الإثنين 13 مايو 2024

أريدُكِ لونَ أغنيتي!!

مقالات21-6-2023 | 11:50

أيمكن أن نتصور ولو من باب الافتراض الجدلي، خلوَّ حياة الرجل من المرأة ؟!!.. إننا لو عدنا بالذاكرة، واسترجعنا الحياة البدويّة لأجدادنا الأوائل التي بظروفها وأحوالها المضطربة قد فرضت عليهم عدم الاستقرار وأجبرتهم على خوض المغامرات، ولم ترحمهم من نوبات القلق المستمر والخوف من مطاردة أسباب الهلاك التي تتعقَّب مواضع أقدامهم، وتترصد حوافر أفراسهم بفخاخها، هذه الظروف جعلت من المرأة الملاذ الأوحد الذي يُحتمَي به عند مواجهة أسباب الموت، لقد رأى أجدادنا في المرأة الوجه الآخر للطبيعة، وإذا كانت الطبيعة بأطلالها وآثار مَنْ رحلوا باعثةً على الإحساس بالضياع والتشتُّت، فإن المرأةَ العنصرُ الحقيقيُّ المولِّدُ السّكينةَ والأمان، والباعث على استمرارالحياة، ومن هنا حفلت القصائد بالمقدّمات الطّلليّة الغزليّة التي لا يتأبى فيها الرجل أن يعترف باحتلال المرأة قلبه؛ يستوي في ذلك الملوك مثل عمرو بن كلثوم الذي يستجدي بقاء حبيبته وقد تجهزتْ للرحيل فيقول لها ( قفي قبل التفرق ياظعينا * * نخبِّرْكِ اليقين وتخبرينا ) وأيضاً العوام مثل الأعشى فيصف رحيلها ( ودِّعْ هريرةَ إن الركب مرتحلٌ * * وهل تطيق وداعا أيها الرجل) ، ثمّ يلى المقدمات الطللية الغزلية فخرُ الشّاعر ببراعته في النزال وركوب الخيل، فهذان الأمران الفوز في النزال والفوز في الحب ) لازمان للبقاء، من خلال الحفاظ على الحياة من جهة، والتّناسل من جهةٍ ثانيةٍ ، فإذا أضفنا إلى المشهد جمال المرأة العربيّة الجسديّ والروحيّ، فلا استغراب إذا سَبَتْ بسلطان جمالها الرّجل، فأحبها، وأكثر التغزل في كل مفاتنها !!

ولم يترك الشاعر العربي شيئًا من مفاتن المرأة الحسيَّة.. تقاطيع جسمها وثيابها وأدوات زينتها إلا ووصفه ، فقد أحب المرأة البيضاء ؛ فهذا كعب بن زهير أراد وصف قوام محبوبته وما تمتاز به من اجتماع الرشاقة والسمنة حال إقبالها وإدبارها (هيفاء مقبلةً عجزاء مدبرةً * * لا يُشتكى قِصَرٌ منها ولا طول ) وهذا معن بن أوس يعترف دون مواربةٍ أن حبيبته قد ذهبت عيناها الواسعتان اللتان تشبهان عينيّْ ولد المها بعقله، وكذلك جيدها الطويل كجيد ظبية فيقول (سَبَتْني بعينيْ جُؤذُرٍ بخميلةٍ * * وجيدٍ كجيدِ الرّئمِ زيّنَه النّظمُ ) ومجمل القول إن الشاعر العربي ما ترك موضعاً من محاسنَ الصّدر والخصر والرّدفين، وطول العنق وطول الشّعر، وكل ما من شأنه أن يساعد على مرونة الحركة والتّثنّي إلا ووصفه بتمعُّنٍ، لكن المستغرب أنه وسط طوفان الوصف الحسي للمرأة كان للجمال الروحي نصيبٌ من الشعر الجاهلي لينشأ سؤالٌ ألا وهو مَنْ الذي يهتم بجمال الروح  في العصر الجاهلي؟!! لنكتشف أن الشاعر العاشق لا يرى الجمال بقدر ما يأسره سحر المرأة وحده فهو يفضل أكثر النساء سحراً على أكثرهن جمالا!!

كل ذلك قبل أن يستشري تيار الغزل العذري في الخلافة الأموية، فهذا السُّلَيك بن السُّلَكَة يرى المرأة العفيفة الحيية التي يستحيل الإيقاع بها هي المثال للمرأة فهي لا تجلب لأبيها فضيحةً، ولا تُلحق بإخوتها عاراً : (من الخَفِرات لمْ تفضحْ أباها ** ولم ترفعْ لإخوتها شنارا )، والنّابغة الذّبياني يرى في  ضحكة المرأة فخاً جاذباً قادراً على قنص الوعول ، يغري السّحابَ على الإبراق : (وإنْ ضحكتْ للعُصْمِ ظلّتْ روانيا * * إليها وإنْ تبسمْ إلى المُزْنِ تَبْرُقِ )، هل يمكننا تجاوزعنترة العبسي إذ يرى المرأةَ روحٌ يتجسَّد جمالها حينما تغطِّيه غلالة من الأدب والعفّة والحياء : (دارٌ لآنسةٍ غضيضٍ طرْفُها * * طوعِ العناقِ لذيذةِ المُتَبَسَّمِ ).

ليأتي العصر الحديث وتيار الرومانسية فنقرأ الجديد عند أبي القاسم الشابي (عذبةٌ أنتِ كالطّفولة، كالأحلام ** كاللّحنِ، كالصّباحِ الجديدِ) ؛ لنرى انسجام المجاز واللغة في تصوير كل ما هو معنوي ببراءة الطفل وسمو الروح ( كالسّماء الضّحوكِ كاللّيلة القمراء * * كالوردِ، كابتسام الوليدِ ) ورغم انبعاث عاطفة الذكورة تجاه الأنوثة إلا أن الشابي لم يسقط في الأوصاف الحسية؛ ليأتي نزار قباني الذي كثيرا ما استدرجه الوصف الحسي لمفاتن الأنثى ليدرك روعة سحر المعنوي ( وصاحبتي إذا ضحكتْ / يسيل الليل موسيقا /تفنن حين تطلقها / كحُقِّ الورد تنسيقا ) ، والقائمة تطول إذا أردنا الحصر !!! لنصل إلى محطتنا الأخيرة والشاعر الكاميروني جيريمي لوران ديفو وقصيدته ( أس . أو . أس ) .. أدهشني عنوانُ القصيدة وتكرار "أس" مرتين بينهما حرف التخيير "أو" !! هل بداية القصيدة الرافضة أن تكون أنثاه صورةً متكررةً منه ثم يأتي ختام القصيدة  بوجوب أن تتطابق أعينهما في النظرة والتوافق النفسي على ذات الموجة ...؟!!  جائز !! لكن المدهش أن الشاعر لم يلتفت إلى وصفٍ حسيٍّ يحب توافره في أنثاه بل هي صفاتٌ راقيةٌ تجسِّد صورة أنثى ذات إطار معنوي آخذٍ بعقل الشاعر ينتهي بحصادٍ ثقافي مشترَكٍ ... فمع الكاميروني  جيريمي لوران وقصيدته المدهشة ( أس.أو. أس) : أنا! المثقف الصيني أبحث عن أنا أخرى ...لا تكون أنا!! أنا لا تكون فماً ذا ضحكةٍ ساخرةٍ ... أو دوّارة هواءٍ مخادعة.. أو تنطق بلغة فاحشة بل أنا لبقة فنانة تحب عزف المزمار أريد إذًا أنا متحمّسة طموحة ومستبصرة تعي ذاتها.. لديها ميولي.. تهتزّ على موجاتي نفسها.. تنظر إلى الاتجاه الذي أنظر إليه، أنا تعطي الأولوية للنضال الفكري الذي أخوضه كي نتسلق معا أدراج هضبات «كونفوشيوس» لنقطف حصادنا.

Dr.Radwa
Egypt Air