تحل اليوم 21 يونيو ذكرى وفاة الشاعر الكبير حافظ إبراهيم، أحد أبرز وأهم الشعراء في تاريخ مصر، والذي لُقِّب بـ شاعر النيل، وهو لقب أطلقه عليه صديقه المقرب أمير الشعراء أحمد شوقي ومن ألقابه الأخرى أيضًا شاعر الشعب.
ولد حافظ إبراهيم في 24 فبراير من عام 1872م، في محافظة أسيوط، وتمت ولادته على متن سفينة كانت ترسي على نهر النيل أمام ديروط وهي مركز من مراكز محافظة أسيوط.
رحل والده عن الحياة وكان مازال حافظ طفل صغير، ومن ثم أتت به أمه قبل وفاتها إلى القاهرة الذي نشأ فيها يتيما تحت كفالة خاله الذي كان ضيق الرزق حيث كان يعمل مهندسا في مصلحة التنظيم، وبعدها انتقل خاله إلى مدينة طنطا وهناك درس حافظ في الكتّاب، وعندما شعر حافظ إبراهيم بضيق حالة خاله المادية أثر في نفسه هذا الأمر، فرحل عنه وترك له رسالة كتب فيها:
ثقلت عليك مؤونتي .. إني أراها واهية
فافرح فإني ذاهب .. متوجه في داهية
امتلك حافظ إبراهيم ذاكرة قوية، جعلته إحدى عجائب زمنه، دامت معه حتى وفاته، فلم يصبها الوهن والضعف برغم مرور السن وكبر عمره، ومكنته من أن يحفظ الآف القصائد العربية القديمة والحديثة، وكانت لدى حافظ إبراهيم القدرة على قراءة كتاب أو ديوان شعر كامل في عدة دقائق أو بقراءة سريعة وذلك بشهادة من أصدقائه، كما كانت له القدرة أيضًا على تلاوة القرآن بالرواية التي سمع القارئ يقرأ بها.
وبرغم تلك الهبة الرائعة في قوة ذاكرته، على أن حافظ إبراهيم قد أصابه في الفترة من 1911 إلى 1932م، داء اللامبالاة والذي من أثاره الكسل وعدم العناية بتنمية مخزونه الفكري بالرغم من أنه كان رئيسًا للقسم الأدبي بدار الكتب على أنه لم يقرأ في هذه الفترة كتابًا واحدًا من آلاف الكتب التي تزخر بها الدار، وقد أعاد البعض هذه المسألة إلى عدة أسباب منها أن نظر حافظ إبراهيم بدأ بالذبول فخاف أم يكون مصير بصره مثل ما لحق بالبارودي في أواخر أيامه، والبعض الآخر أعاد الأمر إلى أن حافظ قد أصابه الملل من هذه الكتب مترامية الأطراف.
كان حافظ إبراهيم رجل مرح وابن نكتة وسريع البديهة يملأ المجلس وأي جلسات أخرى ببشاشته وفكاهاته الطريفة التي لا تخطئ مرماها.
وتميز شعر حافظ إبراهيم بالقوة، حيث سجل شعره الأحداث كأنما كان يسجلها بدماء قلبه وأجزاء ويصوغ منها أدبا قيما يحث النفوس ويدفعها إلى النهضة، سواء أضحك في شعره أم بكى وأمل أم يئس، فقد كان يتربص كل حادث هام يعرض فيخلق منه موضوعا لشعره ويملؤه بما يجيش في صدره.
كان لحافظ إبراهيم أسلوبه الخاص في كتابة الشعر، في حين أنه لم يكن يتمتع بقدر وافر من الخيال، لكنه استعاض عن ذلك بقوة الجمل وتراكيب الكلمات وجمال الصياغة.
اتفق الكل على أن حافظ إبراهيم كان أحسن خلق الله إنشادًا للشعر، ومن أروع المناسبات التي أنشد حافظ فيها شعره بكفاءة هي حفلة تكريم أحمد شوقي ومبايعته أميراً للشعر في دار الأوبرا الخديوية.
في الساعة الخامسة من صباح يوم الخميس الموافق 21 يونيو عام 1932م، توفي حافظ إبراهيم، وكان قد استدعى اثنين من أصحابه لتناول العشاء ولم يشاركهما لمرض أحس به.. وبعد مغادرتهما شعر بوطء المرض فنادى غلامه الذي أسرع لاستدعاء الطبيب وعندما عاد كان حافظ في النزع الأخير، توفي ودُفن في مقابر السيدة نفيسة، وعندما علم أحمد شوقي صديق عمره بهذا النبأ كتب: قد كنت أوثر أن تقول رثائي .. يا منصف الموتى من الأحياء