمر وحاولت إلزام المدارس بأن يكون سداد المصروفات عن طريق أحد البنوك لم تستسلم المدارس للأمر بل تحايلت عليه، بعضها رفضت أصلا هذا الأمر ووجهت إلى الأسر رسائل عبر الواتس أو من خلال موقعها بعدم السداد فى البنوك والالتزام بالسداد فى مبنى المدرسة، وبعضها الآخر تحايل بطريقة أخرى وطلب من أولياء الأمر أن يكون السداد فى البنوك للمصروفات التعليمية فقط، بينما باقى المصروفات تسدد فى المدرسة حتى لا ترصدها الوزارة، وبالطبع سيكون التلاعب كبيرا فى المصروفات الأخرى،
صرخات أولياء الأمور من تجاهل الوزارة للزيادات غير المعقولة فى مصروفات المدارس الخاصة واللغات تزلزل الواتس والفيس بوك، وجروبات أنشئت خصيصا لهذا الغرض وبهدف التجمع لمحاولة إيجاد حلول، لكن لا حياة لمن تنادى لأن الوزارة أصلا أصمت أذنها.
على سبيل المثال مدارس «صن رايز» بالدائرى و»مصر ٢٠٠٠» للغات بالتجمع، ومدارس نيرمين إسماعيل انجليش وفرنسى بالتجمع وآل ياسر وصلت الزيادات فى مصروفات بعض السنوات إلى ٤٠ بالمائة.
مدرسة الفاروق الإسلامية، أو هكذا يطلقون عليها سارعت هى الأخرى وزادت مصروفاتها إلى ١٤ بالمائة، ورغم أن هذه الزيادة قد تكون مقبولة إلى حد ما مقارنة بباقى المدارس، لكن الكارثة فى الفاروق أن مصاريف الكتب لها بند خاص ووصل سعرها هذا العام حسب تقدير أحد أولياء الأمور إلى ألفى جنيه.
مدرسة المصرية للغات بفرعيها مدينة نصر والقاهرة الجديدة وصلت فيها الزيادة إلى حدود ٣٥ بالمائة، ففى الصف الثالث الابتدائى كانت المصروفات ١٤ ألف جنيه وصلت إلى ١٨ ألفا، بينما فى الصف الخامس مثلا كانت المصروفات ١٢ ألف جنيه وصلت بعد الزيادة هذا العام إلى ١٦ ألف جنيه،
الأدهى والأمر أن هذه الزيادات المرتفعة فى فصول النقل تزيد أكثر بكثير فى « كى جى وان» ففى إحدى المدارس وصلت مصروفات «كى جى وان» إلى ١٧ ألف جنيه زادت هذا العام إلى ٢٥ ألف جنيه، وفى بعض المدارس الأخرى وصلت المصروفات إلى ٢٩ ألف جنيه، أى زيادة تعدت الـ٨ آلاف جنيه مصري دون مبرر.
أحد أولياء الأمور يروى أنه عندما أراد الاستفهام من المدرسة عن حدود المصروفات التى أعلنتها الوزارة، كانت الإجابة أن المدرسة هى التى تحدد ولو مش عاجبه ممكن ينقل ابنه.
المشكلة الحقيقية أن كثيرا من الأسر لديهم أكثر من طالب أو تلميذ فى المدرسة، وهو ما يعنى أن الزيادة تعنى ميزانية أخرى جديدة تربك حسابات الأسرة، وهو ما جعل الكثير من تلك الأسر تعانى أشد المعاناة وتشكو من تجاهل الوزارة،
ناهيك عن الطريق الآخر للتكسب وتحقيق الأرباح على حساب الأهالى من خلال الأبليكيشن.
بالتأكيد طبيعى جدا أن كل من يرغب فى التقديم لابنه فى مدرسة أن يملأ «أبليكيشن» خاصا، لكن غير الطبيعى أن يصل سعر الأبليكيشن فى بعض المدارس إلى حدود ٨٠٠ جنيه، وغير الطبيعى أيضا أن يصل تلاعب المدارس إلى حد أن يكون قرارها من البداية هو قبول الأشقاء فقط أو قبول عدد محدد، ورغم ذلك تفتح باب تلقى الطلبات دون حدود ودون تطبيق المعايير التي وضعتها بنفسها لمجرد أنه تريد تحقيق أكبر عائد من «الابليكيشن».
القصة لم تقتصر فقط على مصروفات الدراسة، وإنما الزيادة الأكبر والأهم كانت فى مصروفات الباص، الباب الملكى للمدارس الخاصة لتحقيق المكاسب دون رقيب ولا حسيب، ففى بعض المدارس زادت مصروفات الباص إلى حدود الـ٥٠ في المائة، وبعض المدارس وإن التزمت بالزيادة التى قررتها الوزارة لكنها فى المقابل رفعت أسعار الباص لما يجاوز الـ٤٥ في المائة مثل مدرسة كمبردج.
القضية قد يراها البعض تخص فئة قادرة، لكن الحقيقة أن أغلب هؤلاء من أبناء الطبقة الوسطى الذين يدبرون مصروفات مدارس أبنائهم بالادخار والجمعيات والسلف الوظيفية، وأى زيادة غير معقولة تربك حساباتهم تماما.
إضافة إلى ذلك فقد يقول البعض إنه على هؤلاء أن يغادروا المدارس الخاصة واللغات إذا لم يكونوا قادرين على مصروفاتها.. لكن القصة ليست بهذه البساطة فمهما كان الأمر، فالمدارس الخاصة تلعب دورا مهما فى التعليم وتخفف العبء كثيرا عن كاهل المدارس الحكومية، وعدم قدرتها على استيعاب اى زياذات فى الطلاب كما أن هذه الأسر لم تجرم عندما ألحقت أبناءها بالمدارس الخاصة، ولم تطلب ما يخالف القانون، فقط تطالب الوزارة بإلزام المدارس بالقرارات التى أصدرتها، وهذا حق لأى ولى أمر، فهل فقدت الوزارة سيطرتها على المدارس الخاصة واللغات؟، هل انتصرت هذه المدارس؟، وأجبرت الوزير على مصروفاتها؟!